رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تميز الجامعات: المتطلبات والمؤشرات

التميز الذي من الممكن أن تحققه أي جامعة من الجامعات له استحقاقات لا بد من توافرها حتى يتحقق التميز المنشود. وأول استحقاق يتمثل في وضوح وتحديد مصطلح تميز, مع تحديد مؤشرات تدل على هذا التميز, ذلك أن البعض يظن أن التميز شعارات ترفع, وطنطنة إعلامية يتردد صداها في أذن من يعشقها, وفي مثل هذه الحالة قد يطرب البعض لهذا التميز المفترض، لكن مع الوقت يتأكد للجميع أن التميز المفترض ما هو إلا شعار زال بزوال الأطروحات الإعلامية التي رافقته.
التميز الذي يمكن أن تصنعه أي جامعة لا بد له من أثر في أرض الواقع, وهذا الأثر يتمثل في الإضافة التي تحدثها الجامعة في محيطها الاجتماعي, أو على صعيد العالم كمخترع تتم الاستفادة منه, أو علاج يتم التطبب به لمرض من الأمراض, أو نظرية تكشف عن سر من الأسرار التي أودعها الله في هذا الكون, أو طريقة بناء تسهم في حل مشكلة البناء في بلد من البلدان, أو تقنية يمكن أن يستفيد منها ذوو إعاقة من الإعاقات, هذه أمثلة على التميز الذي يترك أثره في أرض الواقع, ويحس به الناس, أو بعضهم ممن يحتاج إلى هذا الاكتشاف, أو هذا المخترع.
التميز يعد هدفاً لبعض الجامعات, وليس كلها, وهدفاً لبعض الأساتذة, وليس كلهم, وذلك من خلال البرامج الجيدة, الجهد, التنظيم, وحسن استثمار الموارد, والإمكانات المتوافرة في الجامعة بدلاً من بعثرتها على أمور لا قيمة لها على صعيد نمو المجتمع. مراكز البحوث, والمعامل, والمختبرات التي تتوافر في الجامعات تمثل القلب النابض في الجامعات المتميزة، حيث يجد الطالب والباحث فيها ما يحفزه على البحث والتجريب وتطوير المعرفة في المجال الذي يتخصص فيه الطالب أو الباحث. في مراجعة لأدبيات تميز الجامعات وجدت أن هذه الأدبيات تشير إلى العناية بالتعليم, التعلم, والبحث والاستقصاء من خلال تركيز جميع الجهود والأنشطة على هذه الأشياء, كما أن أدبيات التميز تشير إلى أن بعض الجامعات تعنى باختيار الطالب والأستاذ الذي يحظى بشرف التدريس في الجامعة والانضمام إلى سلكها التعليمي والبحثي, كما أن هذه الجامعات لا تقبل أي طالب وكيفما اتفق، بل لا بد من اجتياز شروط وتحقق مواصفات في الطالب الذي يمكن قبوله في الجامعة.
تذكرت وأنا أحضر لكتابة هذا الموضوع ذلك الطالب الأمريكي الذي تخرج لتوه في المرحلة الثانوية عام 1983 بنسبة عالية, كما أنه حصل على درجة عالية في اختبار الاستعداد الدراسي المعروف اختصاراً بـ SAT، الذي يماثل اختبار القدرات الذي ينفذه مركز القياس التابع لوزارة التعليم العالي. ذلك الطالب لم يتقدم للقبول في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، بل إن الجامعة سعت لاستقطابه ليكون أحد طلابها، نظراً لتميزه حسب نتائج اختباراته في الثانوية العامة, وفي اختبار الاستعداد الدراسي, إضافة إلى ملاحظات المعلمين المدونة في ملفه، ما دفع جامعة ستانفورد العريقة, وذات السمعة الرفيعة أن تسعى لاستقطابه من خلال تقديم بعض المميزات والمغريات المتمثلة في منحة دراسية كاملة مجانية مع إعطائه معمل إلكترونيات متكاملا ليعمل فيه في ساعات فراغه وبين المحاضرات, لذا لا غرابة أن تكون جامعة ستانفورد في المرتبة الثانية بعد جامعة هارفرد من بين الجامعات الأمريكية التي خرجت مليارديرات ورجال أعمال مشهورين, كما أن من طورا محرك جوجل, محرك البحث المشهور حاز كلاهما شهادة الماجستير من هذه الجامعة.
لا أعلم ماذا حدث لذلك الطالب، لكن ما أعرفه أنه التحق بجامعة ستانفورد التي هيأت له مناخاً علمياً وبحثياً يمكنه من التركيز على التجريب, واختبار النظريات, والفرضيات مختبرياً وميدانياً. علمت بهذا الطالب لأنه كان من سكان مدينة بولمان في ولاية واشنطن التي كنت أدرس فيها درجة الدكتوراه, وحينها طلب من جامعة ولاية واشنطن أن تطبق عليه اختبارات ذكاء وقدرات, واختبارات شخصية بهدف الكشف إن كان موهوباً أو لا. وقد أرسلت جامعة ولاية واشنطن نتيجة الاختبارات إلى جامعة ستانفورد التي قبلته مع توفير المحفزات كافة.
هل كل من يحصل على نسبة ثانوية عالية ودرجة عالية في اختبار القدرات سيكون متميزاً أو يسهم في تميز الجامعة؟ ليس بالضرورة, لكن الأحرى أن يكون كذلك إذا توافرت جميع المؤشرات الدالة على توافر قدرات عقلية عالية, وطموح, ودافعية, وشخصية متزنة, وكذلك إذا وفرت الجامعة البيئة المناسبة والإمكانات اللازمة, إضافة إلى الدعم, والاهتمام بدلاً من الإهمال أو الشعور بالإحباط في محيط الجامعة ومع أنشطتها, وفعالياتها.
إن السعي الدؤوب لاقتناص النابهين من الطلاب بعد تخرجهم في الثانوية العامة, وإيجاد المحاضن العلمية التي تشجعهم, وتوجههم, وترعاهم سيثمر تميز الأفراد, ومن ثم تميز الجامعة, التي سيمتد عطاؤها إلى المجتمع, وذلك بإمداده بكفاءات عالية التأهيل قادرة على تقديم الجديد, والمتميز, وعلى إيجاد الحلول للمشكلات التي يواجهها المجتمع أياً كانت هذه المشكلات, اقتصادية, إدارية, صحية, واجتماعية أو أي نوع آخر من المشكلات.
من المؤكد أن تميز الجامعة يعطيها الحق في البحث عن الطلاب الذين تتوافر لديهم مؤشرات التميز التي أشرنا إليها, ما يعني أن العوامل, والأسس الفطرية لدى الطلاب تسهم في تميزهم متى ما توافرت البيئة المناسبة, إذ لا يمكن أن تكون العوامل الفطرية وحدها هي المنطلق الوحيد, فكم من الأفراد الذين تتوافر لديهم الخصائص الفطرية العالية للتميز، لكن لم تسعفهم بيئاتهم الأسرية أو الاجتماعية للوصول إلى مراتب التميز المعرفي, ومن ثم الاجتماعي أو الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي