التدخين في المستشفيات
التدخين موضوع تناولته الدراسات ابتداء من حقول الزراعة إلى وفيات البشر، مرورا بالتكاليف وأساليب التسويق ومدى الانتشار وتأثيراته الصحية ... إلخ. لقد أُسست جمعيات، وأصدرت قرارات على أعلى المستويات، وتمت المتابعة في كثير من المرافق والمنشآت، ولكن ما زال الوضع مثيرا للدهشة، باستمرار متعاطيه أو المدخنين على عاداتهم نفسها، بل إنه أصبح متوارثا وكان الذي يُنشر ويصدر بشأنه مجرد حبر على الورق. في الواقع هناك فجوة بين ما نصدر القرارات والتعاميم بخصوصه ونتحدث عنه ونكتب وننشر ونسوق، وبين ما يطبق ويشاهد في كل مكان. لقد تسللت أدخنة التبغ إلى داخل المستشفى سواء في ممراته أو حتى في ساحاته الخارجية والمداخل، من دون أن يكون هناك تقدم في حل لمحاربة هذه المشكلة داخل العرين الصحي والطبي نفسه. في محاورة مع أحدهم أشار إلى أن ما يساعد على ممارستهم هذه ونقض القرارات الصادرة وجود أطباء يدخنون إضافة إلى توفير طفايات مخصصة للسجائر في المداخل أو الممرات أو حتى عند مداخل غرف التنويم في المرافق الصحية. قد لا يكون التبرير في محله ولكن أيضا هو تناقض يسهم في تضخيم المشكلة ويجعل التصحيح طريقا مليئا بالأشواك محفوفا بمخاطر العودة للوراء كلما تحقق إنجاز. إن استمرار التوعية والتثقيف والصرف على المتابعة والملاحقة لا بد له من ثمار. كما أن لدينا شؤونا أخرى تحتاج لتكريس جهود وإنفاق فيها لرفع مستوى معيشة أو توفير حياة كريمة وهذه في وجود عادة سيئة مثل عادة التدخين تعني تعطيل برامج كثيرة على حساب تحسين مداخيل أسر فقيرة أو ما شابه من مشكلات. إذاً.. ما الحل؟
من نتائج دراسة علمية تبين أن مع نهاية عام 2008م حققت الولايات المتحدة نسبة 45 في المائة في خلو مستشفيات الدولة بأكملها - العامة والخاصة - من التدخين في جميع الحرم والساحات وبداخلها, متطلعين إلى بلوغ نسبة 100 في المائة مع نهاية هذا العام 2009م. الدراسة التي أجراها أخيرا مركز Henry Ford Health System لمكافحة الأمراض، والتوعية الصحية التي اعتبرت الأولى من نوعها لرصد خلو المستشفيات وساحاتها من التدخين والمدخنين، عنت الكثير لدى المهتمين على مستوى الأفراد أو الجمعيات في العالم. فمنذ عام 1992 قامت اللجنة المشتركة بوضع سياسات وإجراءات ومعايير خاصة بوضع التدخين ومواقعه في المستشفيات على مستوى عام بهدف تحديد أماكنه وعزلها عن باقي المنشآت في المرفق الواحد وبأمل تبني الجميع الإقلاع عن التدخين والامتناع عنه في المستشفيات خلال سنوات. الدراسة الحالية أثبتت أن بعد 12 عاما من صدور هذا التنظيم تمت ملاحظة الفرق بشكل واضح، حيث تم المنع من قبل المستشفيات وحصرت بذلك النسب. لقد أوضحت الدراسة أن هناك فرقا بين المستشفيات في تبني إجراءات المكافحة والمنع وقد ميزت هذه المرافق الصحية عن غيرها بناء على الإحصائيات التي جمعت من الجهات المقدمة للخدمات الصحية بين قطاع عام وخاص وخيري وغيرها.
في دراسة أخرى, أجريت من قبل المعهد الكاتالوني للسرطان ICO في سبع دول أوروبية لقياس نسبة دخان التبغ في الجو سواء في الأماكن العامة أو المستشفيات أوضحت أن نسبة دخان التبغ في بيئة المستشفيات في طريقها للاختفاء وتوقعت الدراسة أن في خلال عام 2012م جميع الأماكن العامة بما فيها المستشفيات والمرافق المغلقة في جميع الدول الأوروبية ستكون خالية من التدخين.
في وضعنا في المملكة لدينا عدد كبير من المرافق الصحية مختلفة الوظائف ومختلفة المرجعية والمواقع والأحجام إضافة إلى اختلاف التجهيز والإمداد الآلي والبشري. في المقابل لدينا العديد من الجمعيات وتقوم كثير من المؤسسات بتنفيذ برامج لمكافحة التدخين، فهل قمنا بقياس نسبة دخان التبغ في الجو أو بيئة المستشفيات ومحيطها بشكل عام؟. هل الجمعيات التي أسست واللجان التي شكلت والإدارات التي كلفت لمكافحة هذه الآفة لديها من الإحصائيات والتواريخ ما يدل على بداية أنشطة المكافحة من قياس نسبة الجسيمات في كل ملليمتر مكعب ووسائل المنع وطرق التوعية؟. ثم هل هناك مقاييس لقياس مدى تأثير الجهود المبذولة وما الذي تحقق؟ ومتى سنصل لتحقيق الهدف الأسمى؟ ثم أي القطاعات أكثر التزاما بتطبيق اللوائح والأنظمة الخاصة بالتدخين (إن وجدت) وبالذات لقرار مثل هذا، حيث أصدر وتم التوجيه بالالتزام به من قبل ولاة الأمر ـ يحفظهم الله ـ؟ أخيرا متى ستكون الأماكن العامة والمستشفيات، خالية من التدخين فعلا؟. هل من الحلول، تجرؤ المجتمع على لفظ المدخنين من بينهم في المرافق والساحات العامة والأسواق؟. هل من الحلول، رفع قيمة المنتجات التبغية إلى أسعار فلكية؟. ألن يؤدي ذلك إلى اتباع أساليب أخرى، لمجرد ممارسة عادة التدخين، والتباهي بالابتكار والابتداع في أساليب المراوغة؟. وهل من الحلول، كسر الحاجز النفسي بزيارة الطبيب، أو الإخصائي النفسي لعلاج حالة الإدمان، دون أن تعد مراجعته إشارة إلى جنون، أو معاناة من اضطراب نفسي؟
أعتقد أن إيمان الفرد بأنه يرهق جسمه قبل الأوان، ويكلف نفسه ماليا، ويخالف الأنظمة، ويضر غيره إضافة إلى شخصه باتباع هذه العادة، سيكون البداية إلى إصحاح البيئة والمجتمع وتحسين نوع ومستوى المعيشة، وما عدا ذلك فالله المستعان على ''تَرْك الدخّان''.