رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الأصول السامة .. مَن سوف يشتريها!

بعد انقشاع الغبار الذي أحدثته تبعات الأزمة المالية منذ بداية حدوثها في 2007م كبدايات ومؤشرات الأزمة، والانهيارات الحادة في 2008م وبدايات إعلان إفلاس البنوك تحديدا وعلى رأسهم "ليمان برذرز" وغيره، طال الحديث في أنحاء العالم عن "الأصول السامة" وأحيانا يطلق عليها "الأصول الرديئة" وفي مناسبات أخرى "الأصول المتعثرة". والصحيح "أسلحة الدمار الشامل"، كما أطلق عليها أعتقد المستثمر العالمي وران بافت. وقد طُرحت حلول كثيرة على طاولة البحث بهدف الوصول إلى حلول حول ما الذي يجب عمله في تلك الأصول! وقد تداخل العنصر المالي لأصحاب الأعمال وأرباب المصارف العالمية مع الجانب السياسي بشكل واضح في هذه النقطة تحديداً! وعندما يتم الصمت عن موضوع يوغل فيه الإعلام كثيراً، علينا أن ندرك أن هناك عملا حقيقيا في هذا الصدد لم ينجز بعد، وبالتالي قلة مَن يعرف ما الذي يحدث أو سوف يحدث، وما المصير الذي سوف تنتهي به تلك الأصول؟
قبل الحديث عن مصيرها دعونا نتحدث عن: ما هي تلك الأصول أولا بشكل عام بهدف إعطاء فكرة عامة. ومن ثم نتحدث عن حجم تلك الأصول. وبعد ذلك نختم بالتوقعات لما سوف يحدث والتحذيرات من تلك "الأصول السامة" أو "الرديئة" أو "المتعثرة".
تلك الأصول السامة هي ببساطة تشمل كل المنتجات المهيكلة التي تم تطويرها في القطاعات المالية المتداخلة الثلاث: المصرفي، الاستثماري، والتأميني. حيث ودون وجود تنظيمات ومعرفة كافية من الجهات الإشرافية والرقابية في الدول المتقدمة وعلى رأسها مقر إنتاج تلك الأصول الولايات المتحدة الأمريكية، تم تطوير منتجات على أساس استثماري بحت بين تلك القطاعات الثلاثة ترادفها شركات التصنيف والصناديق الخاصة والتحوط.
وكل تلك الاستثمارات مبنية على أساس المنتجات الرئيسة للقطاع المصرفي تحديداً، وهي التمويل وبالذات التمويل العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك منتجات التمويل الأخرى وإن كانت بأقل درجة مثل بطاقات الائتمان. كل ذلك مبني على فلسفة رياضية بسيطة لكنها كانت هي أساس كل تلك المنتجات المعقدة التي لا يستطيع أحد اليوم أن يدعي أنه يفهمها بشكل كامل. هذه الفلسفة تكمن في أنه وحتى لا تعمل تلك المنتجات المهيكلة بشكل سليم لا بد أن ينهار ما نسبته (كذا) من العدد الإجمالي من المقترضين الرئيسين الذين على أساس قروضهم تطور تلك المنتجات، حتى يمكن أن تتعثر تلك الاستثمارات أو تتراجع قيمها، وبالتالي لا توجد مخاطر كبيرة في أن ينهار مجتمع كامل مثل المجتمع الأمريكي! وكانت هي الأساس الذي لا يزال يجعل تقييم الولايات المتحدة الأمريكي أفضل من الصين مثلا. أي لم يتوقع أحد من خبراء شركات التصنيف العالمية أن يكون هناك تعثر كامل للاقتصاد الأمريكي مثل ما حدث منذ 2007 وحتى اليوم! لذا أعطوا تلك المنتجات تصنيفا عاليا AAA. لأنه منتج أمريكي وليس صنع في الصين!!
أما حجم تلك الأصول السامة والرديئة والمتعثرة، فلا توجد أرقام رسمية واحدة حول حجمها، والسبب أنه لا يوجد اليوم سوق لها، وبالتالي لا يمكن تقييم حجمها بسعر اليوم، والحقيقة لو تم اتباع نفس فلسفة التقييم يفترض أن قيم تلك الأصول الرديئة اليوم هي "صفر"! فهناك مَن يقول، وحسب أسعار السوق القديمة، إنها تتجاوز 12 ألف مليون دولار أمريكي (أي 12 تريليون دولار أمريكي)، وقد يكون وأنا مقتنع بهذه النظرية، بل إن رسالتي للماجستير في عام 2000م كانت في هذا الموضوع عن التغيرات المحاسبية التي أجريت وبالذات حول طريقة حساب الاستثمارات من خلال المعيار المحاسبي IAS39، والذي أَقرّ ولأول مرة بتاريخ المحاسبة منذ نشأتها بالانحراف عن مبدأ بسيط لكنه مهم في علم المحاسبة وهو مبدأ التكلفة. حيث باتت تلك الأصول تسعر بسعر السوق ويتم تقييمها على أساس طبيعة تلك الاستثمارات في دفاتر المالك لها. أقول مقتنع أنها أحد أبواب الجحيم التي فتحت لإعطاء أرباب الاستثمارات ومكاتب الاستثمارات المالية الفرصة للعب بشكل أوصل العالم اليوم إلى هذا المأزق!
ونعود إلى لب موضوع اليوم وهو التحذير من أن هناك رغبة لدى الحكومات الغربية التي اضطرت إلى امتلاك تلك الأصول أو البنوك التي تملك تلك الأصول مثل "سيتي قروب"، والذي تملك الحكومة الأمريكية اليوم نحو 36 في المائة منه أو يو بي إس السويسري والذي تملك الحكومة السويسرية جميع أصوله إلى بيع تلك الأصول السامة من خلال تنشيط عربة تسويق هائلة بدفع من أرباب تلك المصارف ونفوذ السياسيين الغربيين لتسويقها على مستثمرين خارج المنطقة الأمريكية والأوروبية. وتكفي إشارة سريعة لم يتم التحدث عنها كثيرا في السابق عندما تم إقناع صندوق سيادي خليجي بضخ أكثر من سبعة مليارات دولار أمريكي، ومستثمر سعودي في الدخول في 2007م و2008م لشراء أسهم "سيتي قروب" بأكثر من 25 دولارا للسهم الواحد، في حين أن السهم كان يتجه إلى الصفر (وصل السهم في أدنى مستوياته إلى ما دون الدولارين). وهو ما حدث لولا تدخل الحكومة الأمريكية وتأميم جزء كبير من البنك.
اليوم وغدا سيتم تلميع وإعادة تغليف تلك الأصول في باقات جميلة ومن ثم محاولة تسويقها محلياً من خلال (مع الأسف) قنوات خليجية على أثرياء وشركات، وقد يكون أيضا لبنوك خليجية على شكل استثمارات جديدة! والهدف هو تعويض الحكومات الغربية وبالذات الأمريكية والتي دفعت تريليونات الدولارات الأمريكية، وكذلك في سبيل تنظيف القوائم المالية للبنوك المتعثرة. وإن كان أول الأفعال قد تم من خلال التلاعب بالأساليب المحاسبية اليوم في إظهار بعض البنوك رابحة بالعودة إلى مبدأ التكلفة وبعض "التزويقات" في طريقة العرض المحاسبي، وهي ليست كذلك ولا تعكس تلك الأرباح الأوضاع المالية الحقيقية لتلك المصارف! فالحذر كل الحذر من الوقوع في مصيدة (أسلحة الدمار الشامل).. عفواً الأصول السامة. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي