رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إنفلونزا حوادث السيارات

عندما بدأنا نسمع عن مرض ما يُسمى بـ ''إنفلونزا الخنازير'' شغلنا أنفسنا  من أجل التعرف على طبيعة هذا الوباء الجديد ومدى خطورته، لو - لا قدر الله - حل ضيفاً في ربوع ديارنا. وبمجرد وصوله إلى البلاد وإصابة عدد قليل من المواطنين والمقيمين، أصابنا الهلع خوفاً من أن ينتشر بيننا ويصبح وباء يحصد الأرواح دون رأفة، على الرغم من كون عدد المصابين لا يزال محدوداً والذين توفاهم الله بسبب هذا المرض قد بلغوا حتى هذا اليوم أقل من 30 حالة، وهو عدد ضئيل بالنسبة لضحايا حوادث الطرق الذين يبلغ عددهم سنويّاً ما يقارب سبعة آلاف نفس، أي بمعدل 19 حالة وفاة يومياًّ، إضافة إلى عشرات الألوف من المصابين، ناهيك عن عشرات المليارات التي نخسرها سنوياًّ بسبب تلك الحوادث. ونحن هنا لا نقلل من خطورة مرض إنفلونزا الخنازير، وهو معروف بقابليته للانتشار في أي وقت وبسرعة قد تكون مذهلة، بل يجب علينا حكومة وشعباً أن نأخذ بكل أسباب الاحتياط ونُعدّ أنفسنا لكل الاحتمالات. ولكننا نعجب كل العجب من سكوتنا عن آفة تفتك بأرواحنا لا تقل خطورة، وقبولنا الأمر الواقع، ألا وهي حوادث السير التي تحصد النفوس ليل نهار، ولم يدر في خواطرنا ولا في أذهاننا أن نتساءل إن كنا نستطيع على أقل تقدير تخفيض نسبة الوفيات والإصابات الخطيرة. ونحن بالتأكيد بإمكاننا عمل ذلك إذا أجرينا دراسات ميدانية بسيطة وتعرفنا عن قرب على مُسببات وعوامل وقوع حوادث الطرق التي غالباً ما تُؤدي إلى الوفاة أو إلى إصابات بالغة تقود إلى الإعاقة.
ومن المحزن أن مجتمعنا ينظر إلى نتائج حوادث السيارات مهما بلغت فظاعتها على أنها شيء طبيعي ''ومفروغ منه'' ما دام أن تصادماً حصل بين مركبتين مسرعتين أو أن خللا ما قد حدث أثناء قيادة المركبة أفقد قائدها السيطرة عليها، كما في حالة ''انفجار'' أحد الإطارات، والأخير يحدث نتيجة الجهل والإهمال. ونحن نعلم أن لدينا من وسائل السلامة المرورية أثناء قيادتنا المركبات، ما يمنع وقوع معظم الحوادث - بإذن الله، أو على أقل تقدير تُقلل من حدة الإصابات بنسبة قد تصل إلى 75 في المائة، وهذا شيء جيد. والسؤال المُحيِّر، هو: لماذا لا نأخذ بجميع الأسباب التي منحنا الله إياها من أجل سلامتنا والحفاظ على أرواحنا؟ فالكل يعلم أن لدينا نُظما وقوانين واضحة تحكم حركة سير المركبات على الطرق العامة، وهي كفيلة عند التقيّد بها بأن تقضي على معظم الحوادث المرورية التي نشاهدها كل يوم وتكون سبباً في حدوث إصابات مؤلمة. ولكننا، بسبب الغياب التام لمعاقبة المخالفين لقوانين المرور، لا نتقيد ولا بالحد الأدنى من تلك النظم والقوانين، وقد يصل بنا الأمر إلى التهور والتفاخر أيُّنا يُخالف أكثر ما دام ليس هناك حسيب ولا رقيب.
 المطلوب منا كسائقين أمر غاية في البساطة، فلا هو يُكلفنا مالاً ولا مجهوداً كبيراً يُرهق أبداننا، ولا يسلُبنا مُتعة القيادة. ما علينا إلا أن نحاسب أنفسنا على أفعالنا ونُقدِّر عواقب تصرفاتنا، وأن ما يُصيبنا من جراء تهورنا يقع العبء الأكبر منه على منْ يخلفنا من آباء وأمهات وزوجات وأولاد وأصحاب. فهل يرضى أحدنا لنفسه مثلاً أن يكون سبباً في فقدان حياته ويترك عزيزاً عليه ينعاه طوال عمره، وعلى وجه الخصوص عندما تكون أُمًّا أو زوجة في مقتبل العمر؟  فكل ما هو مطلوب من قائد المركبة هو أن يتأكد من سلامة الإطارات ومستوى ضغط الهواء داخلها، وأن يسير بسرعة معقولة في حدود المسموح به، وألا يسمح لنفسه بأن يكسب وقتا على حساب المخاطرة بحياته. ولعل ربط حزام الأمان أثناء قيادة المركبة هو الأهم من بين جميع مُتطلبات السلامة المرورية، وهو عامل يتهاون فيه معظم سائقي المركبات عن جهل بأهميته واستبعاد في غير محله لحدوث مكروه له. والمُخجل أننا عندما نمارس قيادة المركبات خارج حدود بلادنا، نتقيد بدقة بجميع النظم المرورية المطلوبة في البلد المُضيف بسبب المراقبة المُكثفة والمستمرة والعقاب الذي ينتظر المخالفين.
 أما في مدننا وطرقنا، فأنت تسير ليالي وأياماً دون أن تلمح وجود منْ يُراقب السير أو يُحاسب مُرتكبي المخالفات، بل تُلاحظ تفشي الفوضى المرورية.  وإلا فبماذا تُفسر تصرُّف إنسان طائش يحشر نفسه بينك وبين الرصيف في طريق عام بسرعة لا تقل عن 180 كيلومترا في الساعة، ويتحداك إذا لم تسمح له بالتجاوز، مع عدم وجود اختيارات أخرى غير المُخاطرة بالميل قليلاً جهة اليمين حتى تتحاشى الاحتكاك بمركبته؟ وآخر يُوقف مركبته في وسط الشارع التجاري ويذهب إلى أحد المحال للتسوق، غير عابئ بالآخرين الذين يجدون صعوبة في المرور بجانب مركبته، لأنه يعلم أنه لن يُحاسب على سوء تصرفه وأنانيته.  عندما تتحدث مع شخص ما عن ثقافة السلامة المرورية وضرورة التقيد بالنظم التي تساعد على تجنب وقوع الحوادث، تجد أن الأكثرية غير مؤمنين بها ولا تشغل اهتمامهم كثرة الحوادث وارتفاع عدد الإصابات، وهو أمر لا يدعو إلى الارتياح. ولا بد من أن ذلك ناتج عن تقصير شنيع من قِبَلِ المسؤولين في الدولة وفي المؤسسات الكبيرة التي من المفروض أنها تُسهم في برامج توعية أفراد المُجتمع فيما يتعلق بأصول السلامة وشرح الفوائد الاجتماعية والمالية الكبيرة التي سوف نجنيها من عملية تقليل الحوادث المرورية. ولا نبالغ إذا قلنا إننا في حاجة إلى إنشاء قناة مستقلة يكون هدفها توعية أفراد المجتمع بجميع أمور السلامة عن طريق بث برامج حية، وعلى وجه الخصوص السلامة المرورية. وهذا لا يعفي المسؤولين من القيام بالواجب الملقى على عواتقهم نحو تكوين فرق مرورية خاصة يحمل أفرادها رُتباً أعلى من المستوى العادي للجندي حتى يكونوا أكثر فاعلية، كما هي الحال في أغلبية الدول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي