الإمارات.. هل المطلوب أن نحمي قطاعها المصرفي بالنيابة؟
لا أحب عادة مناقشة القضايا الطارئة أو ذات الصفة الوقتية كما يناقشها الإعلام. لكن في بعض الحالات تصبح تلك الأمور الطارئة مؤشرا على تطورات جوهرية لأمور حدثت منذ وقت ليس بالقريب وتم إغفالها أو عدم الاهتمام بها، ومن ثم تطورت وتعقدت، لتبدأ مؤشراتها بشكل تراكمي واضح. وفي هذا السياق لدينا في الخليج منذ بدأ التركيز على قضية الوحدة الاقتصادية الخليجية وتشكيل الوحدة النقدية, وبالذات موضوع العملة الوحدة الخليجية, التي من المفترض أن ترى النور مع عام 2010، كما حددتها القمة الخليجية وأكدتها في كل القمم بعد ذلك رغم انسحاب دولتين من أصل ست دول، وهما عمان والإمارات. حيث إن الدولة الوحيدة التي صادقت على الوحدة النقدية حتى اليوم السعودية، رغم أنه لم يبق إلا شهران على موعد المصادقة!
ورغم أن الإعلام ركز على قضية العملة وانسحاب عمان والإمارات ومدى إمكانية إصدار العملة بعد تلك الانسحابات من عدمها، إلا أن القضية أكبر وأوسع من مسألة الانسحاب. على أن قضية انسحاب دولتين من أصل ست دول أمر جوهري ومؤشر كبير على مدى إمكانية الاستمرار في تأسيس العملة الخليجية، فهي تشكل نحو أكثر من 30 في المائة من العدد المستهدف. وكما يقال بالعامية “قال صفوا صفين، قال حنا ثنين”. ولكن من الناحية الاقتصادية نجد أن حجم الاقتصادين العماني والإماراتي قد لا يؤثر في التوجه لإصدار العملة من دونهما. رغم عدم التقليل من أهميتهما التكاملية للاقتصاد الخليجي الذي بإنجاز الوحدة يصبح حجم تلك الوحدة الخليجية يفوق تريليون دولار، وبالتالي تصبح دول الخليج لاعبة دولية قوية على الساحة الاقتصادية العالمية.
حتى نكون موضوعيين في مناقشة القضية، نقول إنه وحسب الإحصاءات الرسمية بلغ عدد سكان الخليج بدوله الست ما يربو على 35.2 مليون نسمة. وتبلغ نسبة المواطنين نحو 19.6 مليون مواطن خليجي، أي أنهم يشكلون نسبة 55.6 في المائة من إجمالي عدد السكان في الخليج. ويعود ارتفاع هذه النسبة لكون سكان المملكة المواطنين يبلغ أكثر من 16.6 مليون نسمة، أي ما يعادل نحو 72.9 في المائة من إجمالي سكان المملكة، وأكثر من 84.6 في المائة من سكان الخليج. بينما الصورة مختلفة تماماً في دول الخليج الأخرى, فنسبة المقيمين في الإمارات تفوق 80 في المائة، وفي قطر الثلثين، وفي الكويت الثلث. ويمثل الأجانب في عمان 24 في المائة من عدد السكان. إذن الثقل السكاني في المملكة، وأيضا الثقل الاقتصادي المترتب على هذا الثقل السكاني بنسبة تفوق 60 في المائة من الشباب، حيث يشكل اقتصاد المملكة ما يصل إلى 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج مجتمعة في نهاية 2006 حسب إحصائيات صندوق النقد العربي. ونحن هنا لسنا بصدد القول إن المملكة أهم أو أفضل أم لا, لكننا نناقش الحساسية التي بدأت مؤشراتها أخيرا مع الشقيقة الإمارات, وبالذات في جانب التعاون الاقتصادي الخليجي, حيث شكل انسحاب دولة الإمارات منعطفاً خطيرا للمسيرة الخليجية بعد قرار استضافة المركز المركزي الخليجي في الرياض. حيث كانت تأمل الإمارات أن يكون مقر البنك لديها، وبطبيعة الحال تبع هذا الانسحاب حساسية أكثر مع كل القضايا، ففي اجتماعات محافظي البنوك المركزية العربية في مقر صندوق النقد العربي كانت هناك تصريحات لمحافظ البنك المركزي الإماراتي يجب ألا تمر مرور الكرام وأن نعلق الجرس في مستقبل العلاقة التي لا أحد لديه الاستعداد للتفريط فيها من كلا الطرفين والمجتمع الخليجي عموما.
فقد صرح المحافظ للبنك المركزي الإماراتي بما يلي: “إن مؤسسة النقد العربي السعودي لها وجهة نظرها الخاصة في كيفية حل القضية (يعني سعد والقصيبي) بعدما توسطت لجنة حكومية سعودية للتوصل إلى اتفاق بين ''سعد'' والبنوك المحلية الدائنة لا يشمل على ما يبدو البنوك غير السعودية” انتهى كلامه. وكأن لسان حاله يقول إن على المؤسسة أن تضع في الحسبان البنوك الخليجية المقرضة للمجموعتين في تسوية القضية!
وهذا كلام يستغرب من محافظ بنك مركزي محترف! لسبب بسيط, أولا: أن قضايا التعثر الفردية لا يتم التعامل معها عن طريق البنوك المركزية، ولكن تتم بين الدائنين والمدين. وحسب تصريحات محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، فإن البنك المركزي لا يتدخل إلا عندما تكون هناك مخاطر على النظام ككل Systematic Risk وليس لحالات تعثر تحدث كل يوم مع اختلاف أحجام تلك التعثرات. ثانيا: وهو الأهم، أعتقد أن البنوك الخليجية، وبالذات في البحرين والإمارات، دخلت منذ سنوات في منافسة محمومة في السوق السعودية عن طريق إغراءات للمستثمرين السعوديين من خلال إعطاء تسهيلات في الحصول على التمويل وإدارة المحافظ! الأمر الذي استغله المستثمرون بكل جرأة, حتى وصل ببعض المستثمرين إلى تأسيس بنوك مستقلة لخدمة استثماراتهم! ورغم سلامة التوجه من منطلق الحرية الاقتصادية، إلا أن الجهات الإشرافية والرقابية غفلت عن قضية التنسيق بينها وبين الجهات الإشرافية والرقابية في دول هؤلاء المستثمرين. أنا هنا لا أتحدث عن المملكة فقط ولكن عن كل دول العالم التي يأتي منها مستثمرون للبحرين والإمارات. ونعلم اليوم, وبعد الأزمة المالية العالمية, أن نسبة كبيرة من المستثمرين استغلوا تلك الثغرات للحصول على تمويل وبناء محافظ لا تعكس ملاءتهم المالية الحقيقية! وهو ما أدى إلى إفلاسهم وإفلاس البنوك أو تعثرها. التسهيل لا يتعارض مع وجود آليات سليمة لإدارة المخاطر النظامية والفردية! ثالثاً: قضية المراكز المالية في الخليج التي بدأت منذ سنوات في البحرين ومن ثم الإمارات, ويبدو أن قطر والكويت في الطريق وكل يريد أن يكون مركزا مالياً للمنطقة. لا يمكن أن يكون ذلك دون تنسيق الجهود وأن تكون المنافسة تكاملية وليست شيئاً آخر. نحن بهذه الطريقة نحرق بعضنا بعضا، ويبقى المستفيد الوحيد هو من يستغل هذا التنافس ليلعب على الجميع لعبة تلبيس الطواقي!!
القضية أننا حتى نكمل مسيرة الوحدة، لا بد من توافر رؤية موحدة فيما يخص عديدا من الإجراءات, بالذات المالية وتبادل المعلومات الائتمانية, خصوصاً بشكل مهني حتى نساعد أنفسنا والقطاع المالي على خدمة قطاع الأعمال في الخليج دون أن تكون المسألة مجرد منافسة للحصول على كعكة من السوق السعودية الكبيرة! رغم أن المملكة, ومن خلال الإجراءات التي بدأت تتخذها منذ عام 2005 ترغب في مزيد من الانفتاح والتعاون مع الجميع, وبالذات إخوانها الخليجيون ولا ترغب في منافستهم. والله من وراء القصد.