أسعار النفط لن تخترق حاجز 100 دولار في المستقبل القريب

أسعار النفط لن تخترق حاجز 100 دولار في المستقبل القريب

استبعد الدكتور أنس الحجي كبير الاقتصاديين في شركة إن جي بي الأمريكية والكاتب المتخصص في شؤون الطاقة في صحيفة «الاقتصادية»، أن يتجاوز سعر برميل النفط 100 دولار (في المستقبل القريب)، في وقت أكد أن العلاقة عكسية بين أسعار النفط وقيمة الدولار «خاصة على المدى الطويل».
وأكد الحجي في محاضرة ألقاها الأربعاء الماضي في نادي «الاقتصادية» الصحفي في الرياض، أن عدة عوامل سترفع أسعار النفط في المستقبل (دون سقف الـ 100 دولار)، منها»: استمرار الطلب على النفط في الزيادة، خاصة في الصين والهند وبقية دول آسيا والشرق الأوسط، بينما لن يتمكن الإنتاج من مقابلة الطلب المتزايد بسبب انخفاض الاستثمار، وزيادة حدة الوطنية، وارتفاع التكاليف، وارتفاع معدلات النضوب. ويتوقع المحاضر أن تظل أسعار النفط مرتفعة نسبيا خلال العامين المقبلين، «وأنها سترتفع بعد ذلك».
لكنه استدرك، إلى أن هناك عدة عوامل «ستمنع ارتفاع أسعار النفط من تجاوز 100 دولار»، ومنها: تجاوز أغلب دول «أوبك»حصصها الإنتاجية، مشيرا إلى أن التعاون بين دول أوبك «سيخف» عندما ترتفع الأسعار، إضافة إلى أن الانتعاش الاقتصادي «سيكون بطيئا لأسباب عدة»، كما أن حجم الاقتصاد العالمي حتى بعد الانتعاش سيكون أقل من حجمه قبل حدوث الأزمة، و»إصرار» السعودية على بقاء الأسعار حول متوسط قدره 75 دولاراً للبرميل، وقناعة الخبراء والمحللين بأن حكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ستستخدم الاحتياطي الاستراتيجي في حالة ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير.
ويؤكد الحجي أن النفط والغاز سيظلان وقودان أساسيان في أنحاء العالم كافة رغم كل العداء المفتعل ضد النفط على مدى العقدين المقبلين، وأن «أغلب مايسمى بالبدائل سيظل محكوما بحجم المساعدات الحكومية».
وزاد أنه رغم التوقع بنمو حصة الوقود الحيوي والطاقة المتجددة، إلا أن حصتهما ستظل بسيطة مقارنة بحصة النفط والغاز والفحم، وأن «هناك توجهاً عالمياًً لاستخدام الوقود الحيوي.. لكن هناك مشاكل حتى لو تضاعف إنتاجه 5 مرات... لأنه بدأ أصلا بنسبة ضئيلة جدا، وهو يتوقع أن تزداد حدة ذبذبة أسعار النفط في السنوات المقبلة لأسباب عديدة منها: اقتصادية وسياسية».
ويرى أن زيادة إنتاج النفط في المستقبل القريب صعبة للغاية لعدة أسباب، في طليعتها: انخفاض الإنفاق على الاستكشافات «حيث انخفض الإنفاق العالمي بأكثر من 15 في المائة، بينما انخفض الإنفاق على الاستكشاف والتنقيب في الولايات المتحدة وكندا بنحو 38 في المائة»، إضافة إلى «زيادة حدة الوطنية»، مشيرا إلى أن 77 في المائة من الإنتاج العالمي حاليا يتم عن طريق شركات وطنية، بينما كانت 7 في المائة فقط في 1972»، وهو يشير إلى أن من آثار سيطرة شركات النفط الوطنية على أغلب الاحتياطيات والإنتاج أن مقابلة الطلب العالمي على النفط تجبر شركات النفط العالمية على الاستثمار في المناطق مرتفعة التكاليف، التي تتميز حقولها النفطية بمعدلات نضوب مرتفعة.
وإضافة إلى ذلك، فإن الحجي يرى أن تكاليف إنتاج النفط التي «ما زالت مرتفعة» تجعل من زيادة إنتاج النفط على المدى القريب أمرا أكثر صعوبة، ناهيك عن أن «معدلات النضوب عالية... والعالم يحتاج إلى استثمارات ضخمة لمجابهة معدلات النضوب وإبقاء الإنتاج على حاله».
في هذا السياق يؤكد أن الطلب على النفط سيستمر في الزيادة، الأمر الذي يعني ارتفاع الأسعار في المستقبل بسبب عدم مواءمة العرض للطلب.
«هل هناك علاقة بين الدولار وأسعار النفط، وما أهمية تسعير النفط بالدولار؟»ـ أحدهم يسأل ـ قبل أن يجيبه كبير الاقتصاديين في «إن جي بي» بأن هناك علاقة عكسية بين قيمة الدولار وأسعار النفط، خاصة على المدى الطويل، وزاد أنه «لن يكون هناك بديل للدولار.. التجارة العالمية في النفط تتطلب سيولة ضخمة.. لا يمكن لعملة أن توفرها إلا الدولار»، ويفترض جدلا أنه «حتى لو غيرنا إلى اليورو... مشاكله نفس مشاكل الدولار»، معللا ذلك بأن مشاكل التسعير بالعملة الواحدة هي نفسها بغض النظر عن العملة». بل إنه «لو لجأنا إلى سلة عملات سيكون للدولار الحصة الأكبر، وستسبب فرقة في «أوبك»، لأن كل دولة ستحاول أن تؤثر في مكونات السلة بناء على ميزانها التجاري».
وقلل الحجي كثيرا من تأثير المضاربات في أسعار النفط، وقال إن تأثيرها «ضعيف»، مشيرا إلى أن هناك أدلة كثيرة على ذلك، وأن «بعض الأدلة التي يوردها بعض وسائل الإعلام وبعض الكتاب غير صحيحة». وزاد :» أسعار النفط تحكمها قوى السوق (العرض والطلب)».
وعلل الحجي ارتفاع أسعار النفط الحاد قبل صيف 2008، بأن المعروض لم ينم في السنوات السابقة بينما استمر الطلب العالمي على النفط في النمو، وكون الإنتاج العالمي لم يتغير كثيرا في السنوات الأخيرة، وأنه مع زيادة الطلب وثبات الإنتاج لم تكن هناك طريقة لمقابلة الطلب المتزايد على النفط إلا استخدام الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى دول «أوبك»، الأمر الذي خفّض الطاقة الإنتاجية الفائضة إلى مستويات قياسية، وأسهم في رفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وأكد أن زيادة الطلب مع ثبات المعروض وانخفاض الطاقة الإنتاجية الفائضة أسهما أيضا في انخفاض مستويات المخزون التجاري في الدول المستهلكة، الذي أسهم بدوره في رفع أسعار النفط، مشيرا إلى أن أغلب النمو في الطلب العالمي على الطاقة كان في الصين والهند والشرق الأوسط. في أغلب الزيادة في الطلب على النفط خلال الفترة من 1995 حتى منتصف 2008 جاء من الدول النامية.
ويرى أن من العوامل التي أسهمت في زيادة الطلب وعدم تمكن المعروض من مقابلة الطلب: السياسات النقدية والمالية السهلة في الدول المستهلكة للنفط وارتباطها الكبير بمعدلات واستهلاك الأفراد والشركات والتي تضمنت زيادة الإنفاق الحكومي في الدول المستهلكة، خاصة على الأمن والدفاع بعد حادثة أيلول (سبتمبر) 2001، تخفيض معدلات الضرائب، تخفيض معدلات الفائدة، سهولة الائتمان، وانخفاض الدولار.
ويرى أن للأعاصير المدمرة في خليج المكسيك، خاصة في عام 2005، دورا في زيادة الطلب على النفط، إضافة إلى الأحداث السياسية في الدول المنتجة: إيران، العراق، نيجيريا، روسيا، وفنزويلا.
وقال الحجي «كان هناك في السابق ارتباط قوي بين الإنفاق الحكومي وأسعار الفائدة واستهلاك الأفراد والشركات، الأمر الذي أسهم في رفع معدلات النمو في الدول المستهلكة للنفط»، مستدركا إلى أن أزمة الائتمان، ثم الكساد الذي تبعها، فصل هذه العلاقة، وهو يؤكد أنه تبعا لهذا الأمر فإن عمليات الإنقاذ وزيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض أسعار الفائدة أثناء الأزمة لم تسهم في وقف تدهور اقتصادات الدول الصناعية «لأنها لم تستطع زيادة استهلاك الأفراد والشركات بسبب انفصال العلاقة بينها».
وخلص الحجي إلى أن الذين يؤكدون دور الطاقة المتجددة في المستقبل يتجاهلون أن «التقدم التكنولوجي لن يكون في المصادر التي يختارونها هم فقط، وإنما في كل المجالات»، متسائلا باستنكار :»هل يعقل أن يحصل التقدم التكنولوجي في الطاقة المتجددة فقط، بينما تقف صناعة النفط مكتوفة الأيدي؟». ويؤكد أنه «إذا قارنا التطورات التكنولوجية التي حصلت في السنوات العشر الأخيرة في مصادر الطاقة كافة لوجدنا أن أغلب القفزات التكنولوجية حصلت في صناعة النفط والغاز، بينما كان التقدم التكنولوجي المتعلق بالمصادر الأخرى بسيطا مقارنة بما حصل في صناعة النفط والغاز».

الأكثر قراءة