رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


زيارة خادم الحرمين إلى سورية تعيد الاعتبار لمثلث العلاقات العربية

تتوج زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى سورية اليوم الثلاثاء سلسلة الخطوات الإيجابية التي بدأت منذ فترة من الزمن في مسار تحسن العلاقات السعودية-السورية، ونقلها من مرحلة التأزم والاحتقان إلى مرحلة التفاهم والانفتاح. ولا شك في أن هذه الزيارة ونتائجها ستؤثر كثيراً في عديد من المسائل والملفات الإقليمية، وخصوصاً على الساحتين، اللبنانية والفلسطينية، حيث أثبتت القدرة على تجاوز الصعاب في أكثر من موقف، كما أن الاتصالات واللقاءات لم تتوقف ولم تصل العلاقات إلى نقطة اللا عودة، فقد حافظ الجانبان على مساحة من الود والتقدير اللازمين لمكانة ودور كل منهما على المستوى العربي والإقليمي والدولي.
وتأتي الزيارة في ظروف تشير إلى بداية حلحلة بعض الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد «لقاء جنيف»، الذي عقد بين مجموعة الدول خمسة زائد واحد وإيران، وكذلك بعد الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى جدة في 23 أيلول (سبتمبر) الماضي و»لقائه الدافئ»، حسب وصف وكالة الأنباء السعودية، بالملك عبد الله بن عبد العزيز، واجتماعه بالسيد فؤاد السنيورة رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، إضافة ظهور بوادر على نجاح القاهرة في الحصول على موافقة حركة «حماس» على اتفاق المصالحة بين حركتي «حماس» و«فتح».
وتعكس الزيارة رغبة صادقة لتجاوز ما يعكر صفو علاقات البلدين الشقيقين، اللذين يمتلكان حضوراً سياسياً مؤثراً في المشهد العربي والإقليمي، وليس من مبالغة القول بأن تقوية العلاقات بين الرياض ودمشق تصب في اتجاه دعم المواقف العربية، ودعماً لأي جهود للتسويات ومعالجة الأزمات في المنطقة. فقد أطلقت الزيارة موجات تفاؤل لدى العديد من المراقبين في عدد من العواصم المعنية في المنطقة وخارجها، كونها أعلنت عن انفراج قريب على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وبما يفضي إلى تحسن في علاقات الأطراف الفاعلة في الساحتين اللبنانية والفلسطينية وتطبيع العلاقات الثنائية بين الأنظمة العربية التي تصنّف في معسكري «الاعتدال» و»الممانعة» المتنافرين.
وبالفعل، فقد ظهرت على الساحة اللبنانية معطيات تفيد بأن حالة العسر في تشكيل الحكومة اللبنانية، المكلف بها النائب سعد الحريري، قد تغيرت وصارت أيسر بعد التفاهم السوري- السعودي، وهناك توقعات بولادة الحكومة خلال أيام قلائل. ويتزامن التفاؤل في الحالة اللبنانية مع قرب إنضاج الرئيس المكلف سعد الحريري التشكيلة الحكومية، حيث بدأ بوضع بعض اللمسات الأخيرة عليها، وقد يتمّ الإعلان عنها بالتزامن مع الزيارة أو بعدها بأيام قليلة. وبالتالي فإن مناخ التوتر والاحتقان في لبنان عليه أن يتراجع لصالح الانفراج وتسهيل ولادة حكومة وحدة وطنية، وبما يعني إفساح المجال للتوافق والخروج من دائرة المماحكات والمهاترات.
وكانت العلاقات السورية – السعودية قد عرفت مسارات عديدة، تأرجحت ما بين التفاهم والتأزم، ولعبت في مراحل التفاهم دور قاطرة النظام العربي، القادرة على إخراجه من أشد أزماته، خصوصاً في مرحلة ما كان يُعرف بالمثلث السعودي - المصري- السوري، الذي تمكن من التصدي لعديد من التحديات التي واجهت القضايا العربية، بدءاً من إفشال حلف بغداد عام 1955، وصولاً إلى إنجازات حرب السادس من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973، فضلاً عن التصدي لتبعات ونتائج أزمة حرب الخليج الثانية وسواها. غير أن أضلاع هذا المثلث عرفت – أيضاً – حالات من التعثر في أكثر من مرة بين ضلعين من أضلاعه وأحياناً بين أضلاعه جميعاً.
ولعبت الأحداث التي جرت في الساحتين اللبنانية والفلسطينية، خصوصاً منذ عام 2005، دوراً أساسياً في تأزم العلاقات السورية – السعودية، ووصلت الأمور إلى درجة سحب السفراء من عاصمتي البلدين الشقيقين، وصارت المملكة ومعها مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي تشكل مجموعة من الدول، أطلقت عليها الإدارة الأمريكية السابقة وصف دول «الاعتدال»، فيما أطلقت على سورية وإيران وغيرهما وصف دول «الممانعة»، وظل الخلاف بين التوجهات السياسية السورية والسعودية قائماً وجاهزاً للظهور إلى العلن في أية لحظة مع أي متغير جديد في المنطقة. إلا أن الملك عبد الله بن عبد العزيز كسر حالة التأزم والخلاف عندما أطلق مبادرة المصالحة العربية خلال القمة الاقتصادية التي عقدت في الكويت في 19 كانون الثاني (يناير) 2009، ثم جاءت قمة الرياض الرباعية، التي جمعت كل من الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك والرئيس بشار الأسد وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، كي تعلن عن انتهاء القطيعة السياسية التي كانت قائمة في النظام العربي، وكي تفتح المجال أمام مزيد من التوافقات السياسية العربية، وإعادة بناء الثقة بين الأنظمة، والتفاهم بالحوار المستمر في إدارة الخلافات العربية.
وجاء تعيين المملكة السفير عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله العيفان في دمشق كي يشهد على المضي في أجواء الانفراج والتقارب السعودي - السوري. وهو في الواقع انفراج غير بعيد عن الانفراج الأوسع في الأجواء الإقليمية والدولية، الذي دشنه التغير في السياسة الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط، بعد فوز بارك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وقدوم إدارة أمريكية ديموقراطية جديدة، قطعت من النهج السابق للسياسة الأمريكية في المنطقة. ولا يغيب عن أجواء الانفراج ظهور بوادر حلحلة في الملف النووي الإيراني، إثر ما تمخض عنه لقاء جنيف بين إيران والدول الست المعنية بملفها، حيث أعلن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا أن إيران ستتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول تفتيش منشأتها الجديدة لتخصيب اليورانيوم، وأن الطرفين اتفقا على «تكثيف الحوار»، وأكد أن اليورانيوم الإيراني سيُخصّب في دول أخرى.
غير أن الأمر المهم في لقاء جنيف هو الاجتماع المباشر الذي جرى بين رئيسي الوفدين الإيراني والأمريكي، بوصفه الأول من نوعه منذ ثلاثة عقود، وعكس بداية انفراج في علاقات الولايات المتحدة مع إيران. ويمكن لهذا التقارب «الخجول» بين الطرفين أن يتطور إلى تفاهمات ثنائية إقليمية، مع أنه يمثل خطوة أولى، صعبة بلا شك، وبعدها قد تأخذ الأمور مجراها وتبدأ بالانسياق التدرجي خطوة بعد أخرى.
وتدخل أجواء التقارب السوري - السعودي الإيجابية في سياق المساعي نحو تحقيق المصالحة العربية، وتجسد إمكانية تجاوز المآزق التي تعيشها العلاقات العربية وتراكمت منذ عدة سنوات. ولا تغيب في هذا السياق العلاقة مع مصر عبر الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، الهادفة إلى ترميم النظام الرسمي العربي، وتقوية علاقات أنظمة دوله الرئيسة مع بعضها البعض، بوصفه حاجة ملحة لمواجهة استحقاقات المرحلة الراهنة التي عنوانها صعود اليمين المتطرف في إسرائيل.
وقد كتب كثير من الكلام عن تصحيح العلاقات العربية، والابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية التي تضر بالمصالح العربية، والأجدى هو مراعاة المصالح العربية، أي مصالح الناس ومصالح مختلف الفئات الاجتماعية في البلدان العربية، لكن التصحيح المطلوب لا يتحقق إلا عند توافر المناخ السياسي الملائم، الذي يمكن بوجوده تصحيح الخلل في هذه العلاقات والوصول إلى علاقات متوازنة وسليمة، ذلك أن سلامة العلاقات بين أي بلدين لا يمكن أن تحدث إلا في ظل مناخ قائم على التفاهم والتبادل، ويحقق مصالح كلا الشعبين.
ولا شك في أن العلاقات العربية - العربية تشكل جزءاً مهما من أي تطور في العلاقات بين الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كذلك، نظراً لأسباب ودوافع عديدة، تطاول أمن واستقرار دول المنطقة. ومن المنتظر أن تشهد المرحلة المقبلة زيارات ولقاءات أخرى بين المسؤولين السوريين والسعوديين، وقد يتفرّع عنها لقاءات مع المسؤولين المصريين والأتراك وسواهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي