البنك الأوروبي للاستثمار يعيد تأهيل المدن العتيقة في جنوب المتوسط وشرقه
أطلق البنك الأوروبي للاستثمار هذا الأسبوع في مرسيليا (جنوب شرقي فرنسا) «برنامج المدن العتيقة 2030» الذي يحدد مهلة عامين ونصف العام لوضع إطار لإعادة تأهيل المناطق العتيقة في مدن جنوب المتوسط وشرقه.
وأطلق البنك مبادرة «المدن العتيقة 2030» في إطار بينالي الهندسة المعمارية لمدينة البندقية 2008، لمعالجة تداعيات «المسلسل المستمر للتدهور الاقتصادي والاجتماعي» الذي يطول قلب المدن العتيقة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ما «يفقدها روحها».
وما يزيد من قلق الذراع المالية للاتحاد الأوروبي، هو مستقبل المنطقة بحلول عام 2030 الذي يتوقف بحسب البنك على إدارة «الواقع العمراني» ولا سيما أن عدد سكان مدن المنطقة سيزداد بحلول ذلك التاريخ بنحو 100 مليون نسمة، 80 في المائة منهم يتركز وجودهم في مدن ساحل المتوسط.
وقال رئيس بلدية مكناس المغربية أحمد هلال خلال ملتقى نظم الخميس والجمعة في مرسيليا في إطار الأسبوع الاقتصادي المتوسطي الثالث، «إن المدن العتيقة مهددة بالاضمحلال، في حين يمكن أن تكون مصدرا لتنمية حقيقية».
ويعتزم البنك الأوروبي للاستثمار من خلال أدوات الاستثمار والشراكة التابعة له في كل من الجزائر، مصر، غزة، الضفة الغربية، إسرائيل، الأردن، لبنان، المغرب، سورية، وتونس، وضع استراتيجية لإعادة تأهيل عمراني مستديمة تجمع في تمويلها بين القطاعين الخاص والعام.
وقال فيليب دو فونتين فيف نائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار «إنه تعويض عن إهمال لأن التنمية العمرانية ليست من ضمن أولويات الاتحاد من أجل المتوسط». ولتحقيق هذه الأهداف، عمد البنك الأوروبي للاستثمار الذي لم يعلن حتى الساعة عن أية موازنة لهذا المشروع، إلى إطلاق برنامج «المدن العتيقة 2009» الذي سيتم إنجازه في «مركز مرسيليا للاندماج في المتوسط» الذي دشن الجمعة برعاية مشتركة بين البنك الدولي والمدينة.
ويهدف البرنامج إلى استخلاص العبر من تجارب الماضي وبلورة مشروع ريادي لإعادة تأهيل المدينة العتيقة في «الدار الكبيرة» بمكناس، ثالث كبرى مدن المغرب والتي يوجد فيها نهارا 200 ألف نسمة في مساحة 100 هكتار.
وقال رئيس بلدية مكناس إن هذه المنطقة «أهملت طويلا» وإنها بإرثها الذي يعود عشرة قرون إلى الوراء ستخضع لعملية تتضمن تجديدا يحافظ على رونقها القديم وتدعيما للمباني وتحديثا للمساكن.
ومن المقرر أيضا أن يتم في السنوات المقبلة في الدار الكبيرة تخصيص طرقات سياحية ووضع مخطط تنظيمي وشرعة معمارية، باستثمار إجمالي قدره 25 مليون يورو.
وبالنسبة إلى البنك الأوروبي للاستثمار، فإن المثال الواجب أن يحتذى به هو الوسط التاريخي لتونس العاصمة، المدرج منذ 1979 على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، وهو «وسط مدينة وحياة، وليس بأي شكل من الأشكال معزلا ثقافيا»، وهو أحد المطبات الواجب تفاديها. وقال عبد الرحمن البزري رئيس بلدية صيدا (جنوبي لبنان) خلال ملتقى مرسيليا «لا نريد أن تكون مدينتنا شبيهة بمتحف».
ومن المفترض أيضا أن تترافق عملية إعادة تأهيل الإرث الثقافي للمدن القديمة مع إعادة تأهيل المساكن والنشاط التجاري فيها، بسبب الضرر الذي ألحقته بها المنافسة الشرسة التي تخوضها مع المناطق الحضرية الجديدة التي نشأت في ضواحيها، وهو تحديث هدفه تحسين أوضاع سكان هذه المدن العتيقة.
وقال فيليب دو فونتين فيف إنه «إذا قصدنا أحد ومعه مخطط سياحي حصرا، فلن نموله»، مشددا على أن النجاح يمر عبر الحوار مع السكان. ويورد البنك الأوروبي للاستثمار مثالا سلبيا هو مدينة يافا التي تعد اليوم المدينة العتيقة لتل أبيب التي يرفض سكانها العرب عملية إعادة تأهيلها كونهم يعدونها عملية تحديث لإرث ثقافي فلسطيني مفرغ من تقاليده. أما الوسط التاريخي للجزائر العاصمة فنادرا ما تتم الإشارة إليه بسبب بطء إجراءات الحفاظ عليه رغم أنه مدرج منذ 1992 على لائحة التراث العالمي.