البورصات العالمية تضطرب بفعل اللبس حول نمو الاقتصاد العالمي
مشاعر اللبس حول آفاق النمو الاقتصادي العالمي وسياسة البنوك المركزية أحدثت الاضطراب في الأسواق المالية خلال الأسبوع الماضي في الوقت الذي أخذت فيه تتراجع آثار الأرباح التي حققتها الشركات الأمريكية في الربع الماضي على نحو يفوق التوقعات. كما أن التقرير الخاص بالناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة أعطى فترة ارتياح مؤقتة في الوقت الذي أخذ فيه الاقتصاديون يتساءلون عما إذا كانت وتيرة النمو قابلة للاستدامة.
شركة إي بي إف آر جلوبال EPFR Global، المتخصصة في متابعة أخبار الصناديق، قالت إن حركة الأموال الداخلة إلى صناديق الأسهم تراجعت في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) بعد أن هدأت مشاعر النشوة التي ولدتها أرباح الشركات، حيث سيطرت على المشاعر البيانات الاقتصادية المتباينة. لكنها أضافت أن الشهية للتداول في موجودات الدخل الثابت لم تتأثر.
وقال كاميرون برانت، كبير المحللين العالمي في الشركة: «الأرباح الجيدة التي حققتها الشركات، التي كان يُنظر إليها خلال الأسابيع القليلة الماضية على أنها الفتيل الذي يشعل الانتعاش الاقتصادي المستدام، يُنظَر إليها في الوقت الحاضر على أنها ذخيرة يستعملها صانعو السياسة الراغبون في إغلاق الأنابيب التي تصب الأموال من صفقات التحفيز الآتية من المالية العامة ومن السياسة النقدية».
جاري إيفانز، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسهم لدى بنك إتش إس بي سي، قال إن كثيراً من مديري الصناديق الذين كانوا قد اشتروا الأسهم خلال الاندفاع القوي الأخير منذ آذار (مارس)، مخالفين بذلك إحساسهم الغريزي الذي نصحهم بعدم القيام بذلك، يتحرقون الآن للعثور على سبب يعطونه لجني الأرباح. وقال: «عدد من النقاط الضعيفة في البيانات الأمريكية، والبدايات الأولى من التوجه لرفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، وانتهاء موسم أرباح الربع الثالث، كل ذلك كان سبباً كافياً لإعطائهم هذا الشعور».
لفترة مؤقتة وضع المستثمرون جانباً قلقهم حول البيانات الرئيسة التي نشرت هذا الأسبوع والتي أظهرت أن الاقتصاد الأمريكي يخرج الآن من وهدة الركود في الربع الثالث من العام.
والواقع أن نسبة النمو، والتي بلغت 3.5 في المائة بالمعدل السنوي، كانت أقوى حتى من المتوقع، ما كان السبب وراء أفضل أداء يومي خلال ثلاثة أشهر لمؤشر ستاندارد آند بورز 500 يوم الخميس، رغم أن معظم المحللين ظلوا متشككين.
قال ديفد روزنبيرج، كبير الاقتصاديين وكبير المحللين الاستراتيجيين لدى مؤسسة جلاسكين شيف Gluskin Sheff: «لم يسبق قط أن الفجوة بين النسبة المئوية المتوقعة للناتج المحلي الإجمالي عند 3.2 في المائة وبين النسبة الحقيقية عند 3.5 في المائة أن استثارت هذا القدر من الإثارة في سوق الأسهم. إن ذلك يثبت فقط مدى الانتشار الواسع للمضاربة في سوق الأسهم.
«لكن المهم بالنسبة للمستقبل هو ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي قادراً على استدامة النسبة المذكورة، أي 3.5 في المائة، في غياب برنامج التحفيز الحالي الهائل من الحكومة».
تعمقت مشاعر اللبس حول استراتيجيات الخروج التي ستتبعها البنوك المركزية، بعد أن أصبحت النرويج أول بلد أوروبي يرفع أسعار الفائدة في الدورة الحالية، وبعد أن قام البنك المركزي الهندي بلفت أنظار الأسواق إلى أن من الممكن أن سيقوم برفع أسعار الفائدة.
خلال الأسبوع المقبل سيعقد البنك المركزي الأمريكي والمركزي الأوروبي والمركزي البريطاني اجتماعات السياسة النقدية. وفي حين أن من المتوقع ألا يقوم أي بنك من هذه البنوك برفع أسعار الفائدة، فإن المستثمرين سيكونون على استعداد لالتقاط أي مؤشر حول التحولات الممكنة في مواقف البنوك بخصوص أسعار الفائدة.
قال جوليان جيسوب من شركة كابيتال إيكونومكس إن أرقام الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، إلى جانب الصعود المستمر في أسعار السلع، من شأنها تقوية موقف الصقور في البنك المركزي الأمريكي.
وأضاف: «مع ذلك فإن أقصى ما يمكن أن يرجو الصقور تحقيقه في اجتماع هذا الأسبوع هو فرض عدد من التغيرات التجميلية المتواضعة في لغة البيان الذي يصاحب الاجتماع. بصورة عامة ستظل أسعار الفائدة عند مستوى قريب من الصفر خلال المستقبل المنظور».
أسواق الأسهم أمضت هذا الأسبوع تحت ضغط متواصل، باستثناء الاندفاع في حركة الأسهم في أعقاب نشر بيانات الناتج المحلي الإجمالي. بحلول منتصف يوم الجمعة في نيويورك كان مؤشر ستاندارد آند بورز 500 في سبيله إلى تحقيق هبوط أسبوعي بنسبة 3.5 في المائة، وكان في وضع لتسجيل أول هبوط شهري له منذ آذار (مارس).
مؤشر فاينانشال تايمز يوروفيرست 300 هبط بنسبة 3.2 في المائة على مدى الأسبوع، وهبط بنسبة 2.1 في المائة خلال تشرين الأول (أكتوبر)، وهو أول هبوط شهري له منذ حزيران (يونيو).
كذلك عانت الأسواق الآسيوية من معدلات هبوط قوية، حيث تراجع مؤشر نيكاي 225 في طوكيو بنسبة 2.4 في المائة، وتراجع مؤشر هونج كونج بنسبة 3.7 في المائة.
الزيادة في مشاعر العزوف عن المخاطر عمقت من جاذبية الأمان في السندات الحكومية، حتى في الوقت الذي أقامت فيه وزارة المالية الأمريكية مزاداً لبيع رقم قياسي من السندات بمقدار 123 مليار دولار. هبط العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات بنسبة ست نقاط أساس على مدى الأسبوع ليصل إلى 3.41 في المائة، بعد أن اندفع لفترة قصيرة فوق مستوى 3.5 في المائة في مطلع الأسبوع ليسجل رقماً قياسياً منذ شهرين.
هبط العائد على سندات الخزانة الألمانية لأجل عشر سنوات بمقدار 12 نقطة أساس ليصل إلى 3.23 في المائة، في حين أن العائد على سندات الخزانة البريطانية لأجل عشر سنوات تراجع بنسبة ستة نقاط أساس ليصل إلى 3.61 في المائة.
العملات الفائزة في أسواق العملات لهذا الأسبوع كانت الدولار والين، حيث إن المستثمرين كانوا يسعون للملاذ الآمن للتعويض عن خسائرهم في مجالات أخرى. وكانت أكثر نسبة للتراجع هذا الأسبوع بين عملات السلع.
لكن الوضع القوي للدولار لم يأت إلا بعد أن وصل يوم الإثنين إلى أدنى مستوى له منذ 14 شهراً مقابل اليورو، وسط مخاوف جديدة حول تنويع السياسة في البنوك المركزية. أولريتش لويتشمان من بنك التجارة Commerzbank قال إنه في حين أن العزوف عن المخاطر أصبح من جديد القوة الرئيسة في السوق، إلا أنه لم يتغير شيء بخصوص السبب الرئيس وراء ضعف الدولار، وهو العائد المتدني، وعدم وجود أية دلائل على أن البنك المركزي الأمريكي يمكن أن يرفع أسعار الفائدة. وشهدت أسعار السلع تداولات متقلبة لكنها بصورة عامة انتهت بمعدلات أدنى على مدى الأسبوع. هبطت العقود الآجلة على النفط الخام القياسي الأمريكي بنسبة 2.6 في المائة، ليصل السعر إلى 78.40 دولاراً للبرميل، في حين أن النحاس هبط بنسبة 2.5 في المائة. وهبط الذهب بنسبة 1.8 في المائة، وذلك تمشياً مع الارتفاع في سعر الدولار.