رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الرهبة الوطنية

تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشــــــة
وعلم وآداب وصحــــــــــبة ماجد
رائعة من روائع الإمام الشافعي تحمل في ثناياها خمس فوائد للسفر والترحال. حاولت تجسيد هذه الفوائد الخمس خلال زيارتي الأخيرة الشهر الماضي لعدد من مدن الشرق الآسيوي.
لن أتحدث إليكم عن تفاصيل تجسيد هذه الفوائد الخمس من خلال معالم الشرق الآسيوي السياحية، أو مناراته الثقافية، أو أجوائه الشاعرية. والسبب في ذلك رغبتي في أن أنأى بالحديث عن الجوانب الشخصية التي لا تسترعي اهتماماتكم، إلى الحديث عن هاجس وطني يستجدي تطلعاتكم.
تزامنت زيارتي للشرق الآسيوي الشهر الماضي مع سلسلة من التطورات الوطنية المهمة ذات البعد الدولي، دينياً كان، أو سياسياً، أو اقتصادياً. من أهم هذه الأحداث حلول عيد الفطر المبارك، واليوم الوطني، وافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ونجاح موسم العمرة الرمضانية، وزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للعاصمة السورية دمشق، وتطورات أسعار النفط في الأسواق العالمية، واستعدادات الأجهزة الوطنية لموسم الحج.
وعلى الرغم مما تمثله السعودية من ثقل ديني، واقتصادي، وسياسي على المستويين الإقليمي، والدولي، إلا أن ما شاهدته من إحجام وسائل الإعلام المرئي والمقروء الدولية هناك عن ذكر الأحداث الوطنية السعودية المهمة أعلاه، وتناولها بالنقد والتحليل من المنظورين الإقليمي والدولي أثار لدي مجموعة من التساؤلات.
تدور هذه التساؤلات حول فاعلية دور الإعلام الخارجي السعودي في تطوير الهوية السعودية وصناعة الرهبة الوطنية بما يخدم الثقل الديني، والاقتصادي، والسياسي السعودي على المستويين الإقليمي والدولي. فمن خلال المتابعة الشخصية المباشرة لوسائل الإعلام المرئي والمقروء الدولية خلال زيارتي الأخيرة للشرق الآسيوي وجدت أن وسائل الإعلام المرئي والمقروء الدولية تناولت خلال الشهر الماضي في تغطياتها للأحداث والتطورات الدولية ثلاثة شؤون دولية. الأول، طبيعياً، تمثل في تطورات إعصار دوريان، وانعكاساته على الدول المتاخمة للمحيط الهندي. والثاني، عسكرياً، تمثل في اتصالات الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع قادة حلف شمال الأطلسي، وانعكاساتها على الشأن الأفغاني. والثالث، أمنياً، تمثل في الأنشطة النووية الإيرانية، وانعكاساتها على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
شكلت هذه الشؤون الدولية الثلاثة تغطية إعلامية دولية استرعت اهتمام الشارع الشرق آسيوي. لا يشكل الشأن الدولي الأول غرابة، كونه كارثة طبيعية ألحقت خسائر فادحة بعدد كبير من شعوب العالم. كما لا يشكل الشأن الدولي الثاني غرابة، كونه اهتم بتحركات رئيس دولة كبرى وعلاقتها بإحدى المناطق الاستراتيجية الدولية. ولكن ما يشكل الغرابة هنا الشأن الدولي الأخير، المتمثل في الوجود الإيراني الدائم على وسائل الإعلام الدولية.
اتسم هذا الوجود بالنمو خلال الفترة الأخيرة مما يثير تساؤلات عدة حول توجهات السياسة الإيرانية الخارجية في بناء الهوية الإيرانية والرهبة الوطنية على المستويين الإقليمي والدولي. قد يسهم هذا الوجود المستمر للشأن الإيراني في وضع أساسات لأسطورة نووية إيرانية، قد تنعكس بالإيجاب على تحقيق أهداف السياسة الخارجية الإيرانية.
تقودنا هذه التطورات إلى النظر بعين وطنية نحو فاعلية دور الإعلام الخارجي السعودي في تطوير الهوية السعودية وصناعة الرهبة الوطنية بما يخدم الثقل الديني، والاقتصادي، والسياسي السعودي على المستويين الإقليمي والدولي.
يعود تاريخ الإعلام الخارجي السعودي إلى منتصف العشرينيات الميلادية من القرن الماضي عندما سن المؤسس، طيب الله ثراه، مرسوماً ملكياً بتشكيل «إدارة المطبوعات والمخابرات» لتتولى مهمة إبراز صورة ذهنية إيجابية عن المملكة وسياساتها الداخلية والخارجية للرأي العام والعربي والإسلامي والدولي.
مرت بعد ذلك الإدارة بمجموعة من التطورات التنظيمية والإدارية بدلاً من تغيير اسمها إلى «إدارة المطبوعات والصحافة»، إلى إنشاء «المديرية العامة للصحافة والإذاعة والنشر»، وصولاً إلى إنشاء «وزارة الإعلام»، وقوفاً عند استحداث «وكالة وزارة الإعلام المساعدة للإعلام الخارجي»، وحتى إنشاء «وكالة وزارة الإعلام المساعدة للإعلام الخارجي» منتصف العقد الميلادي الماضي.
وعلى الرغم من جميع الجهود والمهام التي أديت إلى اليوم في مجال الإعلام الخارجي السعودي، إلا أنها ما زالت، أولاً، تكمن تحت مظلة الذهنية التقليدية في محدودية الإعلام في الأيام الثقافية، والمحافل الأدبية، والمقابلات الإعلامية، والمطبوعات التعريفية، وما شابه ذلك من مظاهر وأدوات. وثانياً، تظل ساكنة أما التحول الثقافي البشري من الخوف من المجهول خلال الفترة الزمنية الماضية، إلى الخوف من المعلوم خلال الفترة الزمنية الراهنة.
تشير أدبيات العلاقات الدولية إلى أن سياسة الأمن الوطني الناجحة تستند إلى أربعة محاور أساسية. الأول، دبلوماسية نشطة وفاعلة. والثاني، إعلام ذكي ونافذ. والثالث، قوة اقتصادية مؤثرة. والرابع، قوة عسكرية ضاربة. تعمل هذه المحاور بشكل مترابط، حيث يدعم نشاط كل محور أنشطة المحاور الثلاثة الأخرى في صورة متناغمة تهدف في نهاية المطاف إلى تدعيم الأمن الوطني وأبعاده المختلفة.
وتفعيل المحور الثاني، إعلام ذكي ونافذ، يتم من خلال خروج الإعلام الخارجي من المظلة الذهنية التقليدية إلى مظلة الأمن الوطني الحديثة في ممارسة الدور التكاملي مع المحاور الثلاثة الأخرى، الدبلوماسية، والاقتصادية، والدفاعية. مظلة ديناميكية مرنة لا تمكن الإعلام من أن يصبح أداة من أدوات تنفيذ سياسة الأمن الوطني فحسب، ولكن من أن يصبح الإعلام خط الهجوم الأول وخط الدفاع الأخير في تنفيذ سياسة الأمن الوطني.
وعلى الرغم من الكيانات الإعلامية المرئية والمقروءة السعودية التي خرجت إلى النور خلال الفترة الزمنية الماضية كنتيجة لمجموعة من استثمارات القطاع الخاص السعودي في القطاع الإعلامي، إلا أن التجربة أثبتت تواضع دور هذه الكيانات الإعلامية في تطوير الهوية السعودية وصناعة الرهبة الوطنية بما يخدم الثقل الديني، والاقتصادي، والسياسي السعودي على المستويين الإقليمي والدولي.
يقودنا تواضع دور الكيانات الإعلامية هذه إلى إعادة فتح جدوى مشروع الاستراتيجية الشاملة لتطوير العمل الإعلامي للمملكة في الخارج، وبحث إعادة تفعيل إنشاء «الهيئة العليا للإعلام الخارجي».
هذا المشروع الوطني الطموح الذي بدأ منذ قرابة ثلاثة عقود ماضية على شكل مقترح بين وزارة الخارجية ورئاسة الاستخبارات العامة. ثم تكللت الجهود بصدور قرار مجلس الوزراء الموقر بالموافقة على تلك الاستراتيجية، ورصد ميزانية تشغيلية مؤقتة للبدء في تنفيذها. ثم بدأت الخطوات التنفيذية بعد ذلك فرشح أمينها العام، وحددت المكاتب الإعلامية الخارجية، وسمي رؤساؤها، قبل أن يعين وزير جديد للإعلام في المملكة ويقف المشروع دون تقدم ملموس.
إنه من الأهمية تفعيل إنشاء «الهيئة العليا للإعلام الخارجي»، وإعادة النظر في تجسيدها إلى واقع شامخ على أرض الوطن يتأهب إلى إثراء سياسة الأمن الوطني في أداء دورين رئيسين. الدور الأول، دور هجومي استباقي نحو جس نبض الشارع الإقليمي والدولي بانعكاسات تنفيذ سياسات الأمن الوطني على المستويين الإقليمي والدولي. والدور الثاني، دور دفاعي إلحاقي نحو الحماية من إخفاقات، أو تخفيف نتائجها على المستويين الإقليمي والدولي.
مقترح إعادة تفعيل إنشاء «الهيئة العليا للإعلام الخارجي» مقترح استراتيجي طموح يهدف إلى تطوير الهوية السعودية وصناعة الرهبة الوطنية بما يخدم الثقل الديني، والاقتصادي، والسياسي السعودي على المستويين الإقليمي والدولي. تأتي آليات عمل الهيئة المقترحة من خلال توثيق الصلة بوسائل الإعلام الدولية، ومد جسور التواصل والتأثير، واستدامة تدفق المعلومات التي تضمن أخذ هذه الوسائل بما يتوافق ورغبات الأمن الوطني السعودي المقبلة وتوجهاته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي