التنافسية الاستثمارية
من المنظمات الدولية التي تهتم بتنمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD. والمؤتمر هو إحدى الهيئات المنبثقة عن الأمم المتحدة والمنوط به تطوير العملية التكاملية للتجارة والتنمية وجميع الموضوعات ذات الصلة بالمجالات المالية والتقنية والاستثمار والتنمية المستدامة بين أعضاء الأمم المتحدة.
دأب المؤتمر على إصدار مؤشر لتقييم جاذبية اقتصادات 140 دولة للاستثمارات الأجنبية المباشرة تراوح درجة تقدم أسواق هذه الدول بين أسواق متقدمة كأمريكا، اليابان، وألمانيا، وأسوق ناشئة كالصين، الهند، البرازيل، والسعودية.
يسمى هذا المؤشر مؤشر أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة Inward FDI Performance Index. أطلق المؤشر في عام 1991م لقياس أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى اقتصادات الـ 140 دولة خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت عام 1991 (1988- 1990).
هدف المؤشر إلى الاعتماد على فترة ثلاثة أعوام، عوضا عن عام واحد، وذلك لإعطاء الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى الاقتصاد المحلي الوقت الكافي للدخول في المنظومة الاقتصادية وإظهار انعكاساتها على نمو الاقتصاد المحلي.
استمر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بعد ذلك بإصدار المؤشر بشكل سنوي منذ ذلك التاريخ إلى اليوم بحيث يقيس كل إصدار معدل أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى اقتصادات الـ 140 دولة خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت عام الإصدار.
يتبع هذا القياس ترتيب اقتصادات الـ 140 دولة ترتيبا تنازليا بناء على درجة جاذبية اقتصاداتها للاستثمارات الأجنبية المباشرة من أفضل جاذبية (المركز الأول) إلى أقل جاذبية (المركز الـ 140).
إنه من الأهمية بمكان، قبل النظر في جاذبية الاقتصاد السعودي للاستثمارات الأجنبية المباشرة، التعرف على المنهجية المتبعة لقياس مؤشر أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة. حيث يتكون المؤشر من نسبتين, النسبة الأولى الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة، والنسبة الأخرى مجموع الناتج المحلي.
يتم حساب النسبة الأولى عن طريق قسمة قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى الاقتصاد المحلي إلى القيمة الإجمالية للاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى اقتصادات الـ 140 دولة. كما يتم حساب النسبة الثانية عن طريق قسمة مجموع الناتج المحلي للاقتصاد المحلي إلى إجمالي الناتج المحلي لاقتصادات الـ 140 دولة, يتم بعد ذلك حساب المعدل لفترة ثلاثة أعوام متعاقبة.
عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أكبر من واحد فهذا يعني أن الاقتصاد المحلي استطاع اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة مقارنة بحجمه, والعكس صحيح عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أقل من واحد, أما عندما يكون ناتج هذه العملية الحسابية أقل من صفر (سالب) فإن هذا يعني أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لم تجد جاذبية ملائمة في الاقتصاد المحلي، وبالتالي لم يستطع الاقتصاد المحلي اجتذابها.
تعتمد منهجية قياس المؤشر أيضا على عدد من الخصائص الشمولية للاقتصاد المحلي ذات العلاقة باجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. منها على سبيل المثال، المناخ التجاري، الاقتصادي، السياسي، الموارد الطبيعية، البنية التحتية، والتقنية، وأخيرا وليس آخرا، إمكانية مشاركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عملية تخصيص منشآت الاقتصاد المحلي.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى واقع جاذبية الاقتصاد السعودي من واقع مؤشر أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة Inward FDI Performance Index منذ نشأته في 1991 حتى اليوم. يوضح المؤشر نموا ملحوظا في جاذبية الاقتصاد السعودي للاستثمارات الأجنبية المباشر خلال الـ 18 عاما الماضية (1988- 2007) على الرغم من بعض الحالات التي سجل فيها الاقتصاد السعودي تراجعا ملحوظا.
توضح النظرة إلى مؤشر أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة Inward FDI Performance Index أربع ملاحظات مهمة حول نمو جاذبية الاقتصاد السعودي للاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الـ 19 عاما الماضية.
بلغت الجاذبية أفضل حالاتها خلال 1989- 1991م عندما احتل الاقتصاد السعودي المرتبة الـ 73 من بين الـ 140 دولة وسجل المؤشر معدل 0.506. لعل من العوامل المباشرة في هذا الإنجاز أن هذه الفترة (1989- 1991م) تعد فترة زمنية بعيدة المدى لمخرجات الطفرة النفطية الثانية التي نشأت نهاية السبعينيات الميلادية.
واجهت الجاذبية أصعب تحدياتها خلال 2000- 2003 عندما احتل الاقتصاد السعودي المرتبة 138 من بين الـ 140 دولة وسجل المؤشر معدلا سلبيا عند 0.090 -. لعل من العوامل المباشرة في هذا التواضع أن هذه الفترة (2000 - 2003) تعد فترة زمنية بعيدة المدى لمخرجات أزمة الخليج الثانية التي نشأت بداية التسعينيات الميلادية.
اتسمت الجاذبية بالنمو والاستدامة منذ مطلع العقد الحالي عندما تقدم الاقتصاد السعودي من المرتبة 136 خلال 1999-2001 إلى المرتبة 51 خلال 2005-2007 وسجل المؤشر معدل 1.877. لعل من العوامل المباشرة في هذا الإنجاز أن هذه الفترة (2000-2007) تعد فترة زمنية متوسطة المدى لمخرجات إنشاء الهيئة العامة للاستثمار التي أنشئت بداية 2000.
سجلت الجاذبية أداء سلبيا خلال عدة سنوات بلغت ذروتها خلال 1994 - 1996 عندما انخفض المؤشر دون الصفر عند معدل 0.597 - واحتل الاقتصاد السعودي المرتبة الـ 137. لا يدل تواضع نمو الجاذبية على تدنيها بقدر ما يدل على تسارع حدة المنافسة بين اقتصادات الـ 140 دولة لاجتذاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
الخلاصة الشمولية التي يمكن استنتاجها من النظر في نمو جاذبية الاقتصاد السعودي للاستثمارات الأجنبية المباشر خلال الـ 19 عاما الماضية أن منظومة الاقتصاد السعودي، كأي منظومة اقتصاد محلي، لا تنمو بمعزل عن منظومة الاقتصاد العالمي, ولكنها تؤثر وتتأثر بها نوعا وكما على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية سواء كانت أصعدة اقتصادية، أو سياسية، أو تنظيمية، أو جميعها معا.