«الأهلي كابيتال»: الأسواق الناشئة تتحول تدريجياً عن الدولار بسبب عجزه المستمر

«الأهلي كابيتال»: الأسواق الناشئة تتحول تدريجياً عن الدولار بسبب عجزه المستمر

عبد الهادي حبتور من جدة

أظهر تقرير اقتصادي حديث أن الدول الناشئة يعتريها مزيد من القلق حول ربط ثرواتها بالدولار الأمريكي أو ما تعتبره (عملاق ذو أقدام من الطين) مبيناً أن هناك توجهاً من أجل التغيير ولكن بنهج تدريجي ومضبوط في ظل عدم وجود بديل فعلي في الوقت الراهن للدولار. وحذر التقرير الصادر عن شركة الأهلي كابيتال الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي التجاري من أن ضعف النظام لا يعني بأي حال زواله والتوجه إلى نظام جديد، وربما تنطوي عملية التحرك بعيداً عن الدولار في الوقت الراهن على تعقيدات كبيرة. وكشف يارمو كوتيلين، كبير الاقتصاديين في شركة الأهلي كابيتال أن هذا التحول يجري بالفعل في ثلاثة مجالات عملية، تتمحور في الاحتياطيات، التجارة، والمحاسبية، وأضاف ''فيما يخص الاحتياطيات، فإن الدول الرائدة ذات الفائض، وأبرزها الصين ، بدأت في تنويع الاحتياطيات، وازداد على وجه الخصوص دور اليورو، باعتباره البديل الأكثر وضوحاً، كما أن هناك تزايد تنويع السلع الأساسية، وأبرزها الذهب، أما التجارة فقد ارتفع عدد الاتفاقيات التجارية الثنائية، وخاصة التي تشارك فيها بلدان وسلع لا علاقة لها بالدولار، على مدى السنة الماضية، وقعت الصين على اتفاقيات مقايضة عملات تقارب قيمتها 100 مليار دولار مع عدد من الأسواق الناشئة، وستستمر هذه العملية وتبرز نتائجها الطبيعية في المشتقات المالية وتمويل التجارة التي من شأنها تعزيز الانتقال بعيداً عن الدولار''.
وتابع ''بالنسبة للمحاسبة، فإنه على الرغم من وجود مطالبات رفيعة المستوى ومختلفة لعملة احتياط دولية جديدة من قبل الصين وروسيا، وعدد من الدول الأخرى، إلا أن هذه المطالبات لم تجد تأييداً واسعاً، ومن غير المرجح أن يهدأ الجدل، وسوف تعزز هذه الاتجاهات والدور العالمي المتزايد لصندوق النقد الدولي إيجاد بدائل للدولار.''
ويشير الدكتور كوتيلين إلى أنه حتى في حال تحققت مثل تلك التحركات، فإن هبوط الدولار الناتج عن ذلك، من المؤكد أن لا يكون جذرياً في الوقت الراهن، حيث لا يزال الدولار العملة الدولية الرائدة والولايات المتحدة لا تزال أكبر اقتصاد في العالم، ومن المحتم أن يعترف النظام الجديد بهذا من الناحية المثالية، ومع ذلك ، هذا من شأنه أيضا أن ينشئ آلية أكثر مرونة لإدارة عملية التحول لنظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب على نحو متزايد. وعلاوة على ذلك، فإن الأسواق الناشئة ستحتاج إلى مزيد من الوقت لإدارة الأثر الناجم من إعادة تخطيط العملة على قدرتها التنافسية وإعادة هيكلة الاقتصاد الداخلي، وسوف يعمل هذا لصالح التنسيق الدولي.
ولفت التقرير إلى أن مستقبل نظام الدولار مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لدول الخليج، وذلك بسبب أن سياساتها النقدية مرتبطة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، ونظرا لأهمية الاقتصاد الكلي الزاخر من النفط وغيرها من الصادرات التي تتم بالدولار، مشيراً إلى أن دول الخليج ستكون حذرة جدا حيال مراجعة موقفها في ظل التوقعات الحالية، ومع ذلك، فمن المرجح أن يتحقق مع مرور الوقت قدر أكبر من المرونة في أسعار الصرف، لأسباب ليس أقلها التدشين المخطط للعملة الخليجية الجديدة والتي ستكون لها الفرصة لتثبت نفسها بوصفها عنصراً رئيسياً للنظام المالي العالمي الجديد، وتؤكد التأملات المستمرة على حقيقة تسارع الوقت ووجوب تعزيز قوى التكامل الاقتصادي الإقليمي.
ويضيف التقرير إلى أن قرار تسمية أهم السلع المدعمة بعملات غير الدولار الأمريكي سيعجل إعادة هيكلة سوق العملة، والتقارير الأخيرة المثيرة للجدل والتي تتخللها الكثير من الشكوك تشير إلى توجهات بالقيام بذلك على وجه التحديد مع النفط، بيد أن مثل هذا الإجراء ينبغي أن يكون مخططاً ومنفذاً بعناية، لتجنب مخاطر تجزئة السوق والتحكيم المتزايد وفقدان السيولة، وفي حال نجاح عملية التحول، فمن شبه المؤكد أن تؤدي إعادة تسمية النفط تحركات مماثلة في غيرها من السلع، وهذا بدوره سيؤدي حتماً إلى إضعاف الأساس المنطقي لربط العملات بالدولار عملياً في الوقت الراهن، ومثل هذه الخطوات تتطلب وقتاً حتى إذا كانت التغييرات على المدى الطويل و الوشيك.
ويوضح التقرير أن السلطات الأمريكية استطاعت أن تؤثر من خلال استجابتها الحاسمة للأزمة الاقتصادية؛ ومع ذلك، فإن التكلفة لا تزال هائلة ويحتمل أن تثير تدابير المساعدات غير المؤكدة كثيرا من التساؤلات حول مدى استدامة مثل هذه التدابير، منوهاً بأن نظام الدولار نجا في مواجهة الانتقادات المتزايدة بسبب رسوخه وطبيعته العالمية، مدعوماً بأكبر الأسواق العالمية وأكثرها سيولة، وحالياً لا يوجد له بديل واضح.
ويؤكد تقرير الأهلي كابيتال بأن ثمة صخبا في الأسواق الناشئة الرئيسية من أجل التغيير، ومن الواضح أنها ستفضل اتباع نهج تدريجي ومضبوط والسؤال الرئيسي هنا: ما مقدار التنسيق بين السياسات العالمية الذي سيرافق هذا التحول؟ وبالقدر نفسه من الأهمية، هل يمكن أن يكون التحول واقعاً ملموساً مع أو من دون هذا التنسيق؟ أم أنه سيخرج عن مساره متسارعاً أو مبالغا فيه من جانب قوى السوق التي ستطلق عنانها؟

الأكثر قراءة