الاستثمارات الدولية

تتداول الأوساط السعودية في الوقت الراهن العديد من الأسئلة حول واقع أداء الاستثمارات السعودية الخارجية. تتمحور جميع هذه التساؤلات حول مقاومة الاستثمارات السعودية الخارجية للانعكاسات السلبية للتطورات في النظام المالي العالمي الذي نعيش آثاره كل يوم، ومدى جدوى سياساتها الاستثمارية وإدارة المخاطر في المحافظة على القيمة السوقية للاستثمارات السعودية الخارجية.
لعل من التقارير التي يمكن أن يرجع إليها ما أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية''الأونكتاد'' منتصف الربع الثالث من العام الميلادي الحالي من تقرير تحت عنوان''تقرير الاستثمار العالمي 2009''. ركز التقرير على أداء الاستثمارات المباشرة للاقتصادات النامية والانتقالية خارج منظوماتها الاقتصادية، ودور هذه الاستثمارات في تنمية منظومة الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من أن التقرير أشار إلى تحسن أداء الاستثمارات السعودية الخارجية خلال العام الجاري، إلا أن أداء الاستثمارات السعودية الخارجية خلال العقدين الماضيين لم ينمُ حسب التوقعات. يثير تباين الأداء طوال العقدين الماضيين العديد من التساؤلات ليس حول السبب وراء تواضع الأداء فحسب، وإنما حول الوجود الفعلي لرؤية واضحة واستراتيجية فاعلة لدى منظومة الاقتصاد السعودي لتطوير كل من دور الشركات القيادية السعودية، وسياسات التكامل والتوازن في هذا الجانب، ولا سيما عند تباين العرض والطلب على الصادرات السعودية الاستراتيجية خلال الفترة المقبلة.
كما هو معلوم، فإن''الأونكتاد'' هو إحدى الهيئات المنبثقة من الأمم المتحدة والمنوط به تطوير العملية التكاملية للتجارة والتنمية وجميع الموضوعات ذات الصلة بالمجالات المالية والتقنية والاستثمار والتنمية المستدامة بين أعضاء الأمم المتحدة.
دأب''الأونكتاد'' على إصدار مؤشر لقياس أداء الاستثمارات الخارجية لاقتصادات 128 دولة، تراوح درجة تقدم اقتصادات هذه الدول بين متقدمة، انتقالية، وناشئة. يسمى هذا المؤشر مؤشر أداء الاستثمارات المباشرة الخارجية.
أطلق المؤشر في عام 1991م لقياس أداء الاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت عام 1991م (1988- 1990م). هدف المؤشر إلى الاعتماد على فترة ثلاثة أعوام، عوضا عن عام واحد، وذلك لإعطاء الاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة الوقت الكافي للدخول في المنظومات الاقتصادية الأخرى، وإظهار انعكاساتها على نمو منظومتها الاقتصادية.
استمر''الأونكتاد'' بعد ذلك بإصدار المؤشر بشكل سنوي منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، حيث يقيس كل إصدار معدل أداء الاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت عام الإصدار. يتبع هذا القياس ترتيب اقتصادات الـ 128 دولة ترتيبا تنازليا بناءً على درجة كفاءة استثماراتها الخارجية من الأكفأ (المركز الأول) إلى الأقل كفاءة (المركز 128).
إنه من الأهمية بمكان قبل النظر في كفاءة أداء الاستثمارات السعودية الخارجية النظر إلى منهجية المؤشر في قياس كفاءة الأداء. يتكون المؤشر من نسبتين، النسبة الأولى الاستثمارات الخارجية، والنسبة الثانية إجمالي الناتج المحلي.
يتم حساب النسبة الأولى عن طريق قسمة قيمة الاستثمارات الخارجية إلى القيمة الإجمالية للاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة. كما يتم حساب النسبة الثانية عن طريق قسمة إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد المحلي إلى إجمالي الناتج المحلي لاقتصادات الـ 128 دولة. يتم بعد ذلك حساب المعدل لفترة ثلاثة أعوام متعاقبة.
عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أكبر من واحد, فهذا يعني أن استثمارات الاقتصاد المحلي الخارجية كبيرة مقارنة بحجم الاقتصاد المحلي. والعكس صحيح عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أقل من واحد.
أما عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أقل من صفر (سالب), فإن هذا يعني أن كفاءة استثمارات الاقتصاد المحلي الخارجية متواضعة لدرجة لا يمكن أن تؤثر في اقتصادات الدول الـ 128، ناهيك عن منظومة الاقتصاد العالمي.
نستنتج العديد من الملاحظات المهمة عندما ننظر إلى أداء الاستثمارات السعودية الخارجية خلال الـ 17 عاماً الماضية (1988-2007):
1. بلغت الاستثمارات السعودية الخارجية أفضل حالاتها خلال 1988- 1990م عندما احتل الاقتصاد السعودي المرتبة 26 من بين الـ 128 دولة وسجل المؤشر معدل 0.532.
2. واجهت الاستثمارات السعودية الخارجية أصعب تحدياتها خلال 2001-2003م عندما احتل الاقتصاد السعودي المرتبة 107 من بين الـ 128 دولة وسجل المؤشر معدل 0.005.
3. لم يتعدّ مؤشر الاستثمارات السعودية الخارجية الرقم واحد منذ نشأة المؤشر وحتى اليوم.
4. اتسمت الاستثمارات السعودية الخارجية بالنمو والاستدامة منذ 2002م وحتى اليوم عندما تقدمت من المرتبة 107 خلال 2001- 2003م إلى المرتبة 41 خلال 2005-2007م، وسجل المؤشر معدل 0.494.
5. سجلت الاستثمارات السعودية الخارجية أداء سلبيا خلال 1989- 1992م عندما انخفض المؤشر دون الصفر عند معدل 0.192- واحتل الاقتصاد السعودي المرتبة 105.
الاستثمارات السعودية الخارجية التي أوردها تقرير''الأونكتاد'' هي بكل المعايير القياسية متواضعة مقارنة بحجم منظومة الاقتصاد السعودي. حيث ذكر التقرير استثمارات''أرامكو السعودية'' في الصين والهند، واستثمارات''سابك'' في أوروبا. كما ذكر التقرير على عجالة استثمارات كل من''المملكة القابضة'' في سلسلة فنادق ومنتجعات موفنبك وفيرمون، و''سعودي أوجيه'' في قطاع الاتصالات التركي.
لم يذكر التقرير بطبيعة الحال استثمارات''الراجحي'' في القطاع المصرفي الماليزي، عطفا على استثناء المؤسسات المالية والمصرفية من التقرير. كما لم يذكر التقرير استثمارات''الاتصالات السعودية'' في الكويت، و ماليزيا، وإندونيسيا، عطفا على حداثة هذه الاستثمارات.
نخلص مما تقدم إلى أن تواضع أداء الاستثمارات السعودية الخارجية لا يدل على تدني كفاءتها بقدر ما يدل على تسارع حدة المنافسة بين الاستثمارات الخارجية لاقتصادات الـ 128 دولة.
وفي ظل زيادة حدة المنافسة فإنه يجب تأكيد أهمية الإسراع في إعلان رؤية واضحة واستراتيجية فاعلة للمنافسة العالمية يحدد فيها الدور الذي يجب أن تلعبه الشركات القيادية السعودية في حفظ توازن منظومة الاقتصاد السعودي وتكاملها، ولا سيما أن منظومة الاقتصاد السعودي توشك أن تكمل عامها الثالث تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، وقبل أيام من اكتمال عملية فتح قطاعات التأمين، والمصارف، والاتصالات للمستثمر الأجنبي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي