فلسطين.. لا حياة لمن تُنادي
يحق لإسرائيل أن تضع الشروط التي تريدها ويحق لها أن تتمادى في عدوانها ويحق لها أن تقول إن فلسطين كلها أرض يهودية ويحق لها أن تبني ما تشاء من المستوطنات. وإسرائيل تعود اليوم إلى تبني فكرة الحدود التوراتية، من النيل إلى الفرات. فهي قريبة جدا من النيل وهو هدفها الأول، وبعد التدمير الظالم للعراق أصبح الهدف الثاني مرمى حجر من بلوغ أحلامهم الصهيونية التوسعية. وما كان لكل ذلك أن يتحقق لو أن إخواننا أصحاب الشأن أدركوا مبكراً خطورة انشقاقهم وتفرقهم تحت لواءات مُتعددة، من فصائل ومنظمات وحركات وإمارات ومُستقلين ومُستقلات، إلى آخر هذه المُسميات. ويحق لنا أن نسأل هؤلاء الفرقاء ماذا استفاد الشعب الفلسطيني منذ أول أيام النكبة إلى أيامنا هذه من تلك التنظيمات المُتشاحنة والمُتناقضة والزعامات المُتهالكة؟ لا شيء على الإطلاق! بل إن ذلك الوضع السيئ الذي ساد القضية الفلسطينية خلال العقود الماضية المُتمثل في ظهور زعامات مُتعددة وانقسامات وسُلطات داخل سُلطات قد أنهك الشعب الفلسطيني وغيَّب رؤيته وقضى على مُقاومته حتى أصبح جثة هامدة لا تعي ما حولها ولا تَحُسُّ بالوخزات الموجعة التي يُسلطها عليها العدو في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من العالم. ولن تقف أحلام الصهيونية عند حد الاستحواذ والتملك والاحتلال والتوسع ما أمكن لها ذلك، لأنها تُدرك أن وجود هذا العدد الهائل من الفلسطينيين داخل الأراضي المُحتلة سيُنغِّص عليها حياتها ويُصبح غُصة في حلقها وعالة على اقتصادها وتهديداً لمستقبلها. وتعرف أن إمكانية توطينهم في البلاد المُجاورة ربما يكون مُستحيلاً، خصوصاً أن من مُخططاتها طويلة الأمد، التوسع على حساب أولئك الجيران. فإذاً ما الحل لديها؟ والجواب بسيط، الحل هو رميهم في البحر، فلا هي تخاف من العقاب ولا تهتم بالانتقاد. والدليل على ذلك أنها الآن تعمل ما تشاء، من تدمير وتقتيل وتشريد وتجويع وحصار، ولا أحد يستطيع أن ''ينبس'' بكلمة احتجاج أو انتقاد. فقد استطاعت إسرائيل تحويل ملفْ الأسير اليهودي الوحيد جلعاد شاليط إلى قضية أكبر و أكثر أهمية من 11 ألف أسير عربي، بينهم نساء وأطفال، ويقوم بزيارته في غزة رؤساء دول؟ هذه مهزلة!!
ومن الإفراط في الاعتباط، يتظاهر نتنياهو أمام العالم بصرف النظر عن القضية الفلسطينية إلى مسألة نشاط إيران النووي و خطره المزعوم على الدولة اليهودية. وعند ما أعلنت إيران أخيراً بناء مُفاعل نووي جديد، سارع وزير خارجيتها ليبرمان، إلى استنهاض الدول الغربية لتمنع الحكومة الإيرانية من تنفيذ المشروع، بل إلى حثهم على الإطاحة بالنظام الإيراني. يا للعجب!! إسرائيل التي تمتلك التقنية النووية وعشرات القنابل الذرية، لديها من الوقاحة ومن الجرأة ما يسمح لها بأن تنتقد البرامج النووية الإيرانية؟ نحن بطبيعة الحال أول منْ يُعارض البرامج النووية الإيرانية وغير الإيرانية، ولكن الدولة اليهودية ليست مؤهلة لأن تقوم بأي دور من هذا القبيل، والأحرى بها أن تبدأ بنفسها قبل غيرها.
وقد وجدت إسرائيل مدخلاً آخر يُبعدها عن المواجهة المباشرة مع الزعامة الفلسطينية الضعيفة والمتهالكة، وهو افتعال ضرورة التطبيع مع الدول العربية مُجتمعة مُقابل وقف بناء مستوطنات جديدة. وكأنها تقول للعالم نحن مستمرون في بناء المستوطنات حتى يركع العرب لمطالبنا. وهم يعلمون أن هذا مطلب سخيف، ولا هناك ما يربط بين التوسع الاستيطاني وتطبيع العلاقات مع جميع الحكومات العربية الذي كان من المفترض أن يأتي بعد حل القضية الفلسطينية برمتها حلاًّ مقبولاً ومرضياً. هدف نتنياهو من تلك المراوغات هو كسب الوقت. ومن الواضح من مجريات الأمور خلال العقود الماضية أن إسرائيل في واقع الحال لا تُريد للقضية حلاًّ عادلاً ولا غير عادل، بل تفضل البقاء على الوضع الحالي الذي يسمح لها بأن تتصرف كيفما شاءت. ثم ما معنى أن تطلب من العرب التطبيع أولاً وهي لا تُريد التطبيع مع السلطة الفلسطينية صاحبة الشأن؟
والمضحك هو موقف زعامة السلطة الفلسطينية عند ما يتظاهرون برفض عقد اجتماعات مع حكومة العدو احتجاجاً على الاستمرار في بناء مستوطنات جديدة، وهم ينسون أو يتناسون أن ذلك هو مطلب زعماء إسرائيل. ومنْ الذي قال لكم يا أذكياء أن اليهود يسعون إلى اللقاء بكم أو التفاوض معكم؟ اليهود يكسبون من كل ساعة تمر دون لقاءات ومفاوضات وأنتم في المقابل تخسرون. ثم ما فائدة المفاوضات وأيديكم خاوية من أي عامل ضغط؟ هل تتوقعون أن عدوكم سيتنازل لكم عن شبر واحد من الأرض المحتلة من أجل سواد عيونكم؟ لقد قالها الرجال من قبل: ما أُخذ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالقوة.
اتركوا إسرائيل في حالها وانشغلوا بحالكم، ثم كُرُّوا عليها عند ما تكونون يداً واحدة و على قلب رجل واحد ولو بعد حين. وثقوا بأن مؤتمراتكم المنظماتية والفصائلية والخطب الرنانة التي لا تُجسد إلا الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، لن تجلب لكم إلا الخراب والدمار وطول الاحتلال. إسرائيل تعمل ليل نهار من أجل تثبيت وجودها وتنشئ أجيالاً أكثر تمسكاً بالأرض التي وُلدوا عليها، وأنتم يا أهل فلسطين مُشردون على أرضكم. ولو أن الشعب الفلسطيني المناضل تغلب على إرادة التفرقة ووقف وقفة رجل واحد تحت مظلة زعامة واحدة لاستطاع عمل المُعجزات وكسب الرأي العام العربي والعالمي واستحق احترام الجميع. أما لقاءات المصالحة التي تدور رحاها منذ مُدة، فمن الواضح أن أكبر طموحات المُتفاوضين هو اقتسام كعكة السلطة الهزيلة. نحن لا نتوقع أن يتنازل زعماء التنظيمات المختلفة عن مناصبهم، رغم مُضي عقود طويلة على احتلالهم تلك المراكز، ومضرتهم على شعبهم أكبر من نفعهم، ولكننا نتعجب من الشعب نفسه الذي ظل خلال 40 عاماً يركع تحت أرجلهم، تاركاً العدو يُلهب ظهره وينهب أرضه.