عندما تكون الأحلام واقعا

يفرح الفرد عندما يسمع عن مشروع أقيم هنا أو هناك من مناطق بلادنا العزيزة, ويطرب كثيراً لأن هذا المشروع, أياً كانت طبيعته, يلبي احتياج الناس في ذلك المكان سواء كان مرفقاً تعليمياً, أو مرفقاً صحياً, أو طريقاً يسهل على الناس حركتهم, وتنقلاتهم, كما أن هذه المشاريع تمثل صورة من صور استخلاف الأرض التي أمرنا الله بعمارتها والعناية بها, وتسخير ما فيها من خيرات لمصلحة الإنسانية جمعاء.
 شعرت بشعور الفرح والسرور يوم الثلاثاء 18/9/1430هـ الموافق 9 أيلول (سبتمبر) عند الساعة الثامنة مساءً بتوقيت الرياض الساعة التاسعة بتوقيت دبي وأنا أشاهد حفل افتتاح مترو دبي أو سكة قطار دبي.
استغرق تنفيذ المشروع أربع سنوات, ويعد أطول مترو في العالم, ويوجد له 29 محطة, ومع أن المشروع لم يكتمل بكل خطوطه إلا أن افتتاح الخط الأول مع هذه الظروف المالية العالمية, وتلك التي مرت بها إمارة دبي يمثل إنجازاً يحق للإماراتيين. ولنا نحن أبناء الخليج والعالمين العربي والإسلامي أن نفخر به, ونسعد لأنه مشروع على أرض من الأرض العربية ويؤكد حسن استثمار الأموال والثروات بدلا من صرفها في أمور لا يكون لها أثر ملموس في نمو المجتمع, ورقيه, ولا في تسهيل وتذليل الصعوبات التي تواجه المواطنين والمقيمين في ذلك الجزء من أرض الخليج.
أول زيارة قمت بها إلى دبي كانت عام 1416 هـ, وكانت الحركة المرورية صعبة بل خانقة في كثير من شوارع المدينة, وعندما زرتها عام 1418 هــ وجدت الحركة المرورية أشد صعوبة, وهكذا في الزيارات اللاحقة أجد أن حركة السير تزيد في شدة الزحام, والاختناقات المرورية المرهقة للأعصاب, والمضيعة للوقت, والمؤثرة سلباً في الناحية الاقتصادية نظراً لما تحدثه من بطء في انتقال الأفراد والبضائع من مكان إلى آخر.
 هذا المشروع الجبار يعد عند اكتمال خطوطه أطول مترو في العالم ويفوق في ذلك مترو مدينة فانكوفر في كندا حيث يزيد عليه بثلاثة كيلو مترات. كما أن المرحلة الأولى من المشروع ستكلف 15 مليار درهم, أما التكلفة النهائية للمشروع فستبلغ 28 مليار درهم, وهذه التكلفة عائدة إلى التغيير الذي حدث في مخطط المشروع وتصاميمه كما يقول المسؤولون عنه.
 ويتوقع القائمون على المشروع أن يحقق إيرادات تصل إلى 18 مليار درهم خلال عشر سنوات من بداية تشغيله, ومع أن هذه الإيرادات لا تمثل ربحاً لكن المشروع في حد ذاته يمثل مكسباً للإمارة نظراً للتسهيلات التي يحدثها في الحركة المرورية داخل مدينة دبي . أسند تصميم هذا المشروع ودراساته وتنفيذه وتصنيع عرباته وصيانتها إلى تجمع شركات يابانية من أهمها شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة, وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده فريقي الإماراتي التابع لهيئة الطرق في إمارة دبي أشار المسؤولون إلى أن عملية التنفيذ لهذا المشروع خضعت لإشراف استشاريين من جهات عدة منهم من يتبع لهيئة الطرق في دبي, ومنهم من يتبع للشركات المنفذة, ويوجد استشاريون مشرفون من المملكة المتحدة تعاقدت معهم هيئة الطرق في دبي للإشراف على المشروع ومتابعة تنفيذه.
هذه لمحة عن المشروع الذي أصبح على أرض الواقع وبدأ عمله في مدينة دبي, ولم يعد مشروعاً على ورق كما كان قبل بدء التنفيذ قبل أربع سنوات.
المشاريع تبدأ في الغالب حتى إن كانت ضخمة بفكرة تجول في ذهن مسؤول رفيع, أو مسؤول ميداني يتعامل مع الحياة اليومية للناس, ومع الوقت تتبلور الفكرة وتنمو حتى تلح على صاحبها ليطرحها بصورة مبدئية على من في يده اتخاذ القرار, وإن وجدت الفكرة قبولاً من قبل المسؤول الأكبر تبدأ الفكرة في أولى خطواتها لتتحول إلى مشروع يلمس أثره على أرض الواقع فيما بعد, حيث تبدأ الدراسات والتصاميم من قبل المتخصصين وذوي الخبرات وذوي العلاقة كافة سواء في جانبه الفني أو الإداري أو المالي أو في شقيه الاجتماعي والسلوكي.
 وعند أخذ الأمور ذات العلاقة كافة في الاعتبار, ودراستها من قبل المختصين يطرح المشروع على الشركات أو ذوي الخبرة ليتحول المشروع, وفي فترة زمنية محددة إلى قيمة مادية واجتماعية وحضارية يلمس أثرها كل من يتعامل مع هذا المشروع, وعلى حسب طبيعة المشروع.
 المشاريع سواء كانت على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الأسر أو المجتمعات هي حلم ينمو مع صاحبه, لكن الحلم كي يتحول إلى حقيقة يحتاج إلى إرادة وعزيمة وتصميم, كما يحتاج في جانبه المادي إلى توفير المال الذي يمكن من تنفيذ المشروع, كما يحتاج إلى الخبراء العارفين في المجال وهذا لا يتحقق إلا في المجتمعات التي تعتمد مبدأ الأولويات في مشاريعها ومجالات صرفها, كما لا يتحقق إلا في المجتمعات التي تتوافر لدى مسؤوليها النظرة المستقبلية الثاقبة التي تجعلهم يتجاوزون الزمن الذي يعيشونه إلى زمن لن يعيشوه بأنفسهم, ولكن سيعيشه من يأتي من أبنائهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي