الانتحاريون الجدد
عندما كان الناس في قمة حماسهم للعمليات الانتحارية التي كان يجري تنفيذها ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية، كان بعض من أخذتهم العاطفة يرون أن هذه العمليات جائزة. لكن أصواتا مخلصة لدينا كانت تؤكد عدم جواز ذلك ومن هؤلاء الشيخ محمد بن عثيمين - يرحمه الله - الذي اعتبر في إجابة له أن من يقوم بهذا العمل يعد من أهل النار.
يقول الشيخ العثيمين - يرحمه الله -: "رأيي في هذا أنه قاتل نفسه، وأنه سيعذَّب في جهنَّم بما قتل به نفسَه؛ كما صحَّ ذلك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لكن الجاهلُ الذي لا يدري، وفَعَلَهُ على أنه حسنٌ مرضيٌّ عند الله: أرجو الله - سبحانه وتعالى - أن يعفو عنه، لكونه فعل هذا اجتهادًا. وإن كنتُ أرى أنَّه لا عُذر له في الوقت الحاضر؛ لأن هذا النَّوعَ من قتل النَّفس اشتهرَ وانتشرَ بين النَّاس، وكان على الإنسان أن يسأل عنه أهل العلم، حتَّى يتبيَّن له الرُّشد من الغيِّ".
كان الشيخ العثيمين - يرحمه الله - مدرسة واسعة في الفقه وفي العلم، لهذا لم يسوغ العمليات الانتحارية ضد الأعداء، لكن علماء آخرين تغاضوا عن قول هذه الحقيقة، وأصبحت إرثا يتكئ عليه طلاب الفتن من أجل توجيه حرابهم إلى جسد الأمة، ولعل ما يجري في العراق وغيرها من الدول خير شاهد على انتشار ثقافة قتل النفس.
الفارق بين الفتوى السياسية والفتوى الشرعية، أن الأولى تأتي وفي ذهنها الناس في الشارع وماذا ستكون ردة فعلهم تجاه هذا الرأي أو ذاك. بينما الفتوى الشرعية تتوخى الدليل، ولا تأبه لمدى قابلية الناس هذا الرأي أو ذاك. كثير ممن يظهرون أمامنا في بعض الفضائيات حاليا لا يزالون يتأثرون بحالة الجمهور، وأحيانا لا يودون مخالفة رغبات الجمهور. هذا السلوك نحن نحصد آثاره حاليا. فشبابنا الذين انخرطو ضمن الفئة الضالة وشاركوا في عمليات انتحارية في الداخل والخارج، لم يجدوا من يقول لهم بشكل واضح وصريح إن الحياة هبة وأمانة من الخالق، ورعايتها تكون بالمشاركة في إعمار الأرض لا إفساد الحياة وإزهاق الأرواح وتهديد المجتمع وأمنه.