هيئة سوق المال السعودية تغلق مواقع إلكترونية وتحجب أخرى
قامت هيئة سوق المال السعودية بإغلاق (166) موقعاً إلكترونياً وحجب (20) موقعاً إلكترونياً لمجموعات بريدية إلكترونية عرفت باسم «قروبات التوصيات» والتي دأبت ومنذ فترة ليست بالقصيرة على تضليل وخداع المستثمرين من خلال بث ونشر معلومات خاطئة بهدف تضليل المستثمرين.
وقد قامت هيئة سوق المال السعودية بإصدار وتنفيذ قرار الغلق والحجب لتلك المواقع الإلكترونية، بعد أن تمكنت وحد المخالفات الإلكترونية ـ التي كانت الهيئة منذ إنشائها عام 2005 ـ بالكشف عن مخالفات عديدة ارتكبتها تلك المواقع الإلكترونية والتي لجأت إلى توظيف أدوات الاتصال والتكنولوجيا الحديثة في تضليل المستثمرين وخداعهم وذلك من خلال الرسائل القصيرة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، حيث قامت هيئة سوق المال السعودية وبناءً على توصيات وحدة المخالفات الإلكترونية في الهيئة باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين بما في ذلك استجوابهم وأخذ التعهدات النظامية عليهم لإزالة تلك المخالفات والتوقف الفوري عن أية مخالفات لنظام السوق المالية ولوائحها التنفيذية وعدم القيام مستقبلاً بمثل هذه الأعمال.
وحتى يتسنى لنا الوقوف على نجاعة الإجراءات والتدابير التي قامت بها هيئة سوق المال السعودية، ومعرفة المبررات والدوافع، لا بد من تحليل الـ (Rationale) وراء هذه السياسة الإجرائية الحازمة وذلك على النحو التالي:
أولاً) عادة ما تعتمد أسواق المال العالمية وخصوصاً أسواق الأسهم والتي يشارك بها كبار وصغار المستثمرين لإدارة محافظ استثمارية مختلفة. على المعايير الدولية في هذا الخصوص، خاصة فيما يتعلق بقضايا الإفصاح المالي (Financial Disclosure) والشفافية في التعامل والتداول وسهولة الحصول على المعلومات.
ثانياً) بالاطلاع على تجربة المملكة العربية السعودية في مجال إنشاء سوق المال وهيئة الأوراق المالية، وبعد الدراسة والتحليل يتضح أن المملكة العربية السعودية من الدول العربية الرائدة في تبني مثل تلك المعايير الدولية والخاصة بأسواق المال والتي تهدف أساساً إلى الحفاظ على حقوق المستثمرين وتعزيز ثقتهم بالاقتصاد الوطني، وتعزيز الثقة بالمناخ الاستثماري، بما في ذلك تطوير أوراق التمويل بشكل يتفق والممارسات العالمية المستقرة.
ثالثاً) على العكس مما يحدث في دول أخرى، فإن السوق المالية السعودية تعتبر من أكثر الأسواق توظيفاً لأحدث أساليب التكنولوجيا وتطوراتها، ولذلك قامت الهيئة بتأسيس وحدة المخالفات الإلكترونية والتي بناءً على توصياتها وبموجب أعمالها، تم إغلاق وحجب الكثير من المواقع الإلكترونية المشار إليها سابقاً، علماً بأن هناك العديد من الأسواق المالية في المنطقة ما زالت تفتقر إلى وجود مثل هذا الوحدات الرقابية التي تعزز من مصداقية السوق والهيئة وتحافظ على حقوق المستثمرين وتجنب الاقتصاد الوطني أية تبعات سلبية نتيجة الممارسات الخاطئة والمضللة.
#2#
رابعاً) وفي ظل الأزمة المالية العالمية الحالية والتي بدأت آثارها السلبية بالظهور وبشكل واضح على أسواق المال الخليجية وأداء الاقتصادات الوطنية وما نتج عنه من تأثر الكثير من القطاعات الاقتصادية المختلفة (قطاع العقارات، والصناعات التحويلية، والمشاريع الحكومية الكبرى،...) وما رافق ذلك من نقص السيولة وسيادة حالة من التوتر والإرباك في الأسواق المالية، وفقدان الثقة بالسوق، الأمر الذي ولد قناعة لدى المستثمرين وخاصة الصغار منهم بأن الطريق الآمن لاسترداد قيمة استثماراتهم تتمثل في التخلص من الأوراق المالية التي بحوزتهم وتسيليها وذلك تطبيقاً لمبدأ التحوط المالي (Hedging) وحتى تتمكن هيئة سوق المال السعودية من ضبط سوق المال وضمان عدم تعرض المستثمرين لأية إشاعات من شأنها أن تؤثر على واقع السوق المالي وكفاءته ومصداقيته مما يؤدي إلى انخفاض قيمة الأسهم والأوراق المالية نتيجة ارتفاع المعروض من البيع. ومن أجل ذلك لجأت هيئة سوق المال السعودية إلى تفعيل دور وحدة الرقابة الإلكترونية لمنع هذه الإشاعات والمعلومات الخاطئة والمضللة من أن تسيطر على المستثمرين وعلى أجواء السوق، ولمنع تأثيراتها السلبية على وضع الشركات الكبرى وحفاظاً على حقوق المستثمرين والثقة بالاقتصاد الوطني.
خامساً) إن من أبرز الدروس والعبر التي يتوجب التوقف عندها والمتصلة بقرار الهيئة حجب وإغلاق العديد من المواقع الإلكترونية التي تمتهن التضليل وبناء الإشاعة، هي ضرورة التمحيص والتدقيق في الكيفيات والآليات التي يتم فيها اتخاذ قرارات الاستثمار والبيع والشراء في السوق المالية عن جمهور المستثمرين. ففي الجانب الأول نلحظ وبكل وضوح أن الهيئة مذ قامت بعمل إداري ورقابي سليم ومتميز، وينسجم بقرارها مع المعايير الدولية المرعية في مجال التعامل مع الأسواق المالية، بالإضافة إلى أن الهيئة قد طورت الضوابط التي تحد من المخاطر المرتبطة بتعاملات الأوراق المالية بما في ذلك تنظيم ومراقبة الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالأوراق المالية والجهات المصدرة لها وذلك ضمن سلطة الهيئة في الإشراف على تنظيم وتطوير السوق المالية بهدف توفير المناخ الملائم للاستثمار في السوق وزيادة الثقة فيه، والتأكد من الإفصاح الملائم والشفافية للشركات المساهمة المدرجة في السوق وحماية المستثمرين والمتعاملين بالأوراق المالية.
أما في الجانب الثاني وهو المرتبط بكيفية وآلية اتخاذ القرار لدى المستثمرين، واحتمالية أن تؤثر الإشاعة والمعلومات الخاطئة على الحسابات العقلانية والرشيدة لدى المستثمرين والمتعلقة بقرارات البيع والشراء والإفصاح. فمعلوم أن السوق المالي سوق حساس للبيئة النفسية للمستثمر ولحجم المعلومات ودقتها والمتوفرة حول الشركات وأدائها وسياساتها المستقبلية والمرتبط أيضاً بالاقتصاد الكلي والوضع العام السائد في الدولة. ومن هنا تأتي أهمية عقلانية القرارات في السوق المالية وضرورة أن يؤسس المستثمرون قراراتهم على دراسات واستطلاعات علمية ومتابعة دقيقة لمعطيات السوق وأداء الشركات وذلك تجنباً للوقوع في براثن الإشاعة والتضليل. ومن متطلبات ذلك توفر المعلومات اللازمة والصحيحة عن واقع الشركات وأدائها والابتعاد عن الربح السريع أو المضاربة.
سادساً) إن عقلنة عملية صنع واتخاذ القرار لدى المستثمر في السوق المالية، وقيام الجهات المنظمة (هيئة سوق المال السعودية في هذه الحالة) بتطوير الأوراق الرقابية والتأكيد على الشفافية وسلامة المعلومات وتوفرها، شروط أساسية للنجاح في الأسواق المالية وتعزيز مكانة هذه الأسواق في الاقتصادات الوطنية، هذا المتفق يبدو أكثر وضوحاً عند الوقوف على الوظيفة الأساسية للأسواق المالية في الاقتصادات الوطنية.
-1 من حيث المبدأ ارتبط تطور أسواق الأوراق المالية تاريخياً بالتطور الاقتصادي والصناعي الذي مرت به معظم دول العالم ولا سيما الدول الرأسمالية. وقد جاء انتشار الشركات المساهمة وإقبال الحكومات على الاقتراض ليخلق حركة قوية للتعامل بالصكوك المالية والذي أدى إلى ظهور بورصات الأوراق المالية. ففي فرنسا مثلاً ظهرت أول بورصة للأوراق المالية عام 1724 بموجب أمر ملكي، وفي بريطانيا استقرت أعمال البورصات في أوائل القرن التاسع عشر، أما في الولايات المتحدة فقد أنشأت أول بورصة للأسهم في عام 1821 في شارع «وول ستريت». وأصبح موضوع أسواق الأوراق المالية يحظى باهتمام بالغ في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء وذلك لما تقوم به هذه الأسواق من دور هام في حشد المدخرات الوطنية وتوجيهها في قنوات استثمارية تعمل على دعم الاقتصاد الوطني وتزيد من معدلات الرفاهية للأفراد.
-2 ويعرف سوق الأوراق المالية بأنه عبارة عن نظام يتم بموجبه الجمع بين البائعين والمشترين لنوع معين ومحدد من الأوراق أو لأصل مالي محدد، حيث يتمكن بذلك المستثمرون من بيع وشراء عدد من الأسهم والسندات داخل السوق إما عن طريق السماسرة أو الشركات العاملة في هذا المجال. ومع نمو شبكات ووسائل الاتصال فلم تعد الحاجة قائمة للتعامل في الأوراق المالية من خلال التواجد الفعلي في سوق الأوراق المالية المركزي، وفي هذا السياق فإن سوق الأوراق المالية معني بسوق النقود وسوق المال وسوق الأوراق المالية الذي يتم فيه التعامل بالأوراق المالية من صكوك والأسهم والسندات التي تصدرها الشركات والبنوك أو الحكومات وتكون قابلة للتداول. ومن هنا فإنه يمكن القول إن الأسواق المالية تشمل البنك المركزي والبنوك التجارية وشركات التأمين وشركات الاستثمار المالي والمؤسسات المالية وكافة المؤسسات التي تتعامل مع النفقات المالية. وتشمل السوق المالية أيضاً جميع الأسواق المنظمة والمؤسسات التي تتعامل في الائتمان القصير والمتوسط والطويل الأجل بما في ذلك الأسهم والسندات والقروض القصيرة والطويلة الأجل وكذلك الرهن والودائع الاستثمارية.
-3 وحتى تتمكن السوق المالية من العمل بكفاءة لا بد من توافر المعلومات والبيانات بحيث يكون باستطاعة المشاركين في السوق الحصول على المعلومات المتعلقة بحجم وأسعار التعاملات السائدة في الوقت المحدد وبدقة متناهية ويجب توفر السيولة والقدرة على بيع وشراء الأصول بسرعة وبسهولة وبسعر محدد ومعروف للسهم مع وجود عدد كبير من البائعين والمستثمرين المحتملين الراغبين في إجراء المعاملات على أن يتم ذلك بكلفة منخفضة لتحقيق الكفاءة الداخلية للسوق.
-4 ومن هنا فإن الوظيفة الأساسية للسوق المالية تتمثل في نقل الأموال من الأطراف التي يتوفر لديها فائض (مدخرات) إلى الأطراف التي تعاني من عجز في السيولة، بحيث باتت الأسواق المالية تشكل ضرورة أساسية للشركات والمؤسسات والحكومات. وتزداد أهمية أسواق الأوراق المالية في الاقتصادات الحرة والتي تعتمد على المبادرة الضرورية الجماعية.
-5 وتستمد الأسواق المالية أهميتها من وجودها في الدور المتعدد الأوجه الذي تقوم به، فهي أداة غير محددة في الاقتصاد الوطني، توثر في مختلف جوانب النشاط الاقتصادي، وتتأثر بما يحدث داخل الاقتصاد كما وتلعب أسواق الأوراق المالية دوراً هاماً في جذب الفائض في رأس المال غير الموظف أو المستثمر وتحوله من مال عاطل إلى رأسمال فعال وحيوي في الاقتصاد وذلك من خلال عمليات الاستثمار التي يقوم بها الأفراد والشركات في الأسهم والسندات.
-6 بالإضافة إلى ذلك توفر أسواق الأوراق المالية فرصاً لصغار المستثمرين وتشكل أداة رئيسة في تشجيع وتعزيز البنية الاقتصادية وتمثل حافزاً للشركات المدرجة أسهماً في تلك الأسواق على متابعة التغيرات الحاصلة في أسعار أسهمها ودفعها إلى تحسين أدائها وزيادة ربحيتها.
-7 توفر أسواق المال القدرة على توفير وإعادة تدوير الأموال لتحقيق السيولة اللازمة للاقتصاد الوطني، وتعزيز الاستثمار وتمويل عملية التنمية الاقتصادية بتوفير السيولة للحكومات للإقراض من الجمهور لتمويل مشروعات التنمية وتسريع معدلات النمو الاقتصادي.
من هنا فإن أهمية تنظيم سوق المال واتخاذ الإجراءات الضرورية وتوفير أدوات الرقابة للتدخل في السوق كما اقتضت الحاجة، تعد مدخلاً أساسياً لنجاح ونجاعة أسواق الأوراق المالية وهو الأمر الذي بدا واضحاً في الإجراءات التي اتخذتها هيئة سوق المال السعودية بحق المخالفين حفاظاً على كفاءة السوق، وصوناً لحقوق المستثمرين، ودعماً للاقتصاد الوطني وتجنباً للمخاطر المحتملة والمترتبة للتصرفات الخاطئة والمضللة لبعض المستثمرين.
وفي ظل الأزمة المالية العالمية وتداعياتها وتأثراتها السلبية على اقتصادات الدول العربية بما في ذلك أسواق الأوراق المالية في ظل تراجع أسعار النفط وتراجع الصادرات وأسعار الأسهم، لا بد من تفعيل أجهزة الرقابة المالية وزيادة الكفاءة الداخلية لعمل أسواق الأوراق المالية تجنباً للمخاطرة .