رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أمية العمالة .. مَن المستفيد؟ (2)

تطرقت في مقال الأسبوع الماضي إلى مخاطر أمية العمالة الموجودة على أرض المملكة التي تتجاوز 840 ألف عامل, إضافة إلى أكثر من 3.3 مليون عامل يقرأون ويكتبون فقط دون حمل أي مؤهل في التعليم العام. وهؤلاء بمجموعهم (الأميون والذين يقرأون ويكتبون) يمثلون ما نسبته 76 في المائة من العمالة الموجودة في المملكة. في مقابل ذلك, يبلغ عدد العاملين السعوديين من الأميين 18.4 ألف عامل يمثلون ما نسبته 2.23 في المائة فقط من العاملين السعوديين. وإذا أضفنا إلى هذا الرقم عدد العاملين السعوديين ممن يقرأون ويكتبون فقط الذين يبلغ تعدادهم 137.2 ألف عامل، فإن نسبة العمالة السعودية ممن لا تحمل أي مؤهل عام ستبلغ ما نسبته 18.8 في المائة من مجموع العاملين السعوديين.
والمقارنة بين نسبة حملة المؤهلات العلمية بين العاملين في القطاع الخاص من الأجانب والعاملين السعوديين تدعو إلى الدهشة, فهذه النسبة تزداد كلما ازداد المؤهل العلمي بالنسبة إلى السعوديين, بينما تتناقص في حالة العمالة الأجنبية. حيث تبدأ نسبة حملة المؤهل العلمي (ابتدائي, متوسط ... دكتوراة) من السعوديين بتجاوز هذه النسبة من العاملين الأجانب من المرحلة الابتدائية حتى درجة الدكتوراة التي يبلغ نسبة من يحملها من السعوديين العاملين في القطاع الخاص 11 في المائة في مقابل 12 في المائة بالنسبة إلى العاملين الأجانب. وهذا الأمر قد يعود بالدرجة الأولى إلى توافر فرص عمل جيدة في القطاع الأكاديمي أو القطاعات الحكومية بالنسبة إلى حملة درجة الدكتوراة من السعوديين. وهذا يدلل على أننا نوظف عمالة متدنية التعليم والمهارة تسبب كثيرا من الخلل سواء في قطاع العمل أو في القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى, على الرغم من أن مستوى تأهيل العمالة السعودية أكثر بكثير من العمالة الأجنبية.
وهنا أتساءل عن صحة الفرضية التي ينادي بها كثير ممن يتناولون قضية السعودة, بعدم تأهيل المواطن السعودي, أو عدم تناسب مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل كسبب من أسباب ازدياد البطالة بين المواطنين السعوديين. كما أنها تطرح تساؤلات كثيرة عن أسباب تزايد اعتماد القطاع الخاص على عمالة ذات تأهيل متدن في ظل توافر عمالة وطنية بمؤهلات أعلى. قد يكون السبب انخفاض تكلفة العمالة وبالتالي زيادة ربحية رب العمل. وقد يكون السبب وجود عمالة هامشية وسائبة تعمل باسم مؤسسات أفراد سعوديين ولحسابها الخاص. وقد يكون السبب إتاحة الفرصة لقيام مؤسسات طفيلية لا تحقق قيمة مضافة بالنسبة إلى المجتمع كالمحال التجارية المنتشرة في كل زاوية من زوايا المدن, وقد تكون هناك أسباب أخرى يتطلب الكشف عنها مزيداً من البحث.
إحصاءات رواتب العاملين في منشآت القطاع الخاص تدعم فرضية عامل التكلفة كسبب رئيس لتزايد اعتماد الخاص على العمالة الأجنبية المتدنية المهارة, حيث يبلغ متوسط رواتب السعوديين العاملين في القطاع الخاص ثلاثة أضعاف ونصف متوسط رواتب العاملين الأجانب. وهو ما يجعل تعيين العامل الأجنبي مغريا لقطاع الأعمال, هذا إضافة إلى ما يسهم به نظام الكفالة من تحفيز الإنتاجية لدى العاملين الأجانب بشكل غير عادل مقارنة بإنتاجية العامل السعودي. والمسألة ليست في ارتفاع أجر العامل السعودي بقدر ما هي ضغط مصطنع في أجور سوق العمل بفعل وجود عدد كبير من العمالة الرخيصة غير الماهرة.
خذ على سبيل المثال فئة العمالة التي تقرأ وتكتب فقط, فمتوسط أجر العامل السعودي فيها يبلغ 3.4 ضعف متوسط أجر العامل الأجنبي في هذه الفئة نفسها. وهذا يقارب بشكل كبير معدل متوسط أجر العامل السعودي إلى الأجنبي بمختلف فئاته التعليمية الذي أشرت إليه أعلاه البالغ 3.5. وهو ما يدلل على أن هذه الفئة من العمالة الأجنبية (تقرأ وتكتب) البالغ تعدادها 3.3 مليون عامل, هي التي تضغط بشكل كبير على أجور العمالة, وبالتالي تسبب فرقاً كبيراً في أجور العاملين السعوديين والأجانب. وهذا يؤدي إلى ارتفاع معدل أجور العامل السعودي إلى الأجنبي بسبب انخفاض أجر العامل الأجنبي وتأهيله وليس العكس, ومن ثم زيادة رغبة قطاع الأعمال في توظيف الأجنبي على حساب السعودي بحجة انخفاض تكلفته على الرغم من أنه انخفاض (مصطنع).
العاملان الآخران اللذان أشرت إليهما كسبب لزيادة اعتمادية القطاع الخاص على العمالة الأجنبية المتمثلة في: العمالة العاملة لحسابها وباسم مواطنين (تستر) ووجود المؤسسات الطفيلية التي تمثل الواجهة التنظيميه لهذا التستر, تحتاجان إلى بيانات أكثر لبحث دورهما في وجود هذا العدد الكبير من العمالة المتدنية التعليم والمهارة على أرض المملكة, التي أعتقد أنها ستكشف معلومات مفزعة لم يكن أحد يتوقعها. إذ إن هذين العاملين بالذات سيكشفان كثيرا من الحقائق المتعلقة بواقع التستر وعلاقته بانتشار المؤسسات الطفيلية, وهو ما سيطرح تساؤلات عديدة, منها: من المستفيد من هذا الوضع بجانب العامل الأجنبي؟ ومن الذي يدفع باستمرار هذا الوضع على ما هو عليه؟ هل هناك علاقة لمن يعمل في الترخيص للمؤسسات الطفيلية بواقع الحال؟ هل هناك علاقة للمستفيدين من هذا الوضع لتعطيل أي قرارات تهدف إلى تحسين سوق العمل؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى مزيد من الشفافية في نشر البيانات المتعلقة بالعمالة وعن كبار الكفلاء وعدد المؤسسات والمحال التجارية, لمعرفة من يستفيد من بقاء الحال على ما هو عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي