6 أدوات استثمار «تتوارى» وتهاجر بفوائض البنوك المحلية
أسهم تلاشي ست أدوات استثمار رئيسية من السوق السعودية في رفع مستوى هجرة فوائض البنوك المحلية إلى الخارج خلال عام 2009، حيث بلغت المطلوبات الأجنبية للبنوك المحلية 98.2 مليار ريال في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، مقابل 94.5 مليار ريال في آب (أغسطس) و90 مليار ريال في تموز (يوليو) من العام الجاري، محققة بذلك أعلى مستوى لها منذ سبعة أشهر، بعد أن كانت قد وصلت إلى أدنى مستوى لها في آذار (مارس) 2008 حيث سجلت 2.6 مليار ريال وهو الأدنى منذ 1975.
ووفق اقتصاديين وخبراء مصرفيين تحدثوا لـ»الاقتصادية» أمس فإن تنامي وتيرة استثمارات البنوك السعودية في الخارج في الفترة الأخيرة، جاء نتيجة لتواري معظم أدوات الاستثمار المحلي الرئيسية التي كانت نشطة بين الفترة من 2002 إلى 2008، وحققت عوائد عالية للبنوك السعودية، حيث لم يتبق سوى نشاط الإقراض الذي نمت مخاطرة بفعل الأزمات الداخلية (سوق الأسهم وضعف ملاءة الأفراد) والخارجية (الشركات العائلية والأزمة المالية).
ولخص الاقتصاديون والمصرفيون تلك الأدوات في ستة عناصر أساسية هي: توقف الإصدارات الحكومية لسندات التنمية، انخفاض عوائد مؤسسة النقد قصيرة المدى من 4 في المائة إلى نحو 1 في المائة، تقلص كبير في نشاط تمويل سوق الأسهم وتسهيلات صناديق الاستثمار في تلك السوق والاستثمار المباشر للبنوك في محافظ أسهم، تراجع نسبة المشاريع العملاقة المجدية للبنوك مثل مشاريع إنشاء مصانع البتروكيماويات والاكتتابات والأنشطة العقارية الضخمة، ضعف العائد على ربط ودائع البنوك بالريال السعودي مقارنة بالعائد من الربط بعملات أجنبية، وأخيرا ارتفاع مخاطر الإقراض - النشاط الأساسي للبنوك محليا.
#3#
يقول مطشر المرشد، خبير مصرفي،» صحيح أن الإقراض هو النشاط الأساسي للبنوك ولكن على المدى البعيد وبنسبة لا تتجاوز 30 في المائة وفق الاشتراطات والسياسات الخاصة بالبنوك، أما على المدى القصير فإن خيارات البنوك لاستثمار الـ70 في المائة المتبقية تقلصت فعلا إلى مستويات متدنية، فإلى جانب توقف مؤسسة النقد عن إصدار السندات الحكومية بسبب عدم الحاجة إليها، هناك تلاش في أدوات الاستثمار قصيرة الأجل الأخرى التي منها تمويل المشاريع العملاقة، وضعف عوائد مؤسسة النقد، وهبوط مستوى العوائد من سوق الأسهم وهو الأداة الوحيدة المتاحة في سوق المال المحلية».
ويؤكد المرشد أن البنوك في المرحلة الراهنة ومع تنامي سيولتها تبحث عن عوائد قصيرة الأجل ( بين ليلة وسنة على الأكثر) والمخاطر فيها أقل، وهذا غير متوافر محليا. ويضيف» لذا فمن الطبيعي أن تبحث فوائض البنوك عن تلك الأدوات الاستثمارية في الخارج».
ويتابع» ارتفعت مخاطر الإقراض في السوق المحلية قبل الأزمة بفعل أزمة سوق الأسهم في 2006 التي أدت بدورها إلى ضعف ملاءة الأفراد، تبعها أزمة الشركات العائلية التي نتجت بفعل الأزمة العالمية .. ومن ثم تراخي وتيرة الاستثمار في المشاريع العملاقة من قبل شركات البتركيماويات والشركات العقارية».ويشير الخبير المصرفي إلى نحو 90 في المائة من استثمارات وودائع البنوك السعودية في الخارج هي في منتجات تعطي عائدا مجديا وبمخاطر أقل وفي الغالب هي في سندات حكومية أو خاصة.
ويطرح المرشد حلولا لمعالجة الوضع عبر ربط المشاريع الاستراتيجية في المملكة مثل ( سكك الحديد، المطارات، مصافي النفط، مشاريع توليد الطاقة، بوعاء استثماري على شكل سندات وصكوك تنافس الأدوات المماثلة في الدول المجاورة، ويسمح للأفراد والبنوك المحلية بالمشاركة فيها، ولعل استمرار المملكة في تنفيذ استراتيجيتها التنموية عامل مساعد لتحقيق ذلك، إذ من المعلوم أن المملكة تعهدت بإنفاق 400 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة.
وتعززت السيولة لدى المصارف المحلية مع اتخاذ مؤسسة النقد عدة خطوات إيجابية مع اندلاع الأزمة المالية في العالم حيث خفضت الاحتياطي الإلزامي من 13 في المائة إلى 7 في المائة لتوفير السيولة في النظام المصرفي، صاحبه خفض متوال في سعر الفائدة لتحفيز البنوك على ضخ سيولتها في الاقتصاد بدل إيداعها لدى المؤسسة.
#2#
من ناحيته يرى الدكتور حمد آل الشيخ، وكيل الجامعة للجودة والتطوير، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود، أن الإشكال هو في السياسة النقدية المتبعة التي أجبرت البنوك المحلية - على حد وصفه - للانتقال إلى الأسواق المجاورة.
ويشرح بالقول» البنوك في المرحلة الراهنة وبفعل السيولة التي تراكمت بسبب معالجات التضخم عبر خفض الاحتياطي والفائدة، وكذلك بفعل تقليص مستويات الإقراض المحلي، تبحث عن قنوات استثمارية قصيرة الأجل وبعائد مجز مخاطره قليلة، ومن هنا فإن ربط السيولة بعملات أخرى تعطي عوائد أعلى من الريال في هذه المرحلة التي يعاني فيها الريال من ضعف».
ويبين الدكتور آل الشيخ أن بعض البنوك المحلية عمدت إلى ربط سيولتها بالريال القطري على سبيل المثال، لتحقيق عائد مرابحة مجز ومنافس أكثر منه من الريال السعودي، ومن هنا فإن على الحكومة تحفيز البنوك للمشاركة في المشاريع الضخمة بإصدار الصكوك، وتعديل في مسار السياسة النقدية لرفع سعر الريال.
#4#
في المقابل يعتقد سهيل الدراج، مصرفي ومحلل في الأسواق العالمية، أن قنوات الاستثمار في السوق السعودية قليلة منذ القدم، ولكنها أصبحت اليوم شبه معدومة، مشيرا إلى أن البنوك مطالبة بتعظيم أرباحها والعمل على تحقيق مصالحها، لذا فإنه من الطبيعي أنه عندما تجد البنوك أن فائدة ربط وديعة في السوق الإماراتية مثلا تفوق أربع مرات الفائدة العائدة من السوق المحلية أن تعمل على اقتناص ذلك.
وهنا يضيف الدراج» يجب ألا نشعر بالقلق من هجرة أموال البنوك للخارج، فجميع بنوك العالم لديها أموال خارج أوطانها، فالعملية اقتصادية بحتة.. متى ما كانت المنافسة لصالح الاستثمار الخارجي فإن الأجدى أن تعمل البنوك خارجيا، والعكس صحيح».
ولكن الدراج يشير أيضا إلى أن هناك سبلا وطرقا يمكن أن تعيد تلك الأموال إلى الداخل، ومنها تحسين البيئة الاستثمارية في الداخل التي من عناصرها البيئة القضائية التي قد تكون أثرت في تحصيل بعض البنوك لأموالها المقرضة.
وزاد» البنوك السعودية لا تفضل القروض طويلة الأجل وليس لها تاريخ أو تجربة في هذا المجال، من هنا فإن بحثها عن أنشطة خارجية كالسندات وعوائد المرابحة من الودائع غير المتوافرة محليا تعد خطوة محمودة، ولعل تفعيل سوق الصكوك المحلي يحقق عوائد قصيرة ومجزية للبنوك متى ما فعل بصورة حقيقية».
ويحدث توجيه سيولة البنوك إلى الخارج في الوقت الذي تعيش سوق الدين المحلي جمودا كبيرا، فضلا عن رفع البنوك الفائدة على القروض الاستهلاكية وقصيرة الأجل إلى مستويات عالية تقارب 9 في المائة، رغم تدني سعر الفائدة الأساسي إلى مستويات تاريخية. وهنا يدعو ماليون واقتصاديون إلى ضرورة تدخل مؤسسة النقد لدفع البنوك نحو توجيه جزء من هذه السيولة المتكونة إلى سوق الائتمان المحلي، بدلا من توجيهها إلى الأسواق الخارجية. ويعزز الاقتصاديون هذا الطرح في وقت عكست فيه بيانات مؤسسة النقد وضعا ماليا مستقرا للبنوك من جهة الودائع والربحية. وأظهرت بيانات «ساما» تراجع صافي موجودات البنوك السعودية في المصارف الأجنبية من 89.8 مليار ريال في نهاية آب (أغسطس) من العام الجاري إلى 89.1 مليار ريال في نهاية أيلول (سبتمبر) أي بنسبة تراجع بلغت 0.8 في المائة، فيما ارتفعت الودائع البنكية بنهاية أيلول (سبتمبر) لتسجل 911.3 مليار ريال مقارنة بنحو 909.1 مليار ريال بنهاية آب (أغسطس).