من جيمي إلى أوباما
مضى ما يزيد على 33 سنة, أي ثلث قرن, على وصول الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، وجاء بعده خمسة رؤساء منهم من تولى فترتين وهم الرؤساء: ريجان، كلينتون، وجورج بوش الابن، أما الرئيس بوش الأب فقضى فترة رئاسية واحدة، أما الرئيس الخامس أوباما فلا يزال في سنته الأولى.
ومرت العلاقات العربية ــ الأمريكية, خاصة ما يتعلق منها بقضية فلسطين بمد وجزر, واهتمام وإهمال, لكن الاهتمام لا يصل إلى مستوى الإهمال، فالإهمال لقضية العرب الكبرى هو السمة البارزة عدا في فترة محدودة معينة، وظروف معينة حين يتحرك النظام الرسمي العربي حفاظا على ماء الوجه, خاصة حين تحدث أحداث جسام لا يمكن تجاهلها, أو الصمت عنها, ولا سيما في عهد الفضائيات التي كشفت المستور أو ما يراد ستره, والتكتم عليه.
اخترت رئاسة جيمي كارتر لسببين لأنه في هذا العهد ودع العرب مرحلة الحرب مع الكيان الصهيوني، وبدأ الحديث عن السلام مع أبناء العم, وكثر الحديث عن الأصل السامي للعرب, واليهود، والسبب الثاني هو أن كارتر جعل من شعار حملته الانتخابية حماية حقوق الإنسان في أي مكان من العالم، لكن هذه الحقوق تحتاج في ظني إلى تنظير وتقعيد داخل المجتمع الأمريكي يبعدها عن النظرة الفوقية والعنصرية التي أصبحت جزءاً من نسيج السياسة الأمريكية، بل تغلغلت في تفاصيل الثقافة الأمريكية، وهذا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي الأسبق قبل شهر وبعد 30 عاماً من انتهاء رئاسته حين قال في تعليقه على المظاهرات التي شهدتها العاصمة واشنطن إن الشعب الأمريكي لم يستوعب بعد إمكانية أن يكون الرئيس من أصل إفريقي.
في عهد الرئيس كارتر حدثت أحداث جسام, أولها الثورة الإيرانية, واحتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية، ومحاولة الغزو الفاشلة لإيران، كما أن من الأحداث التي أثرت في مسار القضية الفلسطينية الزيارة الشهيرة الني قام بها الرئيس المصري أنور السادات للقدس, وخطابه أمام الكنيست الصهيوني، وما أعقب ذلك في مؤتمر كامب ديفيد, والمعاهدة المسماة بهذا الاسم، وما ترتب عليها من تقييد لمصر الدولة العربية الرائدة, وما أحدثته من شرخ في الصف العربي زاد من الخلافات وعمقها، وأضعف الموقف العربي, خاصة أن مصر بشعبها وثقافتها وعلمائها وجيشها وحدودها مع العدو أصبحت خارج معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني. وإذا كان الرئيس السادات أراد تحرير سيناء والتخلص من أعباء الحرب المنهكة للاقتصاد المصري, وجني ثمار السلام التي بشرته بها أمريكا فإنه من واقع الحال من ذلك التاريخ حتى الوقت الراهن لا يزال الشعب المصري يخرج من أزمة اقتصادية ويدخل في أخرى أشد منها فتكاً، ولم يتحقق حلم المن والسلوى الذي كان يمني نفسه به أو كان يمنى به.
عهد الرئيس ريجان اتسم بانشغال أمريكا بالحرب الباردة وحرب النجوم والحرب العراقية ــ الإيرانية التي دخلت فيها أمريكا من خلال حلفائها بهدف إضعاف الطرفين الإيراني والعراقي, وجني ثمار مشتريات السلاح مع إهمال واضح لقضية فلسطين، ولم تبذل الإدارة الأمريكية أي جهد يذكر حتى أن موضوع القضية الفلسطينية مات في عهد الرئيس ريجان، وأصبحت ثورة الساندنستا في نيكاراجوا, وحرب الكونترا أكثر في التركيز والاهتمام الإعلامي والسياسي من أي قضية أخرى, وكانت حركة اليسار في أمريكا الجنوبية هي الشغل الشاغل لأمريكا في تلك الفترة، ومنيت أمريكا بضربة قوية حين تم تفجير مقر المارينز, الذي راح ضحيته أكثر من 250 من جنود المارينز، وهذا الحدث زاد من إهمال القضية الفلسطينية، خاصة أن النظام الرسمي العربي كان عاجزاً عن تحريك الملف، وما يميز عهد ريجان ظهور الريجانية التي وضعت بذور اليمين المتطرف الذي يرى القوة هي السبيل الأمثل لسيادة أمريكا وتفوقها في العالم.
فترة بوش الأب وما رافقها من احتلال الكويت والحرب التي قادتها أمريكا لتحرير الكويت خلقت مناخاً تم بموجبه تحريك الملف الفلسطيني, ولكن بما يخدم الكيان الصهيوني والمصلحة الأمريكية، ولذا جاء مؤتمر مدريد ليشكل انعطافة قوية في الوضع العربي, وليجتمع العرب مع قادة الكيان الصهيوني على أمل أن يتحقق السلام, وتوجد الدولة الفلسطينية، ومع الأوضاع النفسية, ولا أقول التحولات, تم استغلال الفلسطينيين ليوقعوا معاهدة أوسلو, التي قيدتهم حتى هذه اللحظة بالتزامات أمنية وسياسية, وأدخلتهم في نفق نلمس أثره في التصدع والشرخ الذي يعيشه الفلسطينيون, ذلك أن خريطة الطريق التي تحفظ عليها شارون بـ 14 تحفظاً، وتفاهمات العقبة وشرم الشيخ وأنابوليس كلها لم يستفد منها سوى الكيان الصهيوني الذي وجد الفرصة في إلهاء العرب بحلم السلام, وهو منشغل في بناء ذاته, وتطوير وبناء مستعمراته.
الرئيس كلينتون حاول من جانبه خدمة وطنه من خلال القضية الفلسطينية, وما لقاء كامب ديفيد بين عرفات ورئيس وزراء الكيان الصهيوني في حينه باراك وكلينتون إلا محاولة من محاولات المؤسسة السياسية الأمريكية التي رسمت لنفسها خطاً لا يمكن للرئيس أن يخرج عنه مهما كانت قناعاته الشخصية.
بوش الابن وحروبه في أفغانستان والعراق, وتفاهمات أنابوليس ما هي إلا مثال حقيقي على محاولات ذر الرماد في العيون العربية، ومحاولات جادة لتوريط الجانب العربي في اتفاقيات جديدة تقيده, وتضيق عليه الخناق السياسي والاقتصادي.
وإذا كانت الفترة محل التحليل بدأت بكارتر الذي رفع شعار حقوق الإنسان فإنها تنتهي بأوباما الذي رفع شعار التصالح مع العالم الإسلامي في خطبة التنصيب, وفي القاهرة وقبل رمضان حين قال إن رمضان يذكرنا بقيم السلام واحترام الكرامة الإنسانية لكن هذه مجرد أقوال ذلك أنه في اليوم نفسه تقتل الطائرات الأمريكية العشرات من الأبرياء في باكستان وأفغانستان.
بقي أن نقول مهما كانت الكلمات معسولة نحو العرب والمسلمين وقضيتهم إلا أن الأس أو الجذر المشترك الذي يحكم السياسة الأمريكية هو المصلحة الأمريكية العليا وكذا المصلحة الانتخابية, فمتى تعارضت التصرفات المحتملة مع هذه المصلحة يكون الحديث هو البديل, بل إن الحديث يتغير مثلما حدث مع أوباما الذي صمت عن إيقاف المستوطنات, وأصبح هو ومندوبه للشرق الأوسط يرددان عبارة لا بد من استئناف المفاوضات، فهل ندرك ونعي كيف تسير السياسة في ذلك البلد أم أننا نصر على رسم صورة يجب أن نتعالى عنها ونترفع؟!