رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مصداقية الهيئات والمؤسسات المالية الإسلامية

بعد الأزمة المالية الأخيرة التي لفتت النظر إلى أن المراهنة على أخلاقيات العمل المالي شأنه كشأن المراهنة على أي أمر أخلاقي آخر نهايته مأساوية، ولا مجال لإصلاحه إلا بصرف ما يفوق أرباح ومكتسبات السنين الوردية التي قد تغر البعض من المدفوعين وراء المادة المجردة.
في هذا الجانب بالذات على الهيئات والمؤسسات المالية الإسلامية عبء أكبر بكثير كونها تروج لنفسها عن طريق التركيز على الجوانب الأخلاقية للعمل المالي في الإسلام، ولا شك أن التلاعب بهذا الأمر في غاية الخطورة, إذ تفوق خطورته ما قد تواجهه المؤسسات المالية التقليدية في هذا الجانب. وما حدث من انهيارات في الأنظمة المالية التقليدية المتبعة لم يكن بالأمر المستبعد نظرا لتجاوزه حدود المصداقية، ولتحول البيع إلى بيوع وهمية أكثر منها بيوعا حقيقية، وبغرور المديرين التنفيذيين تحول الأمر إلى لعبة تراكم لأرصدتهم بدلا من التركيز على مصداقية الأداء وواقعيته وهذا ما نخشاه الآن بالنسبة إلى الهيئات والمؤسسات المالية الإسلامية سواء المعنية بالتنظيم أو ممارسة العمل على أرض الواقع من بنوك وشركات تأمين وهيئات تحمل الصفة الدولية ومعنية بإصدار المعايير بأنواعها.
إن ما نشهده في المؤسسات المالية الإسلامية ومن يمثلها عالميا ينطوي على هذه الخطورة وإن كانت غير واضحة في المنظور القريب ولكن ستلاحظها الأجيال في المنظور البعيد بلا شك، فالتشريعات التي تحكم هذه المؤسسات ليست ذات هوية مستقلة بل هي تابعة للمؤسسات التقليدية والبدء بأي عمل جديد فيها لا يمكن أن يبدأ من فراغ أو من وحي ابتكار يتناسب مع الضرورة والحاجة التي تخضع لواقع هذه المؤسسات بل هو تابع ومقلد للمؤسسات المالية الأجنبية العالمية على أقل تقدير.
على سبيل المثال لا الحصر, تقوم لجنة بازل الدولية وهي هيئة دولية مقرها سويسرا, بإصدار أوراق عمل ومعايير وحالات دراسية لواقع المصارف بالعموم ويتبعها بالحرفية المطلقة وبقليل من الإبداع مجلس الخدمات المالية الإسلامية ومقره ماليزيا دون أدنى تفكير بمبادرة دولية تبرز الميزات التي ينطوي عليها العمل المالي الإسلامي النقي.
وكثيرا ما يختلف البعض حول هذا التوجه ويعتقدون أن البدء من الصفر في عالم اليوم من الصعوبة بمكان ولا بد أن نخاطب العالم باللغة التي يفهمها، ونحن لا ننكر ذلك في عمومه ولكن وجه الإنكار أن التقليد وأحيانا النقل الحرفي يتبعنا حتى فيما نعتبره بادرة مهمة تخدم العمل المالي الإسلامي وتقدمه للعالم والمستغرب في هذا الشأن أن المعيار يصدر بعد عديد من الجلسات والتي تتبع ما يسمى بمجموعات العمل التي تجتمع على مدار يزيد على السنتين في أغلب الأحيان من أجل الخروج بمعايير في الغالب تأخذ مسحة النقل عما تم إنجازه على صعيد المؤسسات الدولية المعنية بتنظيم العمل المالي التقليدي.
إن المبادرات الفردية هنا وهناك أصدق بكثير من مبادرات الباحثين عن التألق على حساب المؤسسات المالية الإسلامية في الغالب إلا أن هذه المبادرات الفردية لم تأخذ حقها بالتنفيذ والاعتناء لأنها غير ممثلة بقوة السلطة بل هي في الغالب من باحثين لم يمتلكوا إمكانيات إعلاء الصوت بالمشاريع التي يعكفون على دراستها.
إن النسبة الأغلب التي تُشكل الاشتراكات السنوية في هذه المؤسسات تأتي بطريق غير مباشر من جيوب المودعين الذين يثقون ثقة عمياء بالقائمين على المؤسسات المالية العاملة من بنوك وشركات تأمين وغيرها، وخياراتهم في دعم الجهات الدولية التي تمثل العمل المالي الإسلامي بشكل عام، وغالبا لا يكون للهيئات الشرعية أي قرار في مثل هذا الأمر ولا حتى متابعته بل هو قرار إداري بحت، والهيئات الإدارية في هذه المؤسسات تسعد سعادة بالغة بإرسال أفراد من هذه المؤسسات لتمثيلها في الاجتماعات التي تنعقد تباعا في هذه الدولة أو تلك وتتحمل التكاليف من سفر وإقامة ورفاه دون أي إضافة نوعية تذكر، بل إن غالب الإضافات والنقاشات تأتي من الأجانب الذين لا يدينون بدين الإسلام، ولا يفقهون العمل المالي الإسلامي إلا من قراءات هنا وهناك ومن مشاركات في مؤتمرات دولية تابعة لمؤسساتنا الدولية الإسلامية والتي يلهث فيها القائمون عليها جاهدين وراءهم ويتم دفع مبالغ خيالية من أجل استقدامهم ووضع سيرتهم الذاتية على أغلفة الإعلانات المطبوعة للترويج لمؤتمرات المصرفية الإسلامية، وما زلنا لا نجد تفسيرا لذلك غير ضعف الشخصية العربية أمام الأجنبي حتى في هذا المجال كما شهدنا بأم أعيننا في عديد من المؤتمرات وجلسات الحوار.
إن أخلاقيات العمل المالي الإسلامي كما صدرت بخصوصها معايير ومواثيق من مؤسستين إسلاميتين تحملان الصفة الدولية وهما هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومقرها مملكة البحرين وصدر عنها ميثاق أخلاقيات المحاسب والمراجع للمؤسسات المالية الإسلامية وميثاق أخلاقيات العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية وتم التركيز على الفارق الرئيس لأخلاقيات المؤسسات المالية الإسلامية عن غيرها وهو المرجعية الدينية والضوابط الشرعية التي لا بد أن يخضع لها العمل، أما فيما يتعلق بمجلس الخدمات المالية الإسلامية ومقره ماليزيا فقد اهتم أيضا بنشر معيار أخلاقيات العمل للمؤسسات المالية الإسلامية ولم يستطع عكس سلطة المرجعية الدينية, ضبط أية مخالفات تتعلق بأخلاقيات العمل يتفوق فيها على ما هو متعارف عليه في المؤسسات المالية التقليدية التي تتبع نظام عقوبات يتدرج بتدرج المخالفة.
إن نجاح العمل المالي الإسلامي مرهون بالقدرة على تطبيق أخلاقيات عمل فريدة تعكس الضوابط الشرعية دون أية محاولة إدارية أو غيرها للالتفاف عليها، إذ إن العمل المالي الاسلامي يرتبط نجاحه وقدرته على اختراق الأسواق وإبراز الاستحقاقات والأهلية للسيطرة والتفوق من خلال أخلاقياته إذ لا يمتلك إبداعا كافيا في الوقت الحالي لمنافسة المنتجات التقليدية ولكن المراهنة الوحيدة على تميزه تتعلق بالالتزام بالقواعد الشرعية وتفعيل عمل الهيئات الشرعية ومن قبل كل ذلك تأهيل الكوادر الشرعية بخلفية معرفية وفقهية تستطيع مواكبة المعطيات المعاصرة وتحافظ على مستوى رقابة شرعية لا يتم شراؤه أو استغفاله من خلال ضعف معرفي فيه.

* باحثة متخصصة في الصيرفة الإسلامية والتمويل - ماليزيا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي