هل حققت خطط التنمية الـ 8 أهدافها الصحية السابقة؟
استعرض الدكتور صالح الحصيني رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى تقريرا أوضح فيه أن 88.7 في المائة من الأهداف التنموية الثمانية قد تحققت. ولعل الخبر المنشور في جريدة «الاقتصادية» لم يحدد ما إذا كان مقصد الدكتور صالح بالأهداف التي تحققت الأهداف الاقتصادية أم كل الأهداف التنموية؟ ولعلي أتساءل في هذا السياق عما إذا كانت الأهداف الصحية من ضمن نطاق الأهداف التنموية التي تحققت؟ وكيف تم قياس تلك الأهداف؟ ومن ثم كيف تم تقييم مدى تحققها؟ وهل مجرد تحقيق الرقم المذكور في الخطط التنموية يعني أن الأهداف تحققت فعليا على أرض الواقع أم أن المقصود أن الرقم تحقق كرقم بعيدا عن تأثيره في أرض الواقع؟ فمثلا ذكرت الخطط التنموية الثماني أنه تم إنشاء قرابة ألفي مركز صحي وأكثر من 200 مستشفى. عند قراءات هذه الأرقام تبدو مبهجة لكن عن السؤال هل حقق الألفا مركز الهدف من إنشائها؟ وكيف يتم تصنف هذه المراكز على أنها مراكز رعاية أولية مع أن معظم هذه المراكز لا تتوافر فيها أجهزة أشعة أو مختبرات أو عيادات أسنان؟ الإحصائيات الصحية من وزارة الصحة تقول إن أكثر من ربع هذه المراكز لا تتوافر فيها مختبرات صحية, كما أن أكثر من نصف تلك المراكز دون أجهزة أشعة, كما أن أكثر من ثلاثة أرباع تلك المراكز دون عيادات أسنان. إذا ماذا يعني أن لدينا قرابة ألفي مركز صحي؟ وهل أعضاء مجلس الشورى عند تقييم الإنجاز ينظرون إلى الأرقام المرفوعة مجردة أم ماذا حققت تلك الأرقام على أرض الواقع؟
إذا كان الهدف تحقيق رقم مجرد فإنني أتفق مع رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى بل ربما تحقق أكثر من 88.7 في المائة من الأهداف الصحية, أما إذا كان الهدف عن انعكاس هذه الأرقام على صحة المواطن فإنني أخشى عدم اتفاقي مع رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الشورى.
خطط التنمية منذ الخطة الثانية تقول إن الهدف من إنشاء مراكز الرعاية الأولية تقليل الطلب على المستشفيات العامة والتخصصية, لذا فإن عديدا من الدراسات العلمية عن المملكة أثبتت أن زيادة إنشاء مراكز الرعاية الأولية لم تحقق الهدف من إنشائها بسبب أن زيادة هذه المراكز لم تخفف الطلب على الرعاية الصحية عن طريق المستشفيات.
كما أن كتاب «إنجازات خطط التنمية حقائق وأرقام» الصادر حديثا عن وزارة التخطيط استعرض بعض الخطط التنموية الصحية التي تحققت مع أن المحرك لتحسين تلك الخطط ليس مرجعها تحسن الخدمات الصحية وإنما زيادة الوعي الصحي لدى السعوديين وزيادة المستوى التعليمي, خصوصا تعليم المرأة. فمثلا ذكر في الكتاب «ارتفاع نسبة الولادات التي تمت تحت إشراف مهنيين صحيين إلى 97 في المائة وبمؤشر تغطية صحية متقدمة للأسرة والطفل في جميع أرجاء المملكة, لكن زيادة هذا المؤشر ليس لأسباب صحية صرفة فقط وإنما لزيادة الوعي والتعليم لدى السعوديين, خصوصا تعليم المرأة, ما زاد الولادات عبر المستشفيات. في الخطتين التنمويتين الأولى والثانية كانت معدلات الولادات أقل على الرغم من توافر الأسرة اللازمة وقلة الطلب على الخدمات الصحية, في ذلك الوقت, بسبب قلة الوعي وارتقاع نسبة سكان البادية في ذلك الوقت حيث تجاوزت 10 في المائة حسب إحصائيات وزارة التخطط. هناك عوامل أسهمت في زيادة المواليد قد يكون توافر الرعاية الصحية أحدها لكنه ليس العامل الوحيد المؤثر فيها, كما أن نسب الطلب على الخدمات الصحية زادت بشكل كبير دون زيادة مماثلة للخدمات الصحية المقدمة أو تحديد آلية عملية للتعامل مع زيادة الطلب على الخدمات الصحية.
لا يعني كلامي أن الخدمات الصحية لدينا لم تحقق أيا من أهدافها التنموية لكن علينا أن نكون أكثر دقة عند تحليل الأرقام الصحية. لا شك أن هناك أرقاما صحية مشرفة, خصوصا انخفاض معدل وفيات الأطفال الرضع بل إن المملكة تأتي من ضمن أقل المعدلات المسجلة في منطقة الشرق الأوسط حسب الإحصاءات الدولية, كما أن معدل وفيات الأمهات في المملكة يأتي في المرتبة الثالثة ضمن أقل المعدلات المسجلة في المنطقة, كما أن المملكة حققت نتائج مميزة في انخفاض معدل انتشار الأمراض المعدية المستهدفة بالتحصين. لكن عند تحليل الأرقام الصحية علينا النظر بشفافية وعدم إعطاء أحكام عامة دون التدقيق في تفسيرها وفق قراءة متأنية بعيدا عن إصدار أحكام عامة مجردة. ختاما, أتمنى من أعضاء مجلس الشورى أن يكونوا أكثر دقة في تحليل الأرقام والنظر إلى المعطيات جميعها والنظر خلف الأرقام وفق معطياتها الحقيقية.