كل 999 وأنتم بخير..ولكن اقتصادياً!
مر علينا تاريخ التاسع من أيلول (سبتمبر) لعام 2009 الأسبوع الماضي وبهذه المناسبة التي لا تمر إلا بالقرن مرة واحدة تبادل بعض الناس رسائل مضحكة أو تهاني ملبسة بشيء من المزاح وما شابهها واستوقفني التاريخ ليس لتفرده بحدوثه أو لشكل كتابته ولكنه يأتي تقريباً بعد عام من الانهيار الذي أصاب العالم أجمع بأزمة مالية بدأت من نيويورك وألقت بظلالها على الاقتصادات العالمية بلا استثناء. ففي رمضان العام الماضي بدأت بوادر الانهيارات الاقتصادية فظهرت الآثار على أسرع عاكس للاقتصاد وهو «سوق الأسهم» وبعد العيد تتالت الأخبار المشؤومة وانهار معها السوق في تذبذبات أوصلته إلى القاع استجابة لمخاوف الكساد العالمية وانهيار النظم المالية. وأثناء تلك الأخبار العالمية وبعدها تباينت الآراء في جملتها عن حجم الانهيار والكساد ومدته وآلية إنقاذ العالم من هذه الكارثة فمنهم من ضخمه بشكل غير معقول وآخرون رأوا أن لا أمل في الخروج وأن ويلاته الاقتصادية ستمتد عقوداً من الزمن. وطيلة هذا العام الماضي بأحداثه الدامية اقتصاديا اتخذت خطوات عملية من قبل الدول الصناعية وعقدت المؤتمرات وانتهجت خطوات جديدة في الاقتصادات وحفزها على الانتعاش واتخذت إجراءات من أهمها رقابات أشد حزماً على الائتمان والمؤسسات المالية وأشرك في صنع القرار الاقتصادي دول في منظور الدول الصناعية تتدنى أهميتها اقتصادياً. بعد أن أدرك الجميع أن الاقتصاد العالمي لا تديره تلك الدول الصناعية وحدها وأن الاقتصادات النامية والناشئة ليست أقل أهمية في تحفيز الاقتصاد العالمي. ونتيجة لهذه الجملة من الأحداث والتدابير لملاقاتها طيلة العام انحسرت المخاوف من الكساد ولم تتحقق أسوأ المخاوف بل يعتقد المحللون الاقتصاديون أن الاقتصادات على وشك إن لم تكن فعلاً عاودت النمو مرة أخرى. فهل كان الانهيار والمخاوف من الكساد محنة لم تتحقق بالحجم المهول الذي صوره الاقتصاديون والساسة وكما لو كان التهويل مثل مشكلة 2000 لأجهزة الكمبيوتر أو مرض (سارس) ولربما الآن إنفلونزا الخنازير!
الحقيقة أنني لا أرى الميل إلى النقيضين إما التهويل وإما الإفراط في تخفيف حجم المشكلة الاقتصادية, فالانتعاش العالمي سيأتي ولكن ببطء نسبياً ولكن بوتيرة أسرع مما حصل في كساد الثلاثينيات مثلما ذكر أحد اقتصاديي منظمة التعاون الاقتصادية للتنمية وكشاهد على ذلك أن البيانات الرسمية لنحو 70 دولة عالمية ارتفع إنتاجها الصناعي بنسبة 2 في المائة من مستويات أيار (مايو) أي أعلى من معدل ارتفاع في شهر منذ 1991م.
وفي اقتصادنا المحلي الأثر من هذه الأزمة بكل تأكيد لا يصل إلى الكساد بقدر ما هو تخفيف ذو معنى لوتيرة النمو المتوقع في إجمالي الناتج عموماً. لقد أصيب الاقتصاد المحلي بضربات مضرة جراء هذه الأزمة المالية لأسباب عديدة ولكنها في تقديري فردية الحدوث وليست جماعية وسيتجرعها الاقتصاد دون عمليات قيصرية ولكن من الأهمية بمكان أن نأخذ من عبر مسببات الأزمة والتي من أولها ضبط الأسواق والرقابة الائتمانية ورفع درجات الشفافية والعدالة وتحكيم قوانين وسنن العمل على أصوله دون الاكتفاء فقط بضمانات الأسماء والسمعة. وكل حل أزمة وأنتم بخير.