رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جامعة الملك عبد الله.. ازدهار وعماد وحكمة

وضع خادم الحرمين الشريفين ثلاثة معان لتدشين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. المعنى الأول، أنها استمرار لما تميزت به حضارتنا في عصور ازدهارها. والمعنى الثاني، أنها عماد علم وإيمان، بعد الله، نحو القوة والتقدم. والمعنى الثالث، أنها دار حكمة ومنارة تسامح.
تصنف الأبحاث العلمية إلى مجموعات ليست بالقليلة من الأنواع. تتباين هذه الأنواع بتباين أسس التصنيف والتقسيم. ولعل من التصنيفات الجديرة بالقراءة تلك التي انتهجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في تصنيف أنواع البحث العلمي. حيث تنظر «اليونسكو» إلى أنواع الأبحاث العلمية من زاوية الغرض من البحث العلمي وأهدافه ثم تصنفها إلى ثلاث مجموعات رئيسة من الأبحاث العلمية.
تنقسم هذه المجموعات الثلاث إلى أفرع جانبية إضافية لتشكل في مجملها ستة أفرع من أفرع البحث العلمي. إنه من المفيد في هذا السياق المرور على عجالة على تعريف كل فرع، وخصائصه، وجوانبه العلمية المختلفة، من منظور الباحث، والنتائج المستوفاة، ومجالات تطبيق النتائج. الدافع خلف هذا المرور السريع تشكيل أساس يمكن من خلاله النظر إلى واقع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وتحدياتها القائمة، وآفاقها المرصودة.
تسمى المجموعة الأولى بالأبحاث الأساسية. تتميز أبحاث هذه المجموعة بأنها تستهدف تكوين معرفة شمولية في جانب من جوانب الحياة التي لم تكن معروفة من قبل. الدافع الرئيس خلف هذا الاستهداف هو إنشاء أساسات بحثية يمكن أن تكون في المستقبل مجالا جديدا للبحث العلمي.
من الأمثلة على ذلك الأبحاث التي تقوم بها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» في الفضاء للتعرف على إمكانية حياة الكائنات الحية خارج الغلاف الجوي دون الحاجة إلى أدوات تنفسية أو طبية مساعدة. قد تؤسس نتائج هذه الدراسات مجالات بحثية جديدة في جوانب علمية مختلفة، كالطبية، والزراعية، والصناعية.
يندرج تحت هذه المجموعة، الأبحاث الأساسية، فرعان من أفرع البحث العلمي. يسمى الأول بالبحث النظري، والثاني بالبحث الرئيس. عامل الاختلاف الرئيس بين هذين النوعين مقدار التطبيق العملي خلال خطة عمل البحث. حيث يعطي الفرع الأول، البحث النظري، حجما بسيطا جدا للتطبيق العملي أقل من الفرع الثاني، البحث الرئيس.
ونتيجة لهذا الاختلاف نجد أن نتائج الفرع الأول، البحث النظري، تأخذ وقتا أطول في أروقة مراكز الأبحاث من نتائج الفرع الثاني، البحث الرئيس، عطفا على أن هذه النتائج قد أسهمت في تكوين معرفة شمولية أكثر من معرفة موضوعية. على سبيل المثال، عندما تؤكد نتائج «ناسا» إمكانية حياة الكائنات الحية خارج الغلاف الجوي دون الحاجة إلى أدوات تنفسية أو طبية مساعدة فإن ذلك سيستغرق وقتا طويلا حتى تستفيد مراكز الأبحاث الزراعية من هذه النتائج في تطوير خصائص بعض النباتات.
أسهم تواضع مساهمة نتائج أبحاث هذه المجموعة، الأبحاث الأساسية، في تواضع جاذبيتها من قبل دول العالم لأنها يكتنفها عامل مخاطرة كبير، وتتطلب استثمارات مالية ضخمة. شكلت هذه التحديات معضلة أمام الدول النامية، ناهيك عن عدد من الدول المتقدمة، كون جدوى هذه الأبحاث سيستغرق وقتا طويلا حتى تجني ثمارها على أرض الواقع. وعلى الرغم من هذه التحديات إلا أن أبحاث المجموعة الأولى، الأبحاث الأساسية، أعطت، وتعطي، وستعطي من يتبناها مصدر إشعاع للمعرفة والعلم يكون نبراس تقدم لصاحبها على أقرانه.
تسمى المجموعة الثانية بالأبحاث التطبيقية. تقوم أبحاث هذه المجموعة على نتائج أبحاث المجموعة الأولى، الأبحاث الأساسية. وتتميز أبحاثها بناء على ذلك في أنها تستهدف تكوين معرفة موضوعية، عوضا عن شمولية كما هو الحال في المجموعة الأولى، الأبحاث الأساسية، في جانب من جوانب الحياة العملية.
الدافع الرئيس خلف هذا الاستهداف هو استثمار المجال البحثي الذي أنشأته المجموعة الأولى، الأبحاث الأساسية، في إيجاد حل عملي لأحد التحديات العملية القائمة. من الأمثلة على ذلك الأبحاث التي تقوم بها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في التعرف على العلوم الفلكية وارتباطها بالتغير المناخي. تبنى هذه البحوث على نتائج أبحاث أساسية سبق أن أعلنتها مراكز أبحاث أساسية في إحدى دول العالم المتقدم.
يندرج تحت هذه المجموعة، مجموعة الأبحاث التطبيقية، ثلاثة أفرع من أفرع البحث العلمي. يسمى الفرع الأول بالبحث الزراعي، والثاني بالبحث الطبي، والثالث بالبحث الصناعي. عامل الاختلاف الرئيس بين هذه الأفرع مجالها التطبيقي زراعياً كان، أو طبياً، أو صناعياً.
ونتيجة لأن نتائج أبحاث المجموعة الثانية، الأبحاث التطبيقية، تأتي ثمارها أقل من نتائج المجموعة الأولى، الأبحاث الأساسية، فإنها تتميز بدرجة جاذبية أكثر. إلا أن المعضلة تكمن في تكلفة الحصول على نتائج المجموعة الأولى، الأبحاث الأساسية، لاستثمارها في إجراء أبحاث المجموعة الثانية، الأبحاث التطبيقية.
أسهم عامل التكلفة هذا في إقبال المؤسسات الزراعية، والطبية، والصناعية في الإقبال على اقتناء نتائج المجموعة الثانية، الأبحاث التطبيقية، بما يعود على منتجاتهم وخدماتهم بالمردود الاقتصادي والاجتماعي المجدي.
تسمى المجموعة الثالثة بالأعمال التطويرية. تقوم أبحاث هذه المجموعة على نتائج أبحاث المجموعة الثانية، الأبحاث التطبيقية. وتتميز أبحاثها بناء على ذلك بأنها تستهدف تكوين معرفة موضوعية محددة جدا، عوضا عن عملية عامة، كما هو الحال في المجموعة الثانية، الأبحاث التطبيقية، في جانب من جوانب الحياة العملية. الدافع الرئيس خلف هذا الاستهداف هو استثمار المجال البحثي الذي أنشأته المجموعة الثانية، الأبحاث التطبيقية، في إيجاد حل عملي لأحد التحديات العملية القائمة.
من الأمثلة على ذلك الأبحاث التي يقوم بها معهد البحوث التابع لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالتعاون مع شركة الزيت العربية السعودية «أرامكو» في المحافظة على خواص النفط المستخرج من الحقول السعودية المختلفة. تبنى هذه البحوث على نتائج أبحاث رئيسة سبق أن أعلنتها مراكز أبحاث أساسية في إحدى دول العالم المتقدم، كمركز أبحاث الطاقة في جامعة هيوستن الأمريكية.
الأبحاث الرئيسة، والتطبيقية، والتطويرية هي سلسلة من المدخلات والمخرجات المترابطة. تؤسس الأولى النواة، ثم تمنحها للثانية لتضع الأساسات، ثم تعطيها الثالثة لتضع المحسنات. أسهم تواضع المجموعة الأولى وجزء من الثانية في السعودية طوال العقود الماضية في تواضع مخرجات المجموعة الثالثة، ما شكل تحدي تطور مع الأيام ليكون معضلة تنمية.
لم يكن تدشين جامعة الملك عبد الله للعلوم و التقنية الشهر الماضي سوى حل مستديم لهذه المعضلة التنموية، بعون الله تعالى. صرح علمي طموح بلور حلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ منذ أكثر من 25 عام وشكل هاجس ملح، تكلل ـ بحمد الله وتوفيقه ـ في تجسيده إلى واقع شامخ على أرض الوطن يتأهب إلى إثراء العلم والمعرفة بنبراس علم وشعاع معرفة. نتائج ستجني ثمارها الأجيال المقبلة، بعون الله تعالى، وهي تستديم في تنمية الوطن والمواطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي