وزارة التطوير الإداري.. الطريق لتفعيل مفهوم وممارسات المساءلة

تعيش السعودية هذه الأيام نهضة شاملة، تدعم توجه الحكومة للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للشعب، للانتقال فعليا إلى مصاف الدول المتقدمة. حيث إن توفر الموارد المالية والكفاءات الإدارية المؤهلة إضافة إلى توافر الخطط والرؤى الطموحة سيحقق الآمال بتحسين الخدمات المقدمة للمستفيدين النهائيين منها. فهذه الوفرات الجمة التي أنعم الله بها على هذا البلاد وبمتابعة وحرص شديدين من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ يجب أن تتواءم مع مستوى الخدمة المقدمة للمواطن، وهذا ما لا نلمسه بشكل واضح حتى الآن.
في هذا الصدد وافق مجلس الوزراء على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد بقرار المجلس رقم (43) وتاريخ 1/2/1428هـ إيمانا من المجلس بضرورة تفعيل هذا الدور لحماية الممتلكات العامة وضمان الاستخدام الأمثل للسلطة والموارد في تنفيذ الأعمال. ومع عدم تفعيل دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حتى الآن، فقد دعا مجلس الشورى في مطلع شهر شوال من هذا العام إلى الإسراع لتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باعتبارها الآلية النظامية لتفعيل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد الصادرة بالقرار السابق.
لهذا قد يتسأل القارئ ما المقصود بهذه الهيئة، وما الدور المنوط بها تقديمه. وهل المساءلة تهدف إلى نزع الثقة من المكلفين بأداء الوظائف العامة، من خلال تقديمهم للمساءلة أمام هذه الهيئة؟.
المساءلة من المعاني التي توظف للمحافظة على المال العام. وهذا المعنى له جذور عميقة في الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي المجيد. فهي لا تدعو للتشكيك في الذمم أو الاتهام بالخيانة. وإنما تدعو إلى درجة عليا من الشفافية في اتخاذ القرار، وتدعو أيضا إلى توظيف فكر وممارسات الشورى في أداء المصالح العامة، التي يتأثر بها الغير. وقد استخدمت المساءلة في العالم الغربي تحت مصطلح Accountability وهي تعني أن الشخص الموكل له أداء عمل ما، يجب أن يقبل بأن يسأل في حال إخفاقه أو تقصيره المتعمد في أداء العمل المنوط به. فالمساءلة تعد خطوة ثانية تأتي بعد المسؤولية. وهي ليست هدفا في حد ذاتها ولكنها وسيلة لضمان عدم تضارب المصالح الشخصية مع المهام والوظائف الموكلة للشخص، ولعلي أتطرق لهذا المفهوم مستقبلا بالتوضيح وذكر بعض الأمثلة له خصوصا في مجالات قيادة القطاعات العامة والخاصة.
مما سبق يتضح لنا الدور المهم الذي يلعبه مفهوم وممارسات المساءلة في ضمان حقوق المستفيدين، وضمان المحافظة على الأموال العامة والخاصة. لكن في وضع مؤسسات القطاع العام وإداراته، يكون السؤال هو هل الأولى أن يفعل دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟ أم أن تنشأ هيئة وطنية أو وزارة للتطوير الإداري؟ خصوصا أن كثيرا من القطاعات الإدارية المحلية لم تخضع للتطوير أو للتحديث منذ زمن طويل، والتغيرات العالمية وتوجه الحكومة للتركيز على قطاعات الأعمال الخاصة وتنميتها، تستدعي أن يواكب ذلك تطوير إداري يهيئ الأجواء للتنمية الاقتصادية المقبلة. وحيث إن أغلب المؤسسات العامة قد أنشأت أقساما خاصة تعنى بالتطوير الإداري فيها.
عدم وجود هيئة واحدة تسعى للتنسيق في مجالات التطوير وتقديم الدراسات والمساعدة على تفعيل وتوحيد الجهود قد يؤدي إلى تأجيل التقدم المطلوب في هذا المجال أو يسهم في وجود فروقات ملموسة في التطبيق، وبهذا نؤجل على أنفسنا فرصة عظيمة للاستفادة من الإمكانات المتاحة.
من هذا المبدأ، أتطلع إلى توجيه الانتباه إلى ضرورة وجود هيئة وطنية تعنى بتوحيد الجهود في مجال التطوير الإداري، لتكون الأساس في إيجاد وتنشئة مفهوم ومماراسات سليمة للمساءلة والمحافظة على الأموال العامة، ولتحقيق درجة عالية من الفعالية في الاستفادة من الموارد المالية المتاحة، وتوظيف الطاقات والكوادر البشرية المؤهلة للارتقاء بالنظام الإداري المحلي، مما سيعود بالنفع في التنمية المستدامة والتي ستؤثر في النواحي الاقتصادية بالإيجاب ـ بإذن الله تعالى ـ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي