ما أحوجنا إلى مشروع نظافة دورات المياه في المساجد وعلى الطرق السريعة
يطيب لي في نهاية هذا الشهر الفضيل أن أعود وأذكر الجميع بفضل المساجد التي نقضي فيها خلال هذا الشهر أوقاتا أطول مما نقضيه فيها خلال الأشهر الأخرى من العام. ولكننا وبعد انقضاء شهر رمضان ومن كل عام نعود وننسى دور المسجد وأهميته. ولا حتى نرد الجميل له فعسى الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا. ونعود لنرى هذا المسجد الذي أعالنا طوال الشهر وبقية الأشهر لا يجد منا العناية البسيطة خاصة نظافة وطهارة دورات المياه التي ينبعث منها روائح كريهة تضايق المصلين أو من يودون الوضوء. ونظافة دورات المياه سواء للمساجد أو ما نلاحظه من مظهر سيئ لدورات المياه أثناء ذهابنا أو عودتنا من السفر, خاصة على الطرق السريعة لمناطق الشرقية والغربية والشمال والجنوب. ألا نحس بأننا وأبناءنا ونساءنا يصيبهم الحرج ويعانون عدم وجود دورات مياه نظيفة وطاهرة لقضاء حاجاتهم خلال السفر والساعات الطويلة التي يحبسون فيها أنفاسهم. إنها معاناة وحلها سهل جدا تبرع بسيط ودوري من رجال الخير أو الدولة وسيارة فيها عامل يدور على تلك الدورات ومواد نظافة وصابون. إنها أقل مما نتحمس له من تبرعات عند وقوع كارثة في الهند أو باكستان أو غيرها. وأكاد أجزم أنهم في تلك الدول على الرغم من فقرهم إلا أن لديهم استراحات في الطرق أكثر نظافة وطهارة. وهذا الحل يجب أن يقابله تعاون المواطنين مع بعضهم لتنظيف قاذوراتهم بعد الانتهاء من دورة المياه إذا كان يحب أن يرجع لها نظيفة وليستعملها أخوه المسلم بعده نظيفه. تقبل أن تتغسل للوضوء والصلاة وتطلب من ربك القبول وأنت لم تنظف ما وسخته؟ إنني أستغرب هؤلاء البشر الذين يوسخون تلك الدورات وهم يعلمون أنه سيعقبهم قوم مسلمون من إخوانهم، فهل نحب لأنفسنا ما لا نحب لإخواننا؟ صدق قوله عليه الصلاة والسلام ''لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه''.. وهل نحن مؤمنون؟
مشروع بسيط وهو أن يتبرع مصل بساعة واحدة يوميا لنظافة المسجد. فإذا افترضنا أن عدد المصلين في المسجد الواحد من الجيران المجاورين للمسجد في حدود 30 منزلا فإن ذلك يعني أن كل صاحب منزل سيكون عليه الدور مرة في الشهر. وقد يوصي سائقه أو الخادمة أو أحد أبنائه أن يقوم بذلك مرة في الشهر, هل هذا صعب؟ حتى إن المصلين لو تبرع كل منهم بريال لكل صلاة لأصبح خمسة ريالات للشخص الواحد وعلى مدى الشهر 150 ريالا. ولو جمع المصلون كلهم مثل هذا المبلغ لأصبح لدينا أكثر من أربعة آلاف ريال ما يكفي لراتب عامل ومواد نظافة شهريا. فعسانا لا ننسى تلك المساجد التي خدمتنا طوال هذا الشهر الفضيل وألا ننسى أن شهر رمضان لا ينتهي وأنه يزورنا كل عام وأن الدين ملازمنا في بقية الأشهر. ولكن الملاحظ علينا أننا ننسى أهمية المسجد ولا نعطي تلك المساجد العناية اللازمة لها في التصميم البديع والصيانة والنظافة. سواءَ داخل المدن أو خارجها على الطرق السريعة بين الدمام والرياض أو القصيم أو مكة وسواءَ في رمضان أو على مدار السنة. وأكثر ما يقلقنا هو موضوع نجاسة وروائح كريهة لدورات المياه فيها. أن المسافرين وعائلاتهم يرون حرجا كبيرا عند التفكير في الوضوء للصلاة أثناء السفر أو حتى لقضاء الحاجة, ومن منا لم يحرج مع عائلته وهو مسافر من ممانعتهم استعمال تلك الدورات لما يرونه من قاذورات ونجاسات وروائح عفنة وكريهة بعكس ما نراه في دول غير المسلمين أو حتى جيراننا القريبين, هل ''حنا غير'' حتى في الدين؟ وهي ذريعة للتنفير من الصلاة, كلنا مسيئون للمسجد. المواطن الذي لا يحب لأخيه ما لا يحب لنفسه والجمعيات الخيرية وهيئة الأمر بالمعروف التي تجوب الشوارع والأحياء ودون أن تقف على المخربين أو مسيئي استعمال دورات المياه. والجهات الحكومية التي لها علاقة بالطرق السريعة، التي يجب عليها أن تضع في تكلفة تنفيذ الطرق مبلغا لدورات المياه وصيانتها على الطرق أو المساجد التي تمر بها. هل يقتضي الأمر أن نطلب من شركة الاتصالات التي تأخذ أموالنا لتتبرع بها مرة أخرى أن تتبرع لنا بدورة مياه نظيفة مع جوال برقم للطوارئ والإسعاف.
إن خير دعوة للصلاة أن تكون دورات المياه نظيفة وطاهرة فإنها بالتالي ستجذب المصلين وتساعدهم على قضاء فروضهم وحاجاتهم. وهو واجب كل مسلم قبل أن يفكر في الصلاة بنفسه أن يفكر كيف سيترك الفرصة لغيره للصلاة ويكون جزاؤه عند الله كثيرا. وتلك العناية ليس المقصود منها صيانة الميكرفونات فقط وإنما الاعتناء بالنظافة والطهارة التي هي أساس ديننا ثم الاهتمام بمظهر المسجد وتنسيق وتشجير ما حوله. أن أكثر ما يسيء إلى مساجدنا هو الروائح السيئة والكريهة التي تنبعث من دورات المياه سواءَ لمن يريد أن يتوضأ أو حتى المارين من أمامها للصلاة. وعدم وجود صابون أو مطهرات للنظافة. حتى أن بعض الناس يصافحون غيرهم من المسلمين بعد خروجهم من دورات المياه ودون طهارة ما ينقل الأمراض المعدية. أليس أقل ما يمكن أن نقوم به كمؤمنين هو أن يتبرع بعضنا بعلبة أو زجاجة صابون ولو أسبوعية لكل مسجد؟ لقد غصت تلك المساجد بالمصلين الذين ما أكثر تبرعهم للغير ولكن لمساجدهم يبخلون بالقليل.
الأسوأ من ذلك إسرافنا في استعمال المياه في تلك الدورات للوضوء أو غيره بينما كلنا نعلم أن ما نوفره من المياه سيستفيد منه أخونا المسلم بعدنا, فلماذا حب الذات؟ هل نسينا وقد قال تعالى في محكم كتابه ''إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين'' صدق الله العظيم ( التوبة الآية 18). ولكن نرى اليوم أن هناك مفهوما خاطئا للآية الكريمة, حيث إن الإعمار لم يكن المقصود به بناء المساجد من الناحية الإنشائية ثم التأكد من وجود ميكرفونات فقط وإنما إعمارها بجعلها عامرة بالمصلين وذلك بالاهتمام بها والعناية بصيانتها ونظافة دورات المياه وعدم الإسراف والتبذير في المياه لتكفي الجميع. وذلك بعكس ما نراه اليوم من عدم الاهتمام بها مما يسيء للمساجد داخل الأحياء وعدم احترام شخصيتها.
لماذا لا نوفر من صرف الأموال على الزخرفة داخل المساجد والقباب المشغولة التي قد تصرف بال المصلين وتشغلهم عن الصلاة؟ والتوفير الحاصل في بناء المساجد يجب أن يخصص لعملية النظافة والصيانة, خاصة دورات المياه، حيث إن أغلبية مرافق المساجد خاصة دورات المياه تكون دائما مهملة وتنبعث منها روائح تؤذي المصلين. وهذه ظاهره مشهودة في معظم المساجد, فبعض ضعاف النفوس لا يؤمنون بأن النظافة من الإيمان ويتركون المخلفات التي تؤذي الغير ويتركون صنابير المياه والبرادات والأنوار مفتوحة ولا يدركون أهمية حفظ أموال المسجد والمسلمين. حتى الذين يدركون ذلك لا يتبرعون بساعة واحدة أسبوعيا من وقتهم أو أبنائهم أو مستخدميهم للاعتناء بنظافة هذه المرافق أو على الأقل التبرع بمبلغ بسيط شهريا من كل مصل لتنظيف المسجد ومرافقه. سبق أن كتبت عن هذا الموضوع عدة مرات ومنذ أعوام وكذلك عن دورات المياه في المدارس والجامعات وخلوها حتى من الصابون وعدم تنظيفها بالمطهرات الصحية وهي بعد آخر للمصيبة التي تصيبنا من نقل عدوى الأمراض المعدية. وكتبت كثيرا عن موضوعات تهم المجتمع ولكني لم أر أذنا صاغية، لدرجة أنني بدأت أشكك في مدى إيمان بعضهم بالله وحبهم لإخوانهم!! فهل معقول أنهم لم يروا ذلك أو أنهم لم يتخذوا أي إجراء لحل الموضوع وهو حل لا يحتاج إلى سنوات, فإزالة الأذى صدقة.
كما أرى أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية وهيئات الأمر بالمعروف بدورها في مسؤولية مراقبة نظافة مرافق المساجد وتثقيف وتوعية الناس بأهمية ذلك, خاصة في خطبة الجمعة وإلى تنوير الناس بأن الوقوف بسياراتهم بطريقة منظمة حول المساجد يعكس شخصية المؤمن القوي وتحضره ودون أن يقفلوا الطريق على السيارات التي فيها نساء مؤمنات قادمات للصلات ويفاجأن بالطرق المسدودة بالسيارات المزاحمة للمسجد والطريق وتسد الطريق عليهن. وما الذي يمنع الإنسان من إماطة الأذى عن أخيه المسلم وأن يقف ولو بعيدا عن المسجد فإن كل خطوة إضافية للمسجد تعد صدقة ورياضة.