فرصة قد لا تتكرر...!
كلنا يعرف ما تعرضت له غزة وشعبها من جرائم إسرائيلية, في أبشع حرب عرفها التاريخ قبل نحو سنة, من ذلك العدو الصهيوني الذي لا يعرف مفردات الرحمة, ولا تعرف الرحمة إليه طريقاً..!
هذا العدو قد استثار أصحاب القلوب الرحيمة بفعل جرائمه المتكررة, فتطوعت لجان كثيرة وطنية وعربية ومستقلة برصد جرائمه وتوثيقها, ورفعها للجهات القضائية التي تسمح بالترافع إليها, لعلّها تنجح في معاقبة هؤلاء الإرهابيين اليهود لدى المجتمع الدولي - الذي وقف يوما كمتفرجٍ جيد على جرائمه البشعة - أو على الأقل للحد من جرائم هذا الكيان الصهيوني, وقد كان من حسنات تلك اللجان ذلك التقرير التي صدر قبل أيام عن لجنة تقصي الحقائق برئاسة القاضي «ريتشارد غولدستون» وهو قاض من دولة جنوب إفريقيا, والمفارقة العجيبة ما يتردد في عدد من الأخبار الصحافية أنه يهودي, ومع هذا صدر هذا التقرير من تحت عباءة لجنته, وإن كان قد صرح بمحاولته التخفيف ما أمكن على دولة إسرائيل..! إلا أن الحقائق على الأرض ألجأته إلى إثبات جرائم كانت على مرأى ومسمع من العالم أجمع, والشمس كما قيل لا تغطى بغربال, ووجه المفارقة أن يكون التقرير صادراً من هذه اللجنة التي يرأسها يهودي, ويكون طلب تأجيل التصويت على التقرير من أعلى هرم في السلطة الفلسطينية..! والتي ينبغي أن تكون الجهة المطالبة بتمرير التصويت, لا العكس, حسب ما أكدته مصادر دبلوماسية, وصحافية عربية, وغربية...!
لا ريب أن تقرير غولدستون يشكّل صفعة بل ضربة موجعة لإسرائيل, وإن كان التقرير قد اتهم المقاومة الفلسطينية ببعض التهم, إلا أن الضربة الأكبر كانت ضد الجيش الإسرائيلي؛ لأنه أكد وجود انتهاكات لحقوق الإنسان, واستخدام الإسرائيليين الفلسطينيين كدروع بشرية, وأكد وجود جرائم ترتقي إلى كونها جرائم حرب, مما يؤدي إلى ملاحقة عناصرها الأمنية في العديد من الدول, ولاسيما التي تحترم القانون, وأبرز ما جاء في التقرير, حسبما نشر في موقع الجزيرة: «أنه تطرق إلى حصار قطاع غزة, مؤكدا أنه شمل منع دخول البضائع إلى القطاع, وإغلاق المعابر أمام تنقل الناس والبضائع والخدمات، وفي بعض الأحيان قطع إمدادات الوقود والكهرباء. وأشار إلى أن الحصار أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في غزة, وخلق حالة طارئة نتيجة إضعاف قطاعات الصحة والمياه والخدمات الأخرى أثناء الحرب. كما أشار التقرير إلى عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي الذي يراوح بين 1387 و1417، وذكر التقرير أن إسرائيل شنت عدة هجمات على مبان وأفراد، وخاصة قصف مبنى المجلس التشريعي والسجن الرئيسي في غزة، وأكد أن اللجنة ترفض الموقف الإسرائيلي الذي يرى في هذه المنشآت جزءا من «البنية التحتية لحركة حماس» مؤكدا أنه لا يوجد دليل على أن هذه المنشآت استخدمت في العمليات العسكرية. وأشار التقرير إلى القصف الإسرائيلي لمراكز الشرطة الفلسطينية في القطاع التي أدت إلى استشهاد نحو 240 شرطيا، وقال إنه بغض النظر عن وجود عدد كبير من أنصار الحركة أو الجماعات المسلحة بين أفراد الشرطة, تبقى شرطة غزة وكالة مدنية لتعزيز القانون, وإن قصفهم يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي. وبرأ التقرير ساحة المقاومة الفلسطينية في غزة من مزاعم اتخاذ المدنيين دروعا بشرية، وإن اللجنة لم تجد دليلا على أن الجماعات الفلسطينية المسلحة قادت المدنيين إلى المناطق التي تشن منها الهجمات أو أجبروهم على البقاء في المكان الذي تنطلق منه. من ناحية ثانية، أشار التقرير إلى أنه تحقق من أربع حالات استخدم فيها الجيش الإسرائيلي المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية، منبها إلى أن مثل هذا السلوك يعد انتهاكا للقانون الإنساني الدولي, ويشكل جريمة حرب. كما أشار التقرير إلى القصف الإسرائيلي لمقر «الأونروا»، رغم أنه كان ملجأ لما بين 600 و700 مدني، وقال إن تصرف القوات المسلحة الإسرائيلية هذا, ينتهك متطلبات القانون الدولي العرفي باتخاذ كل الاحتياطات لتجنب مقتل المدنيين. كما انتقد الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الوفاء في مدينة غزة, وتقاطع الفاخورة قرب مدرسة تابعة لـ «الأونروا» في جباليا, وكانت تؤوي 1300 مدني. وانتقد التقرير كذلك استخدام إسرائيل أسلحة بعينها مثل قنابل الفوسفور الأبيض, والقذائف المسمارية، وقال: إنه رغم أن القانون الدولي لا يجرم حتى الآن استخدام الفوسفور الأبيض, وجدت اللجنة أن استخدامها في المناطق المأهولة كان متهورا بشكل منهجي. وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل «دايم» ضد المدنيين، منبها إلى خطورة هذه القنابل، كما أشارت إلى مزاعم باستخدام الجيش قنابل اليورانيوم المنضب وغير المنضب، لكن التقرير قال إن اللجنة لم تواصل تحقيقاتها حول هذه المزاعم. وأشار التقرير إلى هجمات الجيش الإسرائيلي على أسس الحياة المدنية في قطاع غزة، كتدمير البنية الصناعية التحتية, والإنتاج الغذائي, ومنشآت المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي, والسكن. وهو ما يشكل - حسب التقرير - انتهاكا للقانون الدولي العرفي»أهـ.
وكيف سيكون موقف الدول العربية والإسلامية تجاه هذا التصويت إذا كانت الدولة المعنية هي من يطلب التأجيل على هذا التقرير..؟! وإن كان هذا ليس مبرراً على الإطلاق للتراخي تجاه هذا التقرير؛ لأنه يمثّل ورقة قوية في يد الدول العربية والإسلامية, وفرصة رابحة قد لا تتكرر..!
إن ما يحدث اليوم في القدس من محاولات يهودية لاقتحام المسجد الأقصى ليمثل انعطافاً خطيراً في القضية الفلسطينية, وعلى الدول العربية والإسلامية أن تقوم بواجبها تجاه تلك الممارسات الخطيرة, وألا تتراخى في الأخذ بأسباب النصر على الأعداء, وفي طَرْقِ جميع السبل الممكنة لنصرة إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى, والذين يتعرضون اليوم لحملة يهودية منظمة, برعاية من الدولة الإسرائيلية, ولن يرحمنا التاريخ أبداً كعرب ومسلمين إن تراخينا يوماً عن نصرة إخواننا في فلسطين...