مراكز الأبحاث بين الجامعات والشركات
إذا كانت الجامعات هي مصدر المعرفة العلمية والتقنية بما تتوافر عليه من قوى بشرية نوعية تتمثل في علمائها وأساتذتها وباحثيها والمناهج البحثية العلمية، فالشركات تعتبر مصدر أنواعنواع المخرجات المتطورة للسلع المصنعة أو المواد التقنية التي تنهض عليها تجارة الاستهلاك.
من هنا تأتي أهمية توقيع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الاتفاق مع الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات "سبكيم" لتأسيس مركز أبحاث لتطوير تقنيات وتطبيقات منتجات البوليمرات بقيمة 80 مليون ريال بمبادرة من وزارة البترول والثروة المعدنية. هذا الاتفاق يُعد إسهاماً عملياً في ردم هوة التواصل بين الجامعات السعودية والشركات من أجل تعميق التنمية الصناعية والتقنية وتوسيعها، كما هو في الوقت ذاته حافز ودعوة مفتوحة صريحة حارة لأن تحذو الجامعات السعودية حذو جامعة الملك فهد وأن تخطو الشركات أيضا الخطوة ذاتها في مجالات اهتمامها وتخصصها للانتقال بالعلاقة بينهما من الشكليات إلى الآليات الجوهرية لاستنبات الصناعات والتقنيات وهي مراكز البحوث العلمية مصدر خلق التنمية النوعية واقتصاد المعرفة وكل جديد، إذ من خلالها تنتقل العمليات التعليمية من الأروقة الأكاديمية إلى حواضن الإنتاج التقني والصناعي وينفتح طريق "صُنع وأنتج في السعودية" وطريق "الابتكار والاختراع" بإمضاء براءات ومهارات سعودية.
قد يكون تزامن توقيع هذا الاتفاق يُعيد حفل تدشين الصرح العملاق لجامعة الملك عبد الله، بشارة بسريان نفحة ريح البحث العلمي وتطبيقاته وهبوبها المبارك من أجواء ذلك الإنجاز فأنعشت النفوس ودفعت إلى الاحتذاء بالنهج ذاته.. الذي كان بالأمس احتذاء متردداً متواضعاً، نأمل اليوم أن يستجمع قواه ليصعد بالبحث العلمي وبالعلاقة العملية بين الجامعات السعودية والشركات إلى أوج التعاون الوطيد من أجل دمج العلم بالتنفيذ، ردما لهوة ما زالت فاغرة الفاه على نحو لم يعد مقبولا، وتجسيرا لعلاقة تبادلية بمسارات عديدة في الاتجاهين تتجاوز حجم مبلغ هذا الاتفاق الذي يظل متواضعاً إذا ما قيس بالميزانيات الهائلة التي ترصدها المراكز المتقدمة للإنفاق على البحوث العلمية وجذب العقول وتوطينها.
إن الدرس البليغ الذي صدعت به جامعة الملك عبد الله، هو ضرورة العمل وفق خلاصة تجربة وخبرة جامعات العالم المتقدم في اختزال الوقت بعظيم الجهد من أجل تكنولوجيا المستقبل واقتصاد المعرفة في قطعية مسلكية مع ما كان سائدا من إدمان الرطانة الأكاديمية والدوران في مدارات الثرثرة بالنظريات والقوانين والقواعد العلمية دون ترجمات عملية لها على أرض الواقع.. فالنتائج التطبيقية هي الهدف والغاية ولا سبيل إلى ذلك إلا بمراكز البحث العلمي وأدواته الأكثر حداثة وبعقوله الأشد توقدا وذكاء وإبداعا.
وحين تستجيب الظهران لما حدث في ثول، فإن هذا يفتح شهيتنا ويعزز ثقتنا بأن غداً عامراً بالبحث والدرس والإنتاج العلمي الصناعي التقني سيغمر بحيوية نشاطه وبوهج أنواره جامعاتنا وشركاتنا ويغمر كذلك جسدنا التعليمي العام للبنين والبنات في كل أرجاء الوطن، ولتكون القاعدة التربوية مشدودة إلى دعائم الخلق والإبداع وليس الحفظ عن ظهر قلب والنسيان عن قلب ظهر!
وبعد.. شاقة دوماً هي الطريق الصاعدة حين النظر إليها من بعيد غير أنها تتذلل بالانصياع لمثلنا العربي العتيد: مَن سار على الدرب وصل!