الجودة في التعليم العالي والتطوير المستمر
في الأسبوع الماضي وبالتحديد في 6/11/1430هـ الموافق 25/10/2009م وتحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ــ يحفظه الله ــ أقيم المؤتمر الثاني لـ «الجودة في التعليم العالي» في الرياض. لقد ناقش المتحدثون مع الحضور واقع الأنظمة الداخلية لمؤسسات التعليم العالي «فوق الثانوي» على مستوى نماذج من بلدان العالم، وما يتطلعون إليه كمسؤولين عنها أو مستشارين بهذه الدول أن يحققوه في هذه المرحلة ولعقود مقبلة. لقد ألقيت أيضا عدة أبحاث استعرضت تجارب بعض الجامعات في المملكة وكانت بداية منها جيدة تشعر الواحد منا بالفخر بأننا ـ إن شاء الله ـ على الطريق الصحيح. قد يستعجل البعض النتائج ولكن التغيرات العالمية التي نمر بها في كل مجال تحتم علينا أن نتفاعل بجدية وواقعية مع الأحداث ليكون ما نحققه متينا راسخا مبنيا على الأسس العلمية الرفيعة.
في هذا المؤتمر، تضمن يوم الافتتاح المحاضرة الأولى من المحاضرات الـ 19. ثم تركزت المحاور في اليومين التاليين بين التخطيط والتقويم ونتائج بعض من الخطوات التنفيذية. ما شد الانتباه هو ما انتهت إليه ورقات العمل والمناقشات التي عرضت تجارب محلية ودولية وجعلت تفاعل الحضور يرقى لمستوى الجودة التي يتطلع لها الجميع في تطبيقها أو جزئيات منها في مؤسسته. أستطيع القول إن أسس ومفاهيم «الحوار» أيضا تجلت في جو وبيئة هذا المؤتمر، ولله الحمد، وهذا من الجودة في حد ذاته. في المحور الأول تم التركيز على أنظمة ضمان الجودة الداخلية في مؤسسات التعليم العالي عن طريق التخطيط وحسن الإدارة. الأبحاث التي غطت جوانب في هذا المحور يمكن أن نستفيد منها كمنهج دراسي متكامل، وذلك لوجود خبرات كبيرة وذات قيمة دولية عالية كانت الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، مشكورة، قد استقطبتها لتنير لنا طرقا نحن في أمس الحاجة إلى إضاءتها في هذه المرحلة التنموية التي نعيشها. الجيد في كل ذلك كان التعليم المتدرج لكيفية التخطيط والإعداد ثم البناء ثم التنفيذ والتقييم ومن ثم التطوير، مراعين للوضع الاقتصادي، والمستوى الدراسي للطالب، والعلمي للمنشأة، والتخصص والكفاءة الفردية لعضو هيئة التدريس والإداري، والعلاقة البينية الاجتماعية في الوسط الجامعي بصفة عامة، ثم للمنهجية البحثية عالية الكفاءة. هذا طبعا أخذ في الحسبان ما جمع من معلومات عبر السنين السابقة فجعلها ترسم إطار العمل وآلية التنفيذ وكيفية التقييم والفحص بشكل تقل معه نسبة الخطأ لأقل مستوياتها. لقد ركزت الأبحاث على الأولويات ومعالجة القصور والاستمرار في تعضيد نقاط القوة وتحقيق أدنى المعايير بدلا من التسرع في تحقيق القفزات مع الاستمرار في جمع المعلومات التي تحدد خصائص هذه المؤسسة أو ذاك المجتمع. ما يثلج الصدر هو أنه لم يكن هناك استعجال في إصدار الأحكام بل أملٌ في أن تستكمل الدراسات في كل جانب، حتى فيما يتعلق بماهية المؤشرات والتعمق في مكوناتها لتكون متوائمة مع طبيعة كل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات الأكاديمية ونظم إدارة المؤسسات التعليمية لما فوق الثانوي في كل دولة.
في ختام المؤتمر ألقى أمين الهيئة كلمة سريعة، حوت في بعض الجمل ما يدل على الجودة التي يتمتع بها مسؤول ومعه رفقة من الأخيار ـ إن شاء الله ـ. شهادة حق لرجل كانت عفوية كلمته تدل على جودة عمل وتفانٍ وإخلاص حيث قال: «نحن في الهيئة موجودون لنخدم حتى في يومي الخميس والجمعة، ولا يتحرج أي أحد عن السؤال ...، فنحن موجودون لِنُعين». لا أشك أبدا أن مجرد هذه الكلمات تدل على أننا ــ إن شاء الله ــ على الطريق الصحيح بوجود أكفاء مثل هذه النخبة. هاهي الهيئة الآن مهيأة لأن تكون المساند والضامن على أن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي فوق الثانوي تطبق معايير الجودة الإحدى عشرة (المحتواة في إحدى وثائق المؤتمر المهمة) بمكوناتها الأساسية خير تطبيق. وها هي ترتقي في كل عام من مستوى إلى آخر أعلى لتتخطى الحدود فتكون رسالتها دولية في المراحل المقبلة.
ما أتمناه فعلا من الهيئة هو: أن توفر وتتيح ورقات العمل ونتائج التجارب المحلية والدولية (التي حظي الحاضرون بالاستفادة منها مباشرة) على موقعها الإلكتروني المستقل. ويتم التواصل رسميا مع باقي الجهات في جميع القطاعات بالمطبوعات الورقية أو إلكترونيا، لتكون مراجع لديها ومفاتيح لأعمالها المستقبلية، حتى ولو لم تكن تعليمية، لأن هناك جزئيات تهم الإداريين ومسؤولي التقييم والفحص في مؤسسات مختلفة. بالنسبة للجامعات والكليات الحكومية والأهلية، فمن المؤكد أن جميع المنسوبين سيكونون على موعد في العام المقبل لأن يعرضوا تجاربهم بعد أن تبادلوا مع الهيئة محليا والمؤسسات الدولية عالميا أفضل النظم واللوائح والأساليب النموذجية للمساعدة في تخريج طلاب ذوي مستويات عالية فكريا وثقافيا ومهاريا. ثم آمل أن يخصص وقت أكبر للقسم النسائي في التفاعل والحضور والمشاركة الفاعلة، فمن أسئلة البعض دل التفاعل على رغبة شديدة لأن يتعرفن على المستوى الذي وصلن إليه ومن ثم يتبنين أفضل النظم في بيئاتهن. كما أكد أنهن الأقدر على تعريف وتقييم واقعهن، وهن الأقدر على تنفيذ ما يخصهن في الأقسام النسوية. وإذا ما انتهينا من إعداد المنسوبات أيضا في مؤسسات التعليم العالي في هذا المجال، فإن التقويم الذاتي سيسير متوازيا داخل هذه المؤسسات وعندها سيسهل انتقال الهيئة للمرحلة التالية وهي التقويم والاعتماد الخارجي، وهذه القفزة في هذا الزمن القصير (من وجهة نظري) احترافية غير مسبوقة، والله أعلم.