الصيرفة الإسلامية تدخل بوابات الاقتصاد العالمي

الصيرفة الإسلامية تدخل بوابات الاقتصاد العالمي

ربما يكون من حسنات الأزمة المالية العالمية التي حدثت مؤخراً، وما تبعها من تداعيات اقتصادية، أنها فتحت عيون العالم على النظام المصرفي الإسلامي، الذي لم يكن يؤبه له كثيراً من قبل، فقد كان العالم يتحول برمته إلى النظام الرأسمالي الذي صار عاماً في المجالات الاقتصادية كافة، وتخلى العالم أو كاد عن الأنظمة الأخرى بوصفها لا تلبي حاجات السوق من حيث تطور العمليات المصرفية وزيادة الاعتمادات البنكية والتسهيلات والقروض، وكل ذلك أدى إلى أن تتخلى البنوك عن كثير من إجراءاتها الضامنة لصالح تسهيل العمليات التجارية، وأخذت الأرقام في البورصات العالمية تصل إلى حدودها العليا وإلى أرقام خيالية من النمو، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، إذ تبين أن كثيراً من هذه الأموال لا تعتمد على أصول حقيقية، بل هي تبادلات آنية وتجارة مال بمال، وعندما أعلن كثير من الشركات والمصارف تأثرها بالأزمة، كانت المصارف الإسلامية تغض الطرف وكأن الأمر لا يعنيها، ومن هنا بدأت رحلتها في إثبات وجودها على مسرح الاقتصاد الحديث، وصارت الطريق ممهدة أمام النظام المالي الإسلامي ليثبت جدارته في الواقع، حيث شهد في الآونة الأخيرة قبولاً واسعاً عند المؤسسات التجارية ومؤسسات الأعمال وشهد قطاع الخدمات المالية الإسلامية نمواً كبيراً جعل منه قطاعاً سائداً في الأسواق المالية الرئيسة حول العالم، وقد دفع ذلك بعض خبراء الاقتصاد إلى توقع أن تكتسح المصرفية الإسلامية النظام المالي العالمي بحلول 2015 .
تظهر الدراسات والتحليلات أن أكثر من 60 في المائة من أصول الصناعة يتم تداولها في دول الشرق الأوسط، وثمة حاجة إلى مزيد من البيانات لتدعيم فهمنا لما هو جديد نسبياً في قوة مصرفية المؤسسات الإسلامية في العالم. ومن أهم ميزات التمويل الإسلامي في الأزمة المالية الأخيرة أنه كان يحظر التعامل في المصالح من حيث التكلفة أو الفائدة على الأموال، بخلاف التمويل على الأسس القديمة. وتعرف المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية بأنها تلك التي تعمل في إطار هذا الحظر، وعادة ما توجد مقارها في البلدان الإسلامية، وموجهة لتلبية احتياجات الشركات والجمارك والشركات التي تديرها والتي يملكها رجال أعمال مسلمين، وإذا كان بالإمكان تحديد معايير البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية من حيث نوعية تعاملاتها، فإنه يبقى من الصعب تحديد مسألة مدى كفاءة وفعالية هذه المنظمات في البلدان التي تعمل فيها، كما هو الحال في دول الشرق الأوسط. وهناك حاجة لدراسات متعمقة لمعرفة مدى فاعلية المصرفية الإسلامية مقارنة مع علاقاتها مع المؤسسات الأخرى غير الإسلامية، وما هو الحجم الحالي لصناعة التمويل الإسلامي ونطاق انتشاره؟ وما هو حجم السوق الإسلامية المصرفية والمالية والصناعية في المسلمين وغير المسلمين؟ وما هي أنواع الخدمات التي يوفرها قطاع التمويل الإسلامي؟ومن الجدير بالذكر أن التمويل المصرفي الإسلامي يحمل في ثناياه فوائد من شأنها أن تحفظ المال وتحافظ على قيمته الحقيقية بالأصول الثابتة، فالقانون الشرعي الإسلامي يحظر التعامل بالمال بوصفه سلعة تباع، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن حجم صناعة التمويل الإسلامي وتنوعه كانت قوية بشكل خاص على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث تحول التمويل الإسلامي من وسيلة للاستثمار في قطاع الخدمات المصرفية للأفراد إلى قطاعات كاملة ومتنوعة، فضلاً عن بناء وتمويل مجموعة متنوعة من مشاريع البنية التحتية. والتنوع في هذا القطاع يدل العدد الكبير من الشركات والمستثمرين الذين يلعبون دوراً أكثر أهمية في رفع مستوى التمويل على أساس المبادئ الإسلامية، كما أن حجم الصناعة والإحصاءات التي تختص بدراسة قطاع التمويل الإسلامي تظهر نمواً في عدد من المؤسسات، وفي حجم عملياتها، وتنوع المنتجات والخدمات المقدمة منها. ويمكن تقدير حجم صناعة التمويل الإسلامي بعدد من الطرق المختلفة، وتقديرات الخبراء تشير إلى أن صناعة الخدمات المصرفية الإسلامية تجتذب عمليات كبيرة في السوق وتزداد شعبيتها في البلدان الإسلامية بشكل رئيسي، هذا التقدير يؤيده الواقع إذ إنه قد حدثت زيادة كبيرة في عدد البنوك والمؤسسات الإسلامية وفروعها في مختلف مناطق العالم، مع نمو في النشاط المصرفي بمعدل سنوي قدره 15 في المئة، وهو رقم يدل على نسبة عالية، ويشكل مؤشراً كافياً لأهميتها وإقبال الناس عليها.
وقد أشار «دليل الخدمات المالية الإسلامية» الصادر عن سلطة مركز دبي المالي العالمي، إلى أن الحجم العالمي لقطاع الخدمات المالية الإسلامية يقدر حالياً بين 800 مليار وتريليون دولار، وهي قيمة مرشحة للارتفاع حتى 4 تريليونات دولار، وخاصة إذا عرفنا أن نمو القطاع يزيد بمعدل15 في المئة إلى 20 في المئة سنوياً. كما توقع الدليل أن يستأثر قطاع الخدمات المالية الإسلامية خلال السنوات الـ 8ـ10 المقبلة بنصف مدخرات مسلمي العالم وعددهم 1.6 مليار نسمة. ولم تعد المصارف الإسلامية حبيسة التسميات، فصارت تسعى إلى إطلاق منتجات إسلامية بمسميات متنوعة، مثل التمويل الإسلامي أو التمويل المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية أو التمويل على الطريقة الإسلامية أو حتى التمويل البديل، وباتت معظم المصارف العالمية تمتلك إما شركات فرعية أو أقساماً متخصصة في خدمات التمويل الإسلامي.
ويرى الدليل أن هناك عدة عوامل قد ساهمت في ازدهار القطاع المصرفي الإسلامي، منها التطور الاقتصادي الذي يزيد من نمو الطلب على مشاريع تتجه نحو أشكال التمويل المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وارتفاع مستوى الدخل في الدول العربية، ما يعزز الحاجة إلى منتجات المال الإسلامية مثل التأمين والتمويل العقاري وبرامج المعاش التقاعدي، وصناديق الاستثمار.
وتبلغ نسبة الخدمات المالية الإسلامية في الدول العربية حالياً نحو 20 في المئة، وهي نسبة مرشحة للارتفاع بشكل كبير إلى 50 في المئة و60 في المئة من إجمالي أموال المسلمين في العالم، كلها على شكل معاملات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وفي الوقت الذي يشهد فيه التمويل القديم أزمة عصيبة، فإن الخدمات المالية الإسلامية، القائمة على مبدأ التمويل المدعم بالأصول وليس الديون، توفر بديلاً حيوياً للتعاملات في أسواق المال العالمية مثل لندن، التي تم تصنيفها في المرتبة الثانية بعد دبي من حيث عدد الصكوك المدرجة. وقد توقع توبي بيرش الخبير الاقتصادي البريطاني الذي تنبأ بالأزمة المالية العالمية قبل حدوثها في كتابه الشهير» الانهيار النهائي» أن التمويل الإسلامي سيعيد الاستقرار للنظام المالي العالمي في 2010، وأن المصرفية الإسلامية ستسيطر على النظام المالي العالمي بحلول 2015.
وأكد بيرش، في ندوة عقدت في جامعة دار العلوم شرق الرياض، أن قوانين الاقتصاد الإسلامي التي تمنع المسلمين من «بيع المال بالمال» جنبت على الأقل ربع ثروات العالم من التأثر بالأزمة الراهنة التي تفجرت من المشتقات المالية وبيع الدين (المتاجرة بالديون) في أوروبا وأمريكا. كما أكد على أن التمويل الإسلامي يمكنه توسيع نطاق جاذبيته إلى ما هو أبعد من قاعدته التقليدية في أعقاب الأزمة المالية العالمية، كما يمكنه المساعدة في إعادة الانضباط إلى النظام المالي العالمي، لكنه مع ذلك أشار إلى أن البدايات دائما تكون صعبة وظهور المصرفية الإسلامية وإحلالها مكان النظام القديم يحتاج إلى بعض الوقت.
هناك تقارير عن الصناعة المالية الإسلامية تشير إلى أن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية العالمية تدير موجودات تبلغ 500 مليار دولار وفقاً للشريعة الإسلامية، وهذه الصناعة تنمو، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً في الدول الآسيوية والأوروبية وأمريكا الشمالية. وتم الكشف عن هذه الأرقام وتأكيدها في قمة «لندن للصكوك 2009» المنعقدة مؤخراً، وكان الهدف الأساسي منها الاستفادة من التطورات في إصدارات الصكوك الإسلامية، في ظل الأزمة المالية العالمية التي تفتك بالأسواق، وتقديم المعرفة والابتكار لهذه الصناعة.
يقول إبراهيم مردام الرئيس التنفيذي لشركة سراج كابيتال المحدودة: «نحن ندرك أهمية التمويل الإسلامي في الاقتصاد العالمي الجديد، ونأمل أن تكون سراج واحدة من أبرز مقدمي الخدمات المالية الإسلامية في المنطقة». وسراج كابيتال هي شركة الاستثمارات التجارية التي تنظمها سلطة دبي للخدمات المالية، ولديها مكاتب في دبي وجدة، وملتزمة بتوسيع قطاع التمويل الإسلامي، من خلال تقديم أفضل الممارسات في الخدمات. كما أن سراج كابيتال هي أيضاً شريك استراتيجي لمؤتمر الصكوك في لندن لعامي 2009 و 2010، وستطلق بوابة إلكترونية ستكون بوابة معلومات وسوقاً مركزية للصكوك العالمية لهذه الصناعة.
والحديث عن الصكوك جاء في وقت ذكر فيه مصرف البحرين المركزي أن الإصدار التاسع من صكوك التأجير الإسلامية الدولية الذي تم إصداره في 30 يونيو عام 2004 بمبلغ 250 مليون دولار أمريكي لمصلحة حكومة مملكة البحرين قد استحق في 30 يونيو 2009 وتم تسديده بالكامل.
كما أنهى المصرف عملية إصدار ناجحة لأول صكوك إسلامية سيادية مقومة بالدولار الأمريكي في المنطقة خلال العام 2009 بقيمة 750 مليون دولار، بلغت فيه التغطية ثمانية أضعاف القيمة الأساسية لهذا الإصدار، الأمر الذي رفع قيمته إلى 750 مليون دولار من المبلغ المستهدف البالغ 500 مليون دولار. ويعكس تسديد البحرين لكامل قيمة الصكوك، على رغم أزمة الائتمان العالمية التي ضربت الأسواق وأدت إلى خسائر كبيرة، الثقة التي تتمتع بها البحرين، وهي المركز المالي والمصرفي في المنطقة، التي تحتضن أكبر تجمع للمصارف والمؤسسات المالية في الشرق الأوسط.
ويرى المراقبون أن التمويل الإسلامي توسع خلال السنوات القليلة الماضية في أنحاء العالم كافة، وليس فقط في الشرق الأوسط، بل تعدى ذلك إلى آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. وشهدت صناعة التمويل الإسلامي نمواً كبيراً على مدى الـ10 أعوام الماضية، وتشير التقديرات المتحفظة إلى أن ما يزيد عن 500 مليار دولار من الأصول تدار وفقاً لمبادئ الاستثمار الإسلامية. وتعمل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية المنتشرة في العالم وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية التي تحرّم الفائدة، باعتبارها ربا، بعكس المصارف والمؤسسات المالية التقليدية التي تسير على النظام الغربي الذي يرتكز على الفائدة .

الأكثر قراءة