تقرير: أزمة السيولة مصدر القلق الرئيس في أسواق المال الخليجية
منذ منتصف أيلول (سبتمبر) من العام السابق والقطاع المالي العالمي يشهد تدهورا ما أدى إلى تدخل الحكومات في الاقتصادات المتقدمة من خلال ضخ تريليونات من الدولارات وذلك للحفاظ على النظام المالي.
ومع ذلك، جاءت الخسائر هائلة، حيث انتشرت على مستوى العالم متضمنة منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وخلال الأرباع السنوية الأخيرة، مر مجلس التعاون بأحد أصعب فتراته الاقتصادية على الإطلاق. وحسب تقرير أعدته شركة بيت الاستثمار العالمي «جلوبل»، انخفضت أسعار الطاقة إلى أدنى مستوياتها خلال الأعوام الماضية، وتسابقت الأسواق المالية في اتجاهها السلبي، كما تأخر عديد من المشاريع وتضاءلت أحجام الصناديق السيادية.
وانعكست الأزمة المالية بشكل كبير على أسواق الأسهم حيث تلونت باللون الأحمر معظم الوقت، وكانت أزمة السيولة هي مصدر القلق الرئيسي، حيث غابت ثقة المستثمرين خلال الأزمة المالية الحالية، كذلك تضاءلت وفرة الائتمان في ظل التخوفات السائدة في الأسواق حاليا، ولم تنجا الشركات ذات السمعة الجيدة من هذه الأزمة، واختارت البنوك ومؤسسات الإقراض الاحتفاظ بالسيولة وتخفيض الإقراض بمعدل كبير لكي تتمكن من التغلب على الأزمة المالية.
وجاء الربع الأول الأسوأ ضمن جميع الأشهر، فقد كان سوق الأسهم الأكثر تأثرا مستوى المنطقة، حيث شهدت جميع مؤشرات مجلس التعاون الخليجى الرئيسية انخفاضا كبيرا لتواصل أدائها السلبي الذي بدأ في الربع الرابع من عام 2008. فقد شهد السوق القطري أعلى تراجع بلغت نسبته 25 في المائة، تلاه السوق العماني بنسبة 14.9 في المائة، متمثلا في مؤشر سوق مسقط 30، خلال الربع الأول.
وسجلت السوق السعودية أقل نسبة انخفاض بنسبة بلغت 2.1 في المائة فقط متمثلا في مؤشر سوق تداول للأوراق المالية. وعلى أية حال، فقد كان سوق أبو ظبي السوق الرابح الوحيد، حيث أنهى الربع الأول بمكاسب بلغت نسبتها 4.1 في المائة.
وخلال الربع الثاني، تكرر السيناريو نفسه الذي شهده الربع الأول، ولكن بأكثر إيجابية. فقد ارتفعت أسواق الأسهم لاستعادة جزء من خسائرها. وقد بدأ الارتفاع فعليا منذ أواخر آذار (مارس) وخلال نيسان (أبريل) وجاء الأداء قويا خلال الأشهر التالية في الربع الثاني من العام «أيار (مايو) وحزيران (يونيو)».
وكانت السوق القطرية هي الأفضل أداء بنسبة زيادة بلغت 27.5 في المائة، تلاها السوق الكويتية بنسبة 22.6 في المائة. هذا وسجل سوق البحرين أقل نمو، حيث ارتفع بنسبة 1.0 في المائة فقط، وكان هذا الأداء القوى ناتجا عن الأداء القوي للأسواق العالمية، وعلى الرغم من ذلك، جاءت إشارات المؤشرات الاقتصادية الأخرى متضاربة حول احتمال حدوث انتعاش في العالم.
وانتقل الأداء الإيجابي إلى الربع الثالث، ولكن بمعدلات أقل. فقد عم اللون الأخضر على أسواق الأسهم في المنطقة، فيما عدا السوق البحريني، وكان سوق دبي صاحب أقوى أداء بنسبة زيادة بلغت 22.8 في المائة، تلاه السوق القطري بنسبة زيادة بلغت 19.6 في المائة، سجل السوق البحريني خسائر بنسبة 2.2 في المائة.
وبصفة عامة كان الربع الأول هو الفترة الأسوأ أداء في عام 2009، وعكس كل من الربع الثاني والثالث هذه الخسائر «وأكثر من ذلك في معظم الأسواق»، وهو ما جعل الأشهر التسعة الأولى تنتهي بمكاسب ما عدا سوق البحرين. ويعزى التحسن خلال الربعين الأخيرين من العام 2009 إلى التحسن في الأسواق العالمية مقترنا بالزيادة في أسعار النفط. وعلى سبيل المثال، بلغ متوسط السعر الشهرى لسلة الأوبك 41.54 دولار للبرميل في كانون الثاني (يناير) وارتفع السعر بالغا 71.35 دولار أمريكي للبرميل في تموز (يوليو) .
خلال أشهر التسعة الأولى من عام 2009، كان سوق دبي أفضل الأسواق أداء بارتفاع بلغت نسبته 33.9 في المائة. وقد يعزى ذلك إلى قطاع العقار الذي حقق أداء أفضل من المتوقع. رغم ذلك، عنت الإمارات من ركود في سوق العقارات، لكنه لم يكن أسوأ مما كان متوقّعا. ومن ناحية أخرى، شهد سوق أبو ظبي ارتفاعا بلغ 30.7 في المائة خلال الفترة ذاتها. وعلى عكس سوق دبي، كان سوق أبو ظبي للأوراق المالية أقلّ تقلبا كما كان المؤشر العام لسوق أبو ظبي للأوراق المالية، الوحيد الذي لم ينخفض أبدا في أيّ من الثلاثة أرباع الأولى من العام الحالي 2009. إضافة إلى ذلك، لم يكن المستثمرون قلقين بشأن الملاءة المالية لحكومة أبو ظبي، ففي الواقع، سرت شائعات مفادها أنّ حكومة أبو ظبي تستطيع إنقاذ دبي من دائنيها. وحلت السوق السعودية ثانيا كأفضل أسواق المنطقة أداء بارتفاعها بنسبة 31.6 في المائة في التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، كما أنّه يعد أفضل الأسواق أداء منذ أن بدأت الأزمة. ففي خلال الربع الرابع من عام 2008 وحتى الربع الثالث من عام 2009، لم تخسر السوق السعودية سوى 15.2 في المائة من قيمته, وهو أدنى معدل انخفاض على مستوى أسواق دول مجلس التعاون الخليجي. ويعزى ذلك إلى تنوع اقتصاد المملكة الذي يشمل أيضا قطاع الصناعات التحويلية، مع ذلك ما زال الاقتصاد السعودي يعتمد اعتمادا كبيرا على النفط، ولكن بدرجة أقل مما هو عليه في معظم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
ويتساءل المرء هنا عن تأثير مجموعتي «سعد» و»القصيبي»، إلا أنّ السوق السعودية كبيرة بما فيه الكفاية لامتصاص هذه الصدمات، وتشير أنباء مبكرة عن احتمال انعقاد اتفاق تسوية بين مجموعة سعد والبنوك السعودية، غير أنّ اتفاقا بمثل هذا الحجم سيحتاج إلى وقت لكي يتحقق.