رسالة إلى لمار

للموت هيبة ومهابة، تجعل اللسان عاجزا عن التعبير. أكتب هذه الكلمات فور انتهائي من قراءة تقرير للزميلة سوسن الحميدان في («الشرق الأوسط» 15/10/2009) حاورت من خلاله زوجة الشهيد عامر العكاسي، الذي لقي وجه ربه إثر مواجهة في جازان مع ثلة من الفئة الضالة. التقطت سوسن الحميدان من فم زوجة الشهيد سلسلة من الحكايات عن الساعات الأخيرة التي سبقت عودته إلى مقر عمله، والعبارات الأخيرة التي أرسلها إلى زوجته يعبر من خلالها عن أشواقه لابنتيه ولزوجته. هذا الجزء الإنساني من الحكاية من المهم إبرازه واستحضاره دوما. فالشهيد إنسان له مشاعر، له آمال، له طموحات، وله أطفال صغار كان في لحظة من اللحظات يوصي زوجته عليهم، وكأنه يلمح بشارة الشهادة تلوح له عن بعد.
في مواجهة المملكة مع خلايا الإرهاب، التي تتسلل بصمت يشبه خلايا السرطان، في هذه المواجهة هناك دوما البُعد الإنساني الذي يفضح زيف الإجرام الذي يحاول أن يوجد له مسوغا فكريا، والحقيقة أنه نحا أخيرا إلى منحى الشذوذ، إذ ما إن انتهينا من قصة ذاك الذي استخدم مؤخرته كمكان للتفخيخ، حتى عدنا إلى شذوذ آخر بدأ يستشري لدى الفئة الضالة ويتمثل في لبس أزياء النساء، وبعض النساء أشرف من غادر يسوغ له شيطانه أنه يمارس جهادا. حزين من أجل عامر ومن سبق عامر. لقد كانت مواساة الأمير محمد بن نايف وعزاؤه للأسرة إحدى اللفتات المعتادة منه. في العزاء لخص الأمير محمد الأمر بمنتهى الواقعية، قال الأمير «العزاء الذي يخفف مصاب الجميع أنه مات موت الأبطال وهو يواجه الأعداء في ميدان الشرف». أما لمار ابنة الشهيد الكبرى ذات الأعوام الأربعة، فأقول لها: غدا عندما تكبرين، ستخبرك أمك أن والدك مضى شهيدا وهو يؤدي واجبه، ولن تطأطئي رأسك، فلم يكن أبوك يلبس ملابس النساء ويتسلل، ولم يكن خائنا ومجرما أعماه ضلاله.. كان إنسانا شريفا، من نسيج هذه الأرض. كان أبا حنونا، كان مواطنا ناداه الواجب، فلبى النداء، وسقط شهيدا لينضم إلى قافلة من فلذات الوطن. وأنت يا لمار أصبحت مع أختك والجنين الثالث الذي ما زال يتشكل في بطن أمك جزءا من أسرة الشهداء التي تحظى بأبوة قائد هذه البلاد وأشقائه الأوفياء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي