مؤشرات ومعايير شرعية للمنتج المالي الإسلامي

من التحديات التي تواجهها صناعة المال الإسلامي الاختلافات الفقهية، وعدم وجود فتوى موحدة، أو مؤشرات خاصة من الممكن من خلالها الوقوف على سير عملية طرح المنتج وتنفيذه من الناحية الشرعية والتقاط مؤشرات المخالفات الشرعية مبكراً قبل طرح المنتج للأسواق، وبالتالي يكون العلاج قد استعصى نوعاً ما والمخاطر التي يواجهها المنتج والمتعاملون به أكبر بكثير من استدراك العلاج في أول الأمر عن طريق الوقاية .
يبدو أن الأمر قد حاز على اعتناء خاص من البنك الماليزي المركزي الذي قدم أول معاييره في هذا الاتجاه والمتعلق بمعايير خاصة لمنتج المرابحة الإسلامي الذي يسيطر على أغلب تعاملات البنوك الإسلامية، ويعتبر المنتج المالي الرئيسي الذي تأسس عليه التمويل الإسلامي، وبذلك قدم أسلوباً خاصاً في التعامل مع المرابحة من ناحية الضبط الشرعي وقد بيّن في ورقته أن أساس هذا الطرح هو رد فعل عملي على التجاوزات الشرعية المحتملة التي قد يتعرض لها منتج المرابحة وبأسلوب الوقاية خير من العلاج اجتهد في إبراز هذا المعيار من أجل التفاعل العلمي المرتكز على مؤشرات عملية تحمي المنتج المالي الإسلامي وتقوده في عملية التطبيق إلى مزيد من الاستقرار خاصة مع المنتجات التي لها تأثير واسع في حال الفشل أو النجاح على صناعة المال الإسلامي ككل .
إن معادلة الاستقرار في صناعة المال الإسلامي تتطلب خطوات جريئة تتعاطى مع التحديات الكبرى التي تواجهها الصناعة بأسلوب واقعي وإرشادات عملية، وأهم هذه التحديات هو توافق المنتج المالي الإسلامي من بداية الطرح حتى التداول مع أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية، وقد بيّن البيان الصادر عن البنك المركزي الماليزي أن هذه المبادرة ستتبعها مبادرات عدة لتنظيم المنتج المالي الإسلامي من النواحي الشرعية، وكانت البداية مع منتج المرابحة ليتبعه مفهوم الإجارة والمضاربة والمشاركة والاستصناع والوديعة .
إن تجربة البنك المركزي الماليزي وكذلك الباكستاني في ظل نظام مالي مختلط حَرِية بالنظر بعمق في المعطيات التي أدت بنهضة ملفتة لصناعة المال الإسلامي في تلك البلدان، ومن أهم الأمور التي نجدها علامة فارقة وجود هيئة شرعية تتبع البنك المركزي، وكذلك وجود إصدارات لإجراءات ومعايير تصدر عن البنوك المركزية تضبط العمل المالي الإسلامي بطرق عملية واقعية، فعلى سبيل المثال معايير العمل الصادرة عن البنك المركزي الماليزي فيما يتعلق بعمل الهيئات الشرعية يعطي مؤشراً على تقدم العملية والسعي فيها إلى الاستقرار من خلال إرشادات قابلة للتطوير بحسب متطلبات السوق، ولعل أهم ما يبرزها هو ارتباطها بنقطة مهمة يصعب ضبطها في العمل المالي الإسلامي وهي الهيئات الشرعية واختلاف الفتاوى في الممارسات القائمة على الأرض .
إن تطوير مثل هذه الإرشادات العملية وقابليتها للتعديل والتطوير بحسب متطلبات الواقع العملي في المؤسسات المالية الإسلامية يجعلها مرشحة لقيادة العمل المالي الإسلامي على الأقل من حيث التنظيم والإرشادات العامة .
إن الأدوات المالية الإسلامية بدءاً بالمرابحة وانتهاء بالصكوك تحتاج إلى بيئة شرعية مناسبة تتابع الأداة التمويلية منذ بدء التعامل وتترافق مع آليات العمل بحيث تضمن سير المنتج وفق الضوابط الشرعية والعملية، ذلك يقودنا إلى مأسسة العمل المالي الإسلامي بالعموم وضمان حد أعلى لاستقراره واستمراريته.
إن العمل المالي الإسلامي المتمثل بالمصارف الإسلامية أو شركات التكافل أو غيرها من المؤسسات الخدمية التي تقدم الاستشارات لهذه المؤسسات المالية يحتاج إلى قواعد ثابتة توصله إلى العالمية بأسلوب يتبع إرشادات عمل وضوابط موحدة مما يضمن لهذا العمل أن يبرز بالطريقة الأمثل، وعند مقارنته بنظيره التقليدي نجد حداً كبيراً من التشابه في العمليات القائمة ولكن الفارق الرئيس يبدأ من انحكام العمل المالي الإسلامي للشريعة وتنظيم هذا الفارق ليظهر للعالم بأسلوب أكثر قدرة على الصمود في حال الاختلاف يجعل من الشريعة داعماً للعمل والإنجاز لا معيقاً تعلّق على شماعته إخفاقات أو تباطؤ بالأفكار المبتكرة التي تردف الحلول المالية الإسلامية وتجعلها متواجدة على الساحة المالية وتلبي الاحتياجات على اختلاف أنواعها.
إن الملفت في الإرشادات الصادرة عن البنك المركزي الماليزي والتي قامت بالاعتناء بوضع الإرشادات اللازمة لعلماء الشريعة فيما يتعلق بالمنتج المالي الإسلامي هو وجود تطلع واضح إلى إدراج الأدوات المالية الإسلامية لاحقاً بأسلوب شبيه بالأسلوب الذي صدرت به الإرشادات الحالية للمرابحة، وكذلك فإن بساطة الورقة مع الحرص الواضح على أن تكون صالحة لإفادة شريحة واسعة من علماء الشريعة، والطلبة، والباحثين، والمهتمين العاملين في القطاع ميزها عن نظيرها من المعايير الصادرة عن مؤسسات أخرى، حيث ابتدأت بشرح الأداة المالية شرحاً وافياً من حيث الممارسة القائمة، ومن ثم التركيز على العقود التي من خلالها تتم هذه العملية خلال المعاملات المصرفية والشروط الواجب توافرها للانسجام التام مع الأحكام الشرعية من حيث التسعير وغيرها، بالإضافة إلى طرح أمثلة واقعية والإجابة على الأسئلة المتكررة بهذا الاتجاه ابتداء من المعنى الذي قد يجهله العامة وصولاً للأسئلة المتعلقة بالممارسة الفعلية والتي تعترض العمليات الأكثر تعقيدا من مجرد المرابحة للآمر بالشراء حيث إن المرابحة تتقاطع مع عقود أدوات أخرى مثل الصكوك، والودائع الاستثمارية القائمة على المرابحة وغير ذلك.
إن الممارسة الفعلية هي الحكم الرئيس على نجاح مثل هذه المبادرات التنظيمية الإرشادية ومازال العمل المالي الإسلامي بحاجة إلى مبادرات رائدة من أجل الخروج بصيغ ورؤية موحدة تشكل معالم هذا العمل الرئيسية لتؤسس لانطلاقة عالمية على أسس ثابتة وإجراءات موحدة قابلة للتعديل بحسب الممارسة الأمثل والمنسجمة مع قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي