جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا فكر ملك.. وأمنيات شعب
نتمنى كمواطنين أن تتحول بلادنا من دولة تعتمد في اقتصادها على مورد طبيعي واحد (النفط) في معظم إيراداتها المالية إلى دولة متنوعة الموارد الاقتصادية باستثمار الإيرادات النفطية لبناء بنى تحتية قوية ومستدامة ومتنامية تمكننا من تطوير منشآت اقتصادية عملاقة منتجة توفر السلع والخدمات المنافسة للأسواق المحلية والعالمية بما يجعل واردات النفط لا تشكل سوى نسبة معقولة من إجمالي الناتج المحلي لبلادنا.
هذه الأمنية أصبحت ضرورة في ظل التطورات الاقتصادية والتقنية العالمية إذ لا يعقل أن يعتمد اقتصاد بلد عملاق كبلادنا على مورد طبيعي ناضب ومتذبذب السعر تعمل مراكز الأبحاث في كافة أنحاء العالم على إيجاد بديل له لتوليد الطاقة لمحطات الكهرباء والآلات والمعدات وها نحن نسمع عن ابتكارات بدأت تتحول لمنتجات في الأسواق العالمية وقد بدا ذلك واضحا في سوق السيارات التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود المستخرج من النفط.
كل من يعلم واقع البنية التحتية للإنتاج التنافسي من تعليم عام ومتوسط وعال وواقع العلوم والتقنية والأبحاث والابتكار والفكر القائم والمطبق في منشآتنا الحكومية والخاصة وغير الربحية في بلادنا يدرك تمام الإدراك أن هذه الأمنية الضرورة لا مجال لتحقيقها إذا لم تتم معالجة هذا الواقع بأسرع وقت ممكن لإرساء بنية تحتية قادرة على استقطاب الموارد البشرية العالمية النادرة وتوليد الطاقات البشرية الوطنية المؤهلة علميا وقيميا واحتضانها ورعايتها وتحفيزها لاستثمار الموارد المتاحة وكسر قيودها إلى فضاء لا حدود له في عالم الابتكار والإبداع لإنتاج منافس من السلع والخدمات التي يتمازج فيها إنتاج العقول بإنتاج الحقول في كافة القطاعات الاقتصادية.
هذه البنية التحتية اللازمة لتحويل بلادنا من سوق استهلاكية عملاقة يستهدفها المنتجون من كافة أنحاء العالم لتسويق سلعهم وخدماتهم إلى سوق عملاقة يتوازن فيها الإنتاج والاستهلاك بدأت خيوطها تتجمع ويشد بعضها بعضا لتشكل نسيجا متينا منذ سنوات قليلة على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - حيث رأينا اهتماما منقطع النظير بتطوير التعليم بكافة مراحله ورأينا براهين هذا الاهتمام ونتائجه والقادم أجمل - بإذن الله - إذا أدرك كل مواطن من موقعه ماهية وأهمية دوره في تعزيز اتجاهات حكومتنا الرشيدة لإنجاز نقلة اقتصادية نوعية مقرونة بنقلات اجتماعية وثقافية نوعية بالمحصلة تجعل بلادنا في منأى من مخاطر الاعتماد على مصدر دخل واحد كما تجعلها في مصاف الدول المتقدمة - بإذن الله.
كلنا يعلم بأنه لا تنمية اقتصادية دون قاعدة بحثية قوية تزداد قوة بمرور الزمن من جهة كم ونوع الباحثين والأبحاث ومن جهة تسجيل وتوظيف نتائج البحوث والدراسات اقتصاديا بما يعزز القوة التنافسية لمنشآتنا الاقتصادية من خلال تعزيز قوتها باحتكار القيمة التي أصبحت اليوم عنصرا مهما ورئيسيا في التنافسية العالمية في عالم تكاد تحتكره الشركات العالمية العملاقة من خلال بناء تحالفات ذكية عبر البحار بشكل تعجز أنظمة مكافحة الاحتكار عن ملاحقته.
وكلنا يعلم أن مراكز الأبحاث في وضعنا الاقتصادي الحالي غير مجدية اقتصاديا لأن سوقنا يسود فيها الاستهلاك على الإنتاج ما يجعل الموازنات المتاحة للصرف على الأبحاث والدراسات في مستويات دنيا غير مغرية اقتصاديا لتفعيل نشاط مراكز الأبحاث والدراسات اقتصاديا، وبالتالي فإن الحكومة هي الجهة المناط بها تفعيل النشاط البحثي حتى يصبح جزءا لا يتجزأ من العملية الاقتصادية ليكون مجديا بالشكل الذي يحرك كافة عناصره ويعزز قوتها في دورات اقتصادية متتالية لا تتأثر بالدعم أو الإنفاق الحكومي، وهذا ما أدركته بكل وضوح حكومتنا الرشيدة.
بكل تأكيد ستلعب جامعاتنا الـ 21 ومجمعات الكليات المنتشرة في كافة أنحاء بلادنا والتي يشتمل معظمها على معاهد للبحوث والدراسات دورا كبيرا في تطوير البنية البحثية التحتية من جهة تنمية الموارد البشرية الوطنية فكريا وعلميا ومهاريا ومن جهة تقديم الخدمات البحثية للمنشآت الحكومية والخاصة وغير الربحية بجودة وتكاليف تتناسب والفكر القائم حاليا تجاه البحوث والدراسات ماهية وأهمية وتكلفة، ولكنها بكل تأكيد لن تستطيع أن تنهض بواقع الأبحاث والدراسات بشكل سريع ومتين بما يتناسب والمتغيرات العالمية ومتطلبات تحول الاقتصاد السعودي من الهيكل الرعوي إلى هيكل اقتصاديات السوق.
فكر خادم الحرمين الشريفين الذي يشغله قضايا وهموم وأمنيات شعبه جاء بالحل الجذري للنهوض بالأبحاث والدراسات في بلادنا لتكون في مصاف مثيلاتها من الدول المتقدمة من خلال إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا بتكلفة عشرة مليارات ريال على مساحة 36 مليون متر مربع لتضع معيارا جديدا للعلوم والأبحاث والدراسات العلمية في بلادنا لدعم منشآتنا الاقتصادية الحكومية منها والخاصة لتكون أكثر قدرة على استثمار مواردنا البشرية والطبيعية والجغرافية والتاريخية لتنويع مصادر الدخل وتوليد الفرص الاستثمارية والوظيفية ، وكلنا أمل بأن تتحرك كافة الجهات ذات الصلة بمنظومة الأبحاث والدراسات خصوصا العلمية والتقنية منها أن تجعل من معايير جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية معايير لها.