التصويت عن بُعد..لاعبون جدد في جمعيات الشركات المساهمة
استطاعت التقنية أن تسهم في التطور الإنساني وتذلل كثيرا من الصعوبات، التي تواجه البشرية بل وأسهمت في تسريع إنجاز كثير من الأمور وطورت أداءها بشكل جيد. وفي تجربة فريدة من نوعها قامت الجهات النظامية والمشرعة في السعودية بتطبيق التصويت الآلي والاستفادة من التقنية لقرار استحواذ المراعي على شركة حائل الزراعية (هادكو)، وكانت النتيجة نجاحا بكل المعايير بدءا بعدد المشاركين إلى وضوح القرار وتوافر الأغلبية اللازمة له وبشفافية كاملة ولفترة أسبوع بدءا بالسبت 10 - 10 - 2009 وحتى الأربعاء وعقدت الجمعية العامة غير العادية يوم الخميس لاتخاذ القرار وبنسبة 98.68 في المائة ممن صوت. الملاحظ أن في ظل وجود التصويت الآلي بلغت نسبة المشاركين 59.2 في المائة من الملاك، التي تفسر بحداثة التجربة وكثرة عدد مساهمي الشركة وصغر بالتالي نسبة الحيازة وعلى الرغم من وجود ملاك رئيسيين لكن لم تكن هناك معارضة من طرفهم لعملية الاندماج نظرا لأن نسبة رفض الاندماج لم تصل لواحد في المائة من ملاك الشركة. والملاحظ أن أول يوم حظي بمشاركة 20.5 في المائة من مساهمي الشركة ومع الاندماج واليوم الثاني شهد دخول 19.2 في المائة واليوم الثالث شهد دخول 13.27 في المائة وكان تصويت اليومين الرابع والخامس نسبة بلغت 6.23 في المائة وتم حسم القضية خلال اليوم الثالث من حيث حجم التصويت واتجاهه.
مصدر المشكلة
المشكلة التي كانت تواجه الجمعيات العمومية وغير العادية وخاصة للشركات التي لا يوجد فيها ملاك رئيسيون هي ضعف المشاركة الذي يؤدي في الغالب لعدم انعقادها وتأجيلها ثم عقدها بمن حضر مهما كان ضئيلا الأمر الذي أدى لضعف الشفافية وسيطرة الأقلية على مجالس الإدارة لبعض الشركات وبالتالي انحراف القرار فيها عن مصلحة الكل ليخدم البعض، حتى أدى استمرار النمط هذا إلى دعم عزوف البعض عن المشاركة بالرغم من توافر الإمكانية والقدرة له بسبب توقعه النتيجة وعدم إيمانه بإمكانية التطوير والتحسين. وظهر لدى البعض تأثير مقولة «الشيوخ ابخص» في دعم الاتجاه السلبي في الجمعيات في حال وجود شريك مؤثر. وبالتالي أعطت الطريقة هذه مع الإفصاح القدرة على التغيير وتحقيق الحماية الفعلية لصغار المساهمين وإعطائهم مساحة جيدة لاتخاذ القرار.
هيكل الملكية وانعقاد الجمعيات
لو ربطنا بين هيكل الملكية أي وجود ملاك واضحين مسيطرين على الشركة وانعقاد الجمعيات لوجدنا ترابطا قويا فهيكل الملكية للشركات السعودية أي التي لها ملاك ظاهرون يمثلون أكثر من 50 في المائة هو 57 شركة تمثل 42.5 في المائة من الشركات المتداولة في السوق السعودية، في حين أن 77 شركة لها أو ليس لها ملاك (أي ملكيتهم أقل من 50 في المائة) ويمثلون 57.5 في المائة من الشركات المتداولة في السوق. وليست مصادفة وخلال العام الماضي نجد توافق الأرقام، حيث وتقريبا كل الشركات التي لديها ملاك معلنون فوق 50 في المائة من أسهم عقدت جمعيتها من أول مرة في حين احتاجت الشركات الأخرى إلى أكثر من مرة حتى تعقد الجمعية العامة غير العادية وبالنسبة لغير العادية تكون الصعوبات أكثر بكثير والمشوار أطول.
أسباب عدم المشاركة
لعل الأسباب التي ساهمت في ضعف المشاركة تتمثل في تباعد رقعة السعودية وتوزع المساهمين في مدن السعودية وارتفاع كلفة الانتقال أمام عدد الأسهم المملوكة والانشغال، فالشركات المساهمة السعودية ومقارها الرئيسية منتشرة في أكثر من مدينة يضاف لها أن الملاك أيضا ينتشرون في مختلف مدن السعودية ولديهم التزامات ومتطلبات لا تساعدهم على الحضور والمشاركة، خاصة أن انعقاد الجمعيات يتم في وقت محدد وضيق وباشتراطات مختلفة. يضاف لها كما أشرنا شعور المساهم بعدم أهميته إلا من خلال مجموعات أو وجود ممثلين لهم بتنظيم من الدولة لحماية مصالحهم في مواجهة تسلط البعض. وعندما يدرك المساهم أن المجموعة أي هو وباقي صغار المساهمين لديهم القدرة على اتخاذ القرار من خلال ارتفاع المشاركة تصبح لتصويته قيمة. مجموع الأسباب أدى في السابق إلى حجب كثير من القرارات الحيوية التي تصب بصورة مباشرة في مصالح المساهم ودخلت مجموعات في بعض الشركات سيرت الأمور لمصالحها ولا تخدم مصالح المساهمين بسبب أن الجمعية التالية تعقد بمن حضر.
المستقبل أين؟
في اعتقادي أن التوجه الجديد، الذي تم من خلال شركة حائل الزراعية حقق عددا من الأبعاد المباشرة وغير المباشرة لإعطاء فسحة كافية للمساهمين الصغير والكبير لتحقيق النفع وحقق نوعا من المبادرة مقابل الأسلوب القديم الذي نجمت عنه سلبيات عدة كما أشرنا، حيث للمساهم فيما بعد إثبات التجاوز والذهاب للجهات القضائية. ولعل من مزايا النظام الجديد فتح الباب الزمني وإتاحة المجال للمساهم للإدلاء بصوته خلال فترة زمنية كافية بحيث يستطيع بناء القرار بعد تقصي الحقائق وبنائها على أسس سليمة. ويمكن له خلال الفترة حتى الوصول للشركة والاستعلام والاستفهام عما يرى أهميته إن لم تتوافر له مسبق. فالمسؤولون سيكونون أكثر حرصا وقدرة على الإجابة عن السؤال حتى لا تتعرض مصالح الشركة للخطر. وبالتالي تكون الشفافية واتخاذ القرار الصحيح هما الهدف في ظل رقابة الجهات الرسمية وإمكان إيصال المعلومة الصحيحة للمساهم لاتخاذ القرار. كما أن النظام الجديد يتغلب على بعض النواحي الاجتماعية السلبية مثل الخجل وعدم الرغبة في الظهور بمظهر غير لائق أو حتى لا يتعرض للانتقاد وتلغى إمكانية التحكم والسيطرة التي تتم عادة من خلال الحضور. وبالتالي نجد أن التوجه الجديد أسهم في إضفاء نوع من الخصوصية والحفاظ عليها من النظام الجديد. وبالتالي ربما سيشجع على عملية اتخاذ القرار بصورة أفضل مما هي عليه الآن نتيجة للفسحة الزمنية والمرونة من خلال عدم الحضور التي تتم الآن ومن خلال الأسلوب المطبق في حائل الزراعية.
اللاعبون الجدد
النظام الجديد سيفرض دورا مهما وعبئا على الجهات الرسمية المنظمة للعملية وهي وزارة التجارة والصناعة وهيئة سوق المال السعودية وشركة تداول لضمان الشفافية عند اتخاذ القرار وتوافر المعلومة للمساهم وضمان عملية التصويت والتي يمكن أن تربط بمحفظة المساهم. وتنقل بالتالي الجهات الرسمية من خلال هذا النظام عبء المساهمة والقيام بالدور على المساهم ليحقق النمو والازدهار للاقتصاد السعودي. وبالتالي تكون المحاسبة والانطلاقة في الشركات ومجالس إدارتها أكثر إنتاجية والانحراف سيجعل المسألة واضحة ومجدية وممكنة وسيبادر المساهم حينها لحماية استثماراته فالقرار سيكون بيده. وبالتالي يصبح للمساهم الصغير دور مؤثر بعد أن كان منسيا في الماضي ولكن التطبيق ودور المنظم هنا أساسي لنستعيد ثقة المستثمر.