دور المستثمر المؤسسي السعودي
من الدراسات العلمية في مجال سيكلوجية المستثمرين ما نشر قبل فترة في المجلة الدولية لعلم الاقتصاد والمالية International Review of Economics and Finance. هدفت الدراسة إلى التعرف على التباين في دور المستثمر المؤسسي خلال فترات نمو وازدهار الأسواق المالية ومقارنتها بالدور ذاته خلال فترات ركود وتباطؤ الأسواق المالية.
حيث حاول باحث دراسة تأثير أزمة الأسواق المالية الآسيوية في 1997 في منهجية الاستثمار وسلوك التداول للمستثمر المؤسسي الأجنبي في السوق المالية التايوانية. نُشرت الدراسة تحت عنوان "هل غيرت الأزمة الآسيوية دور المستثمرين الأجانب في الأسواق الناشئة: التجربة التايوانية؟".
توصلت الدراسة إلى أربع نتائج مهمة تشكل في مجملها إجابة شمولية حول منهجية استثمار وسلوك تداول المستثمر المؤسسي في الأسواق المالية الناشئة خلال الأزمات المالية الحادة.
النتيجة الأولى أنه ليست هناك علاقة مباشرة بين استثمارات المستثمر المؤسسي ونمو العائدات على الاستثمار في السوق المالية الناشئة. والنتيجة الثانية أن هناك علاقة مباشرة بين استثمارات المستثمر المؤسسي ومستوى التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة.
والنتيجة الثالثة أن المستثمر المؤسسي الأجنبي يضاعف استثماراته بعد زوال الأزمة أكثر من المستثمر المؤسسي المحلي. والنتيجة الرابعة أنه يزداد تأثير المستثمر المؤسسي الأجنبي على مستوى التذبذب السعري لأسهم الشركات المدرجة بعد زوال الأزمة أكثر من تأثير المستثمر المؤسسي المحلي.
تقودنا هذه النتائج إلى النظر في دور المستثمر المؤسسي خلال فترات النمو والازدهار ومقارنتها بالدور ذاته خلال فترات الركود والتباطؤ من منظور السوق المالية السعودية. إن مما لا شك فيه أن تراجع أداء السوق المالية السعودية في الفترة الأخيرة أدى إلى نقص الثقة بالاستثمار المؤسسي.
يدعو هذا النقص إلى التساؤل عن المسؤول عن هذا النقص والحلول العملية الكفيلة بعون الله ـ تعالي ـ بتعزيز الثقة بالمستثمر المؤسسي وعلى رأسها الصناديق الحكومية الثلاثة: التقاعد، والتأمينات، والاستثمارات العامة.
يعود تاريخ صناديق الاستثمار في السوق المالية السعودية إلى بداية التسعينيات الميلادية عندما سمحت مؤسسة النقد العربي السعودي للمصارف السعودية القائمة في ذلك الوقت بإنشاء صناديق استثمارية للاستثمار في السوق المالية السعودية.
كان من أهم محفزات قرار السماح هذا وجود آلية جديدة من شأنها المساهمة في استثمار السيولة المتوافرة في القطاع المصرفي السعودي من جراء عودة كمية ليست بالقليلة من الاستثمارات السعودية في الخارج عقب أزمة الخليج الثانية.
عندما نقرأ تطور ربحية وتنافسية هذه الصناديق منذ نشأتها إلى اليوم نجد أن أداءها كان متواضعا مقارنة بحجم استثماراتها عطفا على مجموعة من المسببات, التي من أهمها تواضع الخبرات الاستثمارية لدى القائمين على هذه الصناديق، وعدم استثمار المصارف السعودية الاستثمار الكافي في التسويق لهذه الصناديق في مجتمع المستثمرين الأفراد السعوديين.
ليس وحدها نقص الثقة بالاستثمار المؤسسي المسؤول الوحيد عن تراجع أداء السوق المالية السعودية في الفترة الأخيرة, حيث يلقى باللوم أيضا على تواضع الصعيد المعرفي بأنماط الاستثمار المؤسسي المتاحة أمام المستثمرين.
يستند هؤلاء على الأرجح في قراراتهم الاستثمارية إلى معلومات ضئيلة ويتأثرون كثيراً بالإشاعات في الوقت الذي يأملون فيه أن تعود عليهم استثماراتهم المتواضعة بأرباح مضاعفة خلال فترة زمنية قصيرة. سبب هذه الفجوة في منطقتنا العربية، والثقة في الاستثمار المؤسسي وأنماطه، وأثر ذلك في الاقتصاد الوطني جميعها محاور جديرة بالمدارسة في وقت تنتظر السوق المالية السعودية دورا أكبر للمستثمر المؤسسي عن الدور الحالي.
كما هو معلوم، فإن الاستثمار المؤسسي يعتمد في قراراته الاستثمارية على الدراسات والإحصاءات التي تقدمها الشركات, إضافة إلى إحصاءات الأسواق التي يستثمر فيها. في حين أن الاستثمار الفردي يعتمد في توجهاته واستثماراته على قرارات ارتجالية إذ لم يكن يعتمد على الشائعة أو المعلومة غير معروفة المصدر.
من المفارقات الواضحة في هذا الجانب أن حجم مشاركة الاستثمار المؤسسي في الأسواق المالية العالمية يشكل أكثر من 85 في المائة من إجمالي حجم التداول. في حين نجد العكس تماماً في المنطقة العربية, إذ إن المستثمرين الأفراد هم أغلبية المتداولين في أسهم الشركات المدرجة.
لعل وجود الفجوة بين نمطي استثمار المستثمر المؤسسي والمستثمر الفردي أمر طبيعي عطفا على مجموعة من الأسباب التي من أهمها حداثة عمر الأسواق المالية العربية، باستثناء سوقي عمان والقاهرة الماليتين، وجود الاتصال المباشر بين المستثمر الفردي والسوق المالية. وعلى الرغم من ذلك إلا أن السوق المالية السعودية تحاول إعادة هيكلتها بما يقلل هذه الفجوة. تعني هذا التحولات انتقال منظومة السوق المالية السعودية من منظومة أحادية تمثلت في علاقة مباشرة بين المستثمر الفردي والسوق المالية، إلى منظومة متعددة الأطراف ستتمثل في علاقة غير مباشرة بين المتداول والسوق المالية.
قد يشكل هذا الانتقال في العلاقة من أحادية إلى متعددة أرضية خصبة لنشأة تجاوزات مقبلة ليس بسبب حداثة التجربة فحسب، إنما بسبب تواضع الوعي الاستثماري لدى المستثمر الفردي. وبسبب أن تعدد الأطراف في المنظومة الواحدة يعني زيادة حدة التواصل بين أطراف المنظومة، وإمكانية تعارض المصالح الاقتصادية، فإنه يجب تأكيد أهمية تطوير حوكمة عمل المستثمر المؤسسي ومراجعتها وتطويرها بشكل مستمر بحيث تراعى فيها الاستقلالية والتكاملية.