المعركة الوطنية ضد استنزاف الطاقات البشرية
من المحزن أن يتجاوز عدد المدمنين حول العالم 200 مليون شخص، وأكثر من ذلك سوءا أن تكون المملكة من بين أكثر الدول المستهدفة بآفة المخدرات. ولكن في المقابل يسر المرء بمعرفة أن أجهزة الدولة المختصة تحقق إنجازات كبيرة في الإيقاع بالمروجين ومن يساندهم. ولكن ما تلبث أن تشعر بقشعريرة الخوف والألم من التركيز على استهداف بلادنا وشبابنا بهذة الآفة. وينمو إلى عقلك الدور الفعلي الذي يقوم به المواطن في المساهمة في درء هذه المفسدة والذود عن حمى الوطن.
إن استهداف المملكة وشبابها وطاقاتها غير مستبعد لما تحظى به من مكانة إقليمية ودولية، ولما تنعم به من نعم الاستقرار والرخاء، ومع ذلك فالمملكة ـ ولله الحمد ـ تعد من أكثر الدول صرامة في الرقابة على المخدرات ومنتجاتها، إلا أن الدوافع الشريرة والخفية, إضافة إلى المكاسب المالية الضخمة هي التي تدفع بهؤلاء المجرمين للمغامرة والدخول إلى السوق السعودية.
تابعنا الحملات الإعلامية المكثفة خلال الفترة الماضية التي صاحبت الإيقاع بكميات كبيرة من المواد المخدرة التي تزامنت مع موسم الاختبارات الدراسية لنهاية العام الدراسي الفائت، ولكن الأمل أن تستمر هذه الحملات الإعلامية على مدار العام وألا ترتبط بمواسم عن مواسم أخرى. الخطر المدقع بنا جسيم والإمكانات المتاحة والوعي لا تتواكب في التطور والتفاعل مع التطور الحاصل في جانب الشر لدى المروجين وأعوانهم.
إن أضرار المخدرات الاجتماعية والاقتصادية على الفرد والوطن ليست في حاجة إلى دراسة أو توضيح, فآثارها المدمرة على المستويين الشخصي والأسري يمتدان للتأثير في المستوى الوطني. ولذلك فالتوعية المستمرة مطلب لمحاربة ضعاف النفوس الواقعين في هذا البلاء، ومن أجل ذلك نشأت فكرة هذا المقال.
الإدمان والتعاطي ليسا حالة فردية، بل إن المتعاطي قد يكون طعما لغيره من الأبرياء الذين يقعون ضحية لهذا الداء. وكما ذكر في إحدى الدراسات أن المتعاطي يجلب 17 شخصا إلى عالم الإدمان، وغالبا ما تبدأ حالة التعاطي من خلال الاجتماع مع أصدقاء السوء، ومع عدم الاكتراث بما سيؤول إليه هذا الفعل.
يقوم جهاز مكافحة المخدرات في المملكة بعمل جبار لمحاربة هذه الآفة والقائمين عليها، فقد صرفت المملكة ممثلة في وزارة الداخلية المبالغ الطائلة على تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في قطاع مكافحة المخدرات، لكن الملاحظ أن هذه المبالغ المصروفة والخطط والبرامج يقابلها ازدياد مهول في إمكانات التهريب والترويج، ما يقلل من تأثير جهاز المكافحة. لذلك تعالت الدعوات من كثير من الكتاب والمهتمين لوزارة الداخلية لتطبق سياساتها الناجحة في مكافحة الإرهاب في مجال مكافحة المخدرات، فالمخدرات تستهدف كل فئات الشعب وهي لا تقل خطرا على المدى البعيد في التدمير عن خطر الإرهاب، لذلك فجهاز مكافحة المخدرات في حاجة إلى تطوير وزيادة في مجالات مختلفة منها على سبيل المثال، زيادة الكفاءات المؤهلة لمواجهة هذه الآفة وأهلها ولذلك فحق لنا أن نعجب من أن يكون عدد الموظفات الحكوميات في إدارة مكافحة المخدرات في إحدى مناطق المملكة الرئيسة، لا يتعدى عشر موظفات, لذلك أرى أن زيادة الكادر المؤهل في جهاز مكافحة المخدرات أصبح حاجةً ملحة في هذا الوقت. ومع انحسار إمكانات مكافحة المخدرات، إلا أن الجهاز الحالي يقوم بمجهودات جبارة والدليل على ذلك حجم المضبوطات التي يتوالى الإعلان عنها.
أما ما يتعلق بعلاج حالات الإدمان والتعاطي، فإن إمكانات العلاج لا تزال ضعيفة جدا مقارنة بالحاجة فإمكانات العلاج المتاحة في المملكة لا تتجاوز 600 سرير، في حين يفوق عدد الملفات الطبية للعلاج من مشكلات المخدرات ذلك بكثير. كما أن دور العلاج في كثير من المستشفيات لا يزال تائهاً بين العلاج من الإدمان وأقسام الصحة النفسية, وهما حالتان غير مرتبطتين. فقد أسندت مهمة معالجة الإدمان إلى مستشفيات وزارة الصحة وهي التي تعاني نقصاً في مختلف المجالات، في حين أن مستشفيات معالجة الإدمان التي تحتاج إلى كوادر مؤهلة في التعامل مع المتعاطين والمدمنين يجب أن تكون جزءا من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وأن تعمم على مناطق المملكة الرئيسة فوجود مستشفيات أو مراكز علاج متخصصة ومرتبطة بجهاز مكافحة المخدرات سيمنحها صلاحيات أفضل. فالأرقام المعلنة في هذا المجال مخيفة جدا والوطن في حاجة إلى دراسة وقرار لحل هذه الإشكالية.
إن التعامل مع المتعاطي على أساس أنه مذنب يستحق العقوبة تعامل قاصر قد يفضي إلى استفحال وتمادي الحال بمن وقع في هذه المستنقع قاصدا أو مغررا به, فالمتعاطي أو حتى المدمن يجب أن يتعامل معه على أساس أنه مريض أصيب بعارض طارئ، قد يعالج منه ويعود عضواً نافعاً في حياته وأسرته. أما التعامل مع المتعاطي على أنه جان وقد يصل الحال به إلى الفصل من عمله أو استصدار قرار قضائي ضده، لا يحقق أي مصلحة, خصوصاً أنه قد يشعر بأنه فقد كل شيء في حياته فيتسبب في عودته إلى الإدمان وقد يتمادى به الحال إلى المساهمة في الترويج ليوفر لنفسه احتياجاته.
أما في مجال التوعية ضد المخدرات ومساعدة المتعاطين على العودة للحياة الطبيعية فيجب أن يفعل فيها دور جمعيات المدمن المجهول, فهذه الجمعيات تنتشر في بعض المناطق وتعمل بالتعاون مع إدارات مكافحة المخدرات, لكن هذه الجمعيات لا تحظى بالدعم المالي أو المعنوي الذي يساعدها لتقوم بالدور المأمول منها. فقد التقيت أحد الأعضاء لجمعية المدمن المجهول وأطلعني على الدور الكبير الذي يقومون به، وعلى التسهيلات التي يجدونها من قبل إدارة مكافحة المخدرات في مدينتهم. لكنه اشتكى من شح المصادر ومن التعاون من قبل أفراد المجتمع والتجار لمساعدتهم للأخذ بأيدي الشباب لتخطي مشكلات الإدمان, لذلك أطالب الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بأن تدرج هذه الجمعيات ضمن خططهم المالية والإعلامية ليتمكنوا من المساهمة في حل مشكلة المخدرات وانتشارها بين الشباب، ولا سيما أن أغلبية أفراد هذه الجمعيات من المدمنين السابقين, الذين من الله عليهم بالعلاج والتخلص من آثار ومشكلات المخدرات.