رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


طرق التعليم التي عفا عليها الزمن

لا يختلف اثنان على أن طرق التعليم في بلادنا لا تواكب متطلبات العصر الذي نعيشه اليوم، والذي يتميز بالحاجة إلى تنمية روح الإبداع عند الطالب والابتكار وتطوير المواهب والتركيز على فهم وهضم العلوم التجريبية. ولكننا على العكس من ذلك، فقد تعودنا منذ بداية التعليم الحديث عن ممارسة التلقين في مدارسنا والتركيز على حفظ النصوص الموجودة في الكتب الدراسية، دون السماح للطالب بإيجاد تعبير مناسب مغاير لما هو مُدوَّن حرفياًّ في الكتاب. وهذه الطريقة من شأنها أنها تُغلق باب التفكير والاستنتاج من جانب الدارس. ولذلك فنحن من أقل أمم الأرض مقدرة على التعبير الشفوي، بل ويندر أن تجد أحدنا يقف أمام مجموعة من الناس ويتحدث عن موضوع ما بطلاقة وبجُملٍ متسلسلة وبتعبير إنشائي ينقل الصورة التي يريد إيصالها إلى جمهور الحضور دون أن يتلكَّأ أو ُيتعتع. والسبب بطبيعة الحال هو عدم إعطاء الطالب في مدارسنا فرصة التعبير الذاتي خلال المراحل الدراسية، وحصر متطلبات الإجابة عن التعبير والجُمل التي يحتويها الكتاب حرفياًّ.
وطلب التغيير والتجديد قديم حديث، وقد أُشبع بحثاً ونقاشاً من جانب منْ هم أقدر مني على خوض غمار مثل هذا الموضوع. وتحدثوا كثيراً على مدى السنوات الماضية عن البرامج والاقتراحات الداعية إلى تطوير المناهج، وهو شيء جميل، ولكن ما نحتاج إليه ليس فقط تعديل ما تحويه تلك المناهج، بل تغيير الطريقة التي تُوصَّل بها المعلومة إلى ذهن الطالب و حذف الإصرار على حفظها عن ظهر قلب. ونحن نعلم أن الحفظ دون فهم للموضوع، سواء كانت المادة دينية أو اجتماعية أو علمية لا يعدو كونه مضيعة للوقت، لأن الطالب سينسى المعلومة بمجرد أن تنتهي فترة الدراسة الفصلية. ونحن نشاهد الآباء والأمهات يومياًّ وهم يبذلون جهوداً كبيرة من أجل مساعدة أبنائهم لحفظ الواجبات المطلوبة منهم. أما الذين لا يجدون منْ يقوم بهذا المجهود معهم ولا منْ يهتم بهم فهم يُعانون صعوبات كبيرة قد تُهدد مستقبلهم التعليمي. ولذلك فإن الذي ينقصنا ليس فقد ما يُسمى تطوير المناهج، وهو لفظ واسع ويثير الكثير من الجدل، ولكن الأهم هو تطوير المُعلم، وهنا تكمن الصعوبة. فعند ما نتحدث عن مئات الآلاف من المعلمين والمعلمات الذين معظمهم قد أفنى أكثر من نصف عمره الوظيفي في التدريس على الطريقة التقليدية، فإن الأمر يتطلب إعداد برنامج مدروس ومكثف لتدريب الكوادر التعليمية حسب أولويات محدَّدة وواضحة من أجل تطوير مهاراتهم على مبدأ أن التعليم يكون بفهم مضمون المادة الدراسية وليس بحفظها، وأن يكون هناك مجال واسع لحرية التعبير من جانب الطالب أو الطالبة وكل ما يعمل على تنمية المهارات الشخصية لدى الفرد. نحن في حاجة إلى بناء جيل جديد يستطيع تحمُّل المسؤولية ومواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظرهم عند ما يحل عليهم عصر جديد ويقترب النفط من مرحلة النضوب فتجف منابع الثروة التي نعيش عليها برفاهية مفرطة في وقتنا الحاضر، وتبتعد مستويات المياه الجوفية عن سطح الأرض، وهو ما سيستدعي بذل مجهود أكبر من أجل البقاء و الحياة. أما المعلمون والمعلمات حديثو التخرج من الجيل الحاضر فتهيأ لهم برامج تأهيلية خاصة قبل البدء في مزاولة مهنة التدريس، لأنهم يكونون قد تربوا على طرق التدريس القديمة التي نحاول تغييرها، ويُمنح المتقدم وثيقة التأهيل إذا ثبت خلال مرحلة الإعداد أن لديه المقومات المطلوبة من المعلم. ونرجو ألا يفهم أحد أننا نهوِّن من أمر التغيير بهذا الكلام المُبسَّط، لأن الأمر يتعلق بتغيير مفاهيم رسخت في أذهان المعلمين مدى حياتهم الوظيفية وأذهان الذين مروا بتلك الممارسة أثناء الدراسة، مما يجعل مبدأ تنفيذ التغيير من التحديات الصعبة التي يتطلب تنفيذها مجهوداً كبيراً.
وهناك ملاحظات أخرى كثيرة على نظم التعليم عندنا. منها أن جميع الطلبة والطالبات على اختلاف مستوياتهم للفهم و في سرعة استيعاب المادة، يتلقون المواد الدراسية نفسها في غرف الدراسة، لا فرق بين موهوب حباه الله بميزة سرعة الفهم وطالب يحتاج إلى بذل مجهود مُضاعف من أجل السير ببطء في الدراسة. أليس من الأفضل أن تكون هناك مدارس ومناهج خاصة بالطلبة والطالبات الذين يمتلكون قدراً معيَّناً من التميز على غيرهم، وذلك أيضا من أجل بذل جُهد أكبر بالنسبة للأقل حظاًّ؟ إنه مُجرد اقتراح مفتوح للمناقشة، فقد يكون مقبولاً أو قد لا يكون.
وعادة ما تُطلق كلمة الموهوبين على فئة محددة من الدارسين الذين يكسبون درجات مرتفعة بالنسبة إلى بقية زملائهم الطلبة. ولكن الله يمنح بعضنا مواهب أخرى كثيرة تتمثل في وجود مهارات شخصية تميِّز الشخص عن البقية في أمر من أمور الحياة. فربما أن إنساناً لا يستطيع الحفظ ولا التعبير بلغة أدبية فصيحة، ولكنه عبقري في حل المسائل الرياضية. وآخر يجد صعوبة في مواصلة الدراسة و لديه مهارة متميزة في بناء الأفكار الإبداعية والاختراعات. وما أكثر ما نجد منْ لديهم ما يُميِّزهم عن غيرهم في أحد جوانب الحياة، ولو أُعينوا على تنمية مهاراتهم بالتوجيه والتشجيع وفتح مجال العمل لهم لكننا كسبنا الشيء الكثير، إضافة إلى تهيئتهم ليكونوا مواطنين منتجين. فليس هناك ما يمنع من توسيع نطاق ما نطلق عليهم الموهوبين ليشمل كل منْ لديه تميُّز علمي أو مهني غير عادي يفوق ما لدى الآخرين، بصرف النظر عن كون هذا الإنسان متفوقا في الدراسة الأكاديمية أم غير ذلك. وبهذا نكون قد ضمنَّا تطوير مواضع القوة عند الشباب، تاركين نقاط الضعف التي لا يخلو منها إنسان جانباً. ويكفي لنا شاهد ما نقرأه في كتبنا ومقرراتنا عن العلماء المبدعين والمخترعين الذين نجحوا في حياتهم العملية وأفادوا البشرية جمعاء، بعد إخفاق شنيع في بداية حياتهم الدراسية.
وعلى الرغم من أهمية مهنة التعليم في المجتمعات وشرف الانتساب إليها، إلا أن الملاحظ أنها ليست من أولويات خريجي الجامعات إذا وجدوا عملاً آخر يلتحقون به، وتكون النتيجة أن يكون نصيب التعليم من الفئات الأقل علماً ومهارة، مما يتطلب ضرورة تحسين وضع المعلمين لتعزيز الرغبة في الالتحاق بالوظائف التعليمية. ونود أن نختم بملاحظة مهمة، وهي أن التعليم في بلادنا في حاجة إلى تقليل المركزية والتوسع في اللامركزية في بعض النواحي التعليمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي