الاستراتيجية الصحية.. إصلاح شامل وتطوير متكامل (2)
إذا علمنا أنه لا سبيل للنهوض بالقطاع الصحي إلا بتخطي الصعاب، فإن مشكلة التنفيذ ستظل تحديا كبيرا، أمام مسؤولي القطاع الصحي - وبالذات في وزارة الصحة - لتحقيق ما تضمنته الاستراتيجية من أهداف، ذات بعد تنموي حقيقي، فشكرا لأعضاء مجلس الشورى، على ما قاموا به من جهود أثناء إعدادها ونأمل جميعا أن تترجم لواقع فعلا. في الأساس الرابع من الاستراتيجية، ستكون هناك مواجهة حقيقية فيها كثير من المد والجزر بين التخصيص الفعلي المستقل للميزانية، والتخويل بالصرف من المخصص والموزع فيها أصلا. الآليات التنفيذية في هذا الأساس ومع بعض السياسات في الأسس الأخرى للاستراتيجية، في حاجة إلى بعض الجرأة عند كتابة قرار الصلاحيات. لذلك تأهيل الطاقم التنفيذي قبل رمي الكرة في ملعبهم (كما حدث قبل ذلك وأثبت فشله) هو في اعتقادي من مسؤولية الإدارة العليا في الجهات وبالذات وزارة الصحة وليست الوسطى أو المنفذة. كما لا بد من تفعيل إدارات الرقابة الداخلية مع بذل كثير من الجهود والتحلي بالصبر مع شيء من الصرامة والحزم في الأداء، لأن الغاية تحقيق الأهداف لا الجلوس لمشكلات المنفذين في المناطق وإضاعة الوقت في الاحتفالات والبهرجة الإعلامية. أعتقد أن 20 عاما ستكون كافية جدا لتغيير أسلوب وضع الميزانيات والصرف سواء على المستوى المركزي أو اللامركزي وتحسين أداء التشغيل خصوصا إذا ما كان تحت الأنظار دائما.
في الأساس الخامس إشارات إلى مهام وآليات تنفيذية وقعت ذكرا في أسس أخرى من الاستراتيجية مثل الأساس الرابع تحديدا، وهذه إحدى النقاط التي تتطلب الحرص عند التنفيذ. سيحتاج ذلك إلى تخصيص لجان لها في البداية ثم توكل المهام للإدارات بعد إعادة التأهيل لتتمكن من أداء أدوارها بكفاءة وليسير العمل بسلاسة وبشكل ذاتي. أما من ناحية النقطة الثانية من دور الوزارة بضمان توفير الرعاية الصحية الشاملة فقد تم قولبتها في هيئة مشروع كبير وسيكون المجلس الاستشاري العالمي المشكل حديثا، وقد طعم بخبراء من الولايات المتحدة وكندا، صاحب رأي نافذ في سير تقديم الخدمة بأفضل المعايير ـ بإذن الله. لا بد من التنويه بأنه مع أنه تم التشكيك (قبل عام) في إحدى الندوات الصحافية في النظام الذي اتبعته المستشفيات في كندا ونتج عنه أن «انهارت ماليا وعلميا», إلا أن هذا المجلس الآن يضم خبرات تنفيذية معروفة من كندا، رادا على المشككين بوجوب تناول الأمور بعمق أكبر وعدم الحكم على الظواهر المؤقتة.
في الأساس السادس يمكن للمتخصصين في إدارة النظم الصحية، أن يضعوا السياسات وآليات التنفيذ كعناوين عريضة لمؤلفات ضخمة، عن كيفية الوصول لتحقيق ما هدف إليه المُعد لهذا الأساس. ولكن الإدارة الصحية الحالية تعي احتمال التنفيذ بعدة طرق فاعلة ومثمرة، من شأنها أن تجعل القطاع الخاص يتحرك في مساحة واسعة دون تضييق، ويكون رديفا بل موازيا في أهميته للقطاع الحكومي في تقديم الخدمات الطبية. من المعروف أن القطاع الخاص يتميز بسرعة انتقاله من مرحلة إلى أخرى ليضمن بقاءه في دائرة المنافسة ومحققا لنفسه عوائد كبيرة وميزة في السوق، ولكن ما يجعل الكثير يمتعض من هكذا أسلوب تساؤلهم عن توازي مستوى الخدمة مقابل تسعيرتها والتمسك بتقديم الخدمة في إطار أخلاقيات المهنة العالية. حيث قد يزور الفرد مبنى فندقيا رائعا في بنائه واكتمال تجهيزه ولكن قد تتعثر خدماته في معالجة أبسط الحالات وكيفية التعامل معها صحيا أو ماليا، وهي من الممكن تفادي الوقوع فيها أساسا. عموما إذا ما تمكن مجلس الخدمات الصحية والوزارة من تفعيل المجالس الاستشارية الأخيرة، والاستفادة منها في مراحل الإعداد والتخطيط وأيضا «التنفيذ»، وأصبح ذلك قانونا أو نظاما لا يتغير بتغير الإدارة، فإن العقدين المقبلين سيشهدان قفزات صحية نوعية كبيرة.
في الأساس الاستراتيجي السابع يتمحور النظام الصحي بأكمله ويعتمد على نجاح هذا الأساس بسياساته وآليات تنفيذه. إن الرعاية الصحية الأولية كانت وما زالت مثار كثير من الجدل القائم حول الخدمات الصحية التي تقدمها القطاعات الصحية العامة والخاصة محليا ودوليا. ولكن لا نتمنى أن تظل في المملكة كذلك لأن ما ظل لفترة على الورق وبين اللجان وفي صالات الاجتماعات وبين الأروقة سيكون بالآمال التي تعضدها السياسات المضمنة في هذا الأساس واقعا ـ بإذن الله. أهم ما يمكن أن يقال هنا: ألا يخرج الزمام فيه عن مسؤولية وزارة الصحة، فهي المسؤول الأول عن تنفيذ آليات هذا الأساس، وسيكون الكادر المؤهل والجمعيات العلمية السعودية روافد لا غنى عنها أبدا. فلديها التحليل الواقعي للوضع عبر 20 عاما أو تزيد، إضافة إلى آلية الانطلاقة الصحيحة والحاجة للوقت الآن لترجمة ذلك ميدانيا.
في الفقرة الخامسة من السياسة الثانية للأساس الاستراتيجي الثامن أشير إلى ذكر «أموال وأملاك الجمعية»، وبالتالي حبذا لو سرع نقل ملكيات الجمعية ليكون بمسمى «الهيئة» حتى لا يكون في استراتيجية مثل هذه حديثة بنود قديمة الإعداد. أما من ناحية آليات التنفيذ، فالفرد لا يملك إلا أن يأمل في تقديم الخدمات الإسعافية بسرعة عالية ونوعية مجودة بأسرع ما يمكن ليتم تلاشي ما يسمى بـ «البعد الجغرافي». بقي أن تتعاون باقي الجهات لإنجاح خطوات الهيئة، وقد يكون توزيع المهام في هذه المرحلة من اهتمامات مجلس الخدمات الصحية وذلك لشموله في العضوية باقي الجهات المقدمة للخدمات الصحية وباستطاعته تسهيل وتذليل كثير من العقبات بالتنسيق المباشر والتنظيم المنتهي بلوائح تحدد مهام ومسؤوليات الجهات المعنية الأخرى غير الصحية في هذا الشأن الحيوي المهم. ولا يزال للاستراتيجية محاور ستتم قراءتها في الجزء المقبل.