رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


درهم الوقاية وقنطار العلاج

كثيراً ما نقرأ في صحافتنا تحذيرات من تناول هذا الدواء، أو استخدام هذا الكحل، أو استخدام هذه الآنية المصنوعة من الميلامين, أو ذلك العشب الموجود عند العطارة، كما نقرأ أن وزارة التجارة, أو بلدية من البلديات في إحدى المدن قد صادرت بضاعة من البضائع لمنافاتها الشروط الصحية، أو لإضرارها بصحة من يستخدمها، أو لأنها مغشوشة, وليست بصورتها الطبيعية.
قرأت قبل فترة خبراً مفاده أن شاياً مصبوغاً بصبغة مضرة بالصحة قد تم مصادرته من أسواق جدة, وهذا الخبر، وغيره من الأخبار الأخرى بهذا الشأن مفرحة من جانب أنها تبين أن الجهات الرقابية, والمسؤولة تقوم بواجبها, أو بجزء من الواجب حفاظاً على صحة المواطن, والمقيم، ومع هذا الشعور إزاء الجهات المعينة، ألا وهو الشعور الإيجابي إزاءها, والدور الذي تقوم به، إلا أن الأمر يستوجب مناقشته بصورة شمولية يدخل فيها الجانب الصحي، والجانب الاقتصادي، والجانب الفني والتقني الذي يمكن من كشف العناصر المضرة بالصحة, أو المخالفة للمعايير المحلية, أو العالمية.
ما تقوم به هذه الجهات حين تسحب البضاعة من الأسواق هي إجراءات لاحقة تتم بعد الإبلاغ من قبل المستهلكين, أو بعضهم، أو بعد اكتشافها بالصدفة من قبل الجهات الرقابية، أو ربما بعد حدوث أضرار ترتب عليها دخول مستشفى, أو فقدان لبصر كما في حالة الكحل على سبيل المثال. وفي يقيني أن الإجراء الأمثل لمنع تكرار هذه الأشياء، أو جعلها في نطاق ضيق جداً هو الأخذ بمبدأ الوقاية تطبيقاً للمثل العربي المشهور (درهم وقاية خير من قنطار علاج). وهذا يتحقق من خلال تفعيل بذل الجهد في منافذ المملكة التي تأتي عن طريقها البضائع سواء البرية، أو البحرية، أو الجوية، إن رصد البضائع المضرة بالصحة أو المخلة بالمعايير في المنافذ يتم من خلال الأجهزة الدقيقة القادرة على كشف مكونات، وعناصر البضاعة، كما يتم بوجود فريق عمل مدرب يقوم بالمهمة بالصورة الحسنة, والمطلوبة، ويعزز هذا وجود مواصفات, ومعايير دقيقة, وواضحة يتم الالتزام بها مع البضائع كافة, ومع جميع التجار، والمستوردين, والمصنعين أو المنتجين إن كانت البضاعة منتجه في الداخل، بحيث لا تدخل البضاعة السوق, ولا تكون متاحة للمستهلك إلا بعد التأكد من سلامتها، وخلوها من جميع العيوب، ومناسبة استخدامها.
تأملت في عبوات بعض البضائع كالفواكه مثلاً, والتي نستوردها من الشام، أو تركيا فألفيت أن هذه العبوات صممت لممارسة الغش, والسرقة الواضحة للمستهلك رغم أن ضبط مثل هذه السلع بسيط إذ يمكن فرض مواصفات للعبوة كالكرتون الذي يسهل رؤية كل ما بداخل الكرتون، وهل هو سليم, وصالح أم لا، وهل هو بالحجم نفسه, أم لا. الملاحظ طوال هذه السنين أن البضاعة التي تكون في أعلى الصندوق تكون مناسبة، وجميلة، وجذابة، لكن البضاعة التي في أسفل الصندوق تكون فاسدة، أو على أحسن الأحوال تكون صغيرة الحجم، أو قطفت قبل نضجها. ولذا فالسؤال الموجه لوزارة التجارة، وهيئة المواصفات, والمقاييس, أو أي جهة أخرى ذات علاقة, ما الذي يمنع من وضع المواصفات التي تحمي المستهلك من أن يدفع أموالاً لبضائع مغشوشة, وغير مناسبة. وعند وصول البضاعة إلى أي منفذ من منافذ المملكة يتم إرجاعها من حيث أتت في حال مخالفتها المواصفات المحددة.
أعتقد أن وضع هذه المواصفات لصناديق الفاكهة على سبيل المثال وليس الحصر كأن يشترط أن تكون شفافة سيسهل على العاملين في المنافذ اكتشاف الغش المباشر للبضائع، ويمكن رد البضاعة بحمولتها كاملة إلى مصدرها. وفي هذه الحالة نؤكد للمصدرين والتجار أن إجراءات حماية المستهلك تبدأ من وصول البضاعة إلى المنافذ, وليس بعد وصولها, ووقوعها في يد المستهلك, وحدوث ما يمكن أن يحدث جراء استخدامها.
هذا ما يتعلق ببضائع مثل الخضراوات, والفواكه، وفي ما يتعلق بشكلها، ووزنها، وحالتها فقط، أما ما يتعلق بمناسبتها من حيث الصحة فلا شك أن الأمر يتطلب إجراء تحاليل مخبرية للكشف عن سلامتها من المبيدات، أو نسبة تركيز المبيدات فيها، أو الحوافظ أو أن تكون صنعت من مواد معروف ضررها بصحة الإنسان, وهذه إجراءات لا بد من القيام بها إذا ما أردنا أن نحافظ على صحتنا، وأموالنا. إن وجود متخصصين, وذوي خبرة مدربين, مع أجهزة دقيقة ستمكن العاملين في المنافذ من كشف البضائع غير المناسبة, وفي هذا حماية للإنسان, وكذلك للاقتصاد الوطني بدلاً من أن تكون السوق مجالاً مفتوحاً تروج فيه بضائع تكلف المواطن والوطن الشيء الكثير في الصحة, والمال.
إن كثرة الأخبار بشأن سحب بضاعة في هذه المدينة أو تلك يدل على أن خللاً ما يوجد في عملية التعامل مع البضائع المستوردة, وقد يكون السبب تعدد الجهات المناط بها الأمر, وفي هذا الوضع سبب في عدم قيام بعض الجهات بمسؤولياتها كما يجب, كما قد يكون السبب عدم توفر المواصفات والمعايير الدقيقة التي تساعد العاملين في المنافذ على القيام بمسؤولياتهم كما يجب, أو ربما يعود السبب إلى نقص الكفاءة, والخبرات عند العاملين, وهذه أمور يمكن تجاوزها إذا ما وجدت إرادة حماية المستهلك ومعه حماية الاقتصاد الوطني من أن يعبث به من خلال البضائع المغشوشة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي