لمن نشتكي في قضايانا المالية؟
كتبت قبل سنين مقالاً بعنوان «لمن نشتكي البنوك» وأرجو ألا يعاتبني أحد من القراء الأكارم - الذين علق ذات مرة أحدهم على مقال سابق نشر في هذه الزاوية بعنوان «تداول هل هي صندوق أسود»، حيث طابق عنوان المقال جزئيا تعليق أحد الإخوة في أحد المنتديات في حين أنني سبقت صاحب تعليق المنتدى في الفكرة قبل سنين يوم أن كنت أكتب في جريدة «الرياض» - والذي على أية حال أشكر له وغيره من المتابعين استقطاع وقت لقراءة مقالي بغض النظر عن النقد فاهلاً بكل نقد بناء إذ من المؤمل أن ينقد الموضوع أياً كان كاتبه. لذلك أرجو ألا ألام اليوم على استعارة جزء من العنوان لمادة دلو اليوم من مقال لي قبل سنين أيضا.
إن النظام المالي المحلي في السعودية بلا شك تطور تبعاً لنمو وتحديث مؤسسات الاقتصاد المختلفة مما أوصله إلى مراحل متقدمة من النضج والكفاءة حتى صار يضارع كثيراً من النظم المتقدمة. وهذا النمو لا ينتظر أن يكون كاملاً فمهما يكن يجب الاعتراف بأننا بلد ناشئ لا بد أن يعتريه فجوات هنا وهناك وذلك لعدد من الأسباب من أبرزها حداثة التجربة وعدم اكتمال البنية الأساسية المطلوبة سواءً فيما يتعلق بوجود الموارد البشرية المؤهلة أو فيما يجب أن يكون كخط مواز في النمو نفسه من الناحية التشريعية. إنه من واقع التجربة الشخصية سواءً فيما أعرفه من تجارب لأصدقاء أو زملاء أو فيما أسمعه وأعيشه كمواطن أو كباحث في العلوم المالية لأخلص إلى وجود فراغ معرفي وعملي سواءً من طرف عملاء المؤسسات المالية أو من تلك المؤسسات ذاتها فمن بين ما أسأل عنه مثلاً تكرارا أين أذهب حين يكون هناك خلاف ينشأ بين البنك وعميله على مواضيع مصرفية كثيرة كأن يقيد على حسابه مبلغاً غير مسحوب فعلياً وذلك من أخطاء تقنية آلات الصرف، أو حين ينكشف حساب أحد العملاء وينتهي بشيك دون رصيد وإلخ ... من معاملات تحدث تقريباً شبه يومي. ولن أركز فقط على حديث عن البنوك بل أيضاً المؤسسات المالية الأخرى من صناديق استثمار وشركات وساطة وشركات تأمين وغيرها مما يعرف في العلوم المالية بمنظومة مؤسسات سوق رأس المال. وللإنصاف أيضا فإن تلك المؤسسات أيضاً تعاني عدم وجود مرجعية قانونية موحدة للتقاضي على مشكلة أو خصومة مع أحد عملائها أو ربما موظفيها.
إن البنية النظامية القانونية لمنظومة النظام المالي في أي اقتصاد يجب أن تكون واضحة المعالم للطرفين وكلما كانت تلك البنية قوية، اكتسب النظام المالي قوة في ذاته تكفل حقوق جميع الأطراف بشكل يتناغم ومقومات النمو. ولن أسرد هنا كل أو بعض المشكلات التي تورثها رداءة البنية التشريعية بشكل عام لكثرتها والذي جاء نتيجة حتمية لطبيعة النظم المالية في تغيرها المستمر والمتسارع سواءً عالمياً أو محلياً.
في الحقيقة إن هناك تقصيرا من الطرفين فالعميل مثلاً لا يسأل عن حقوقه وواجباته والمؤسسات المالية أيضاً تتيه في عدد المرجعية القانونية سواءً كان ذلك مؤسسة النقد أو وزارة التجارة أو اللجان المتخصصة في فض المنازاعات المالية أو هيئة سوق المال أو الشرطة أو المحاكم بأنواعها وهكذا. كما يجب القول إن المؤسسات المالية في غالبها تقصر أحياناً كثيرة في إبلاغ عميلها عن التعريف بمرجعية شكواه في حالة وجودها. أضف إلى ذلك عدم وجود جمعية موحدة تنقل صوت المستهلك «المستفيد من الخدمة المالية» على غرار حماية المستهلك والتي هي تعاني بذاتها قصورا في تلبية احتياجات المستهلك وشكواه. إن ما أتمناه أن تقدر فكرة اكتمال البنية النظامية بشكل كفء يتناغم وتعقيدات وتسارع النظام المالي بشكل عام، خصوصاً أن هذا النظام - أي المالي - هو من أهم قوام حياة الاقتصاد ونضجه في الوقت الذي ننشد فيه التنافسية لنكون عشرة على عشرة.