حوارات الاتجاه المعاكس
بعد الاستئذان من قناة ''الجزيرة'' القطرية، أود أن أستعير العنوان أعلاه كمدخل إلى القضية الفلسطينية التي استعصت على الحل لأكثر من 60 عاماً، بل أنها اختارت أن تسير من سيء إلى أسوأ، والله أعلم إلى أي مدى ستهوي وأهلها متشرذمون ومنقسمون على أنفسهم. لا أحد منهم اليوم يحكي عن القضية بينهم وبين العدو الصهيوني الذي ظل يبتلع أرضهم شبراً شبرا طوال سنوات الاحتلال ولا يزال، لأنهم لاهون بما يُسمونه ''المصالحة'' بين الحركات وما أدراك ما الحركات، والفصائل التي تنتظر دورها تأهباً للانقضاض للحصول على نصيبها من الغنيمة، إن كان هناك غنيمة. ولكن على ماذا يتفاوضون؟ هل هو على اقتسام السلطة المفرغة من أي معنى؟ أم للحصول على حصة من المساعدات المالية التي تبرع بتقديمها أهل الخير لغزة المنكوبة؟ نحن لا نظن بالجميع إلا الخير، ولكنهم جميعاً مخطئون، لأنهم يسيرون في الطريق المعاكس لمصلحة قضيتهم.
الكل يشاهد البرنامج الأسبوعي الشهير ''الاتجاه المعاكس'' الذي تُقدمه قناة ''الجزيرة'' القطرية، فهل حصل يوماً أن اتفق الطرفان المتحاوران بعد العراك والملاسنات التي غالباً ما تكون غير مناسبة إطلاقاً، فلا رابح ولا خاسر بعد انتهاء البرنامج. وهذا ما هو حاصل بين الحركات والفصائل، محادثات مملة وواسطات عقيمة ونتائج مخيبة للآمال، لأن معظم المشكلات بينهم شخصية بحتة لا علاقة لها بمستقبل القضية وجوهرها. ونتساءل: ما الشيء الجميل الذي سيتفقون عليه إذا لم يكن التنازل الكامل من قِبل الجميع وفتح المجال لقيام قيادة موحدة للشعب الفلسطيني، ليس من بينهم منْ كان ينتمي إلى الحركات والفصائل الحالية؟ وهل يعز على المخلصين من القيادات العتيقة أن يُعطوا الفرصة لإخوان لهم أصغر سناًّ وأصلب عودا،ً ليواجهوا غطرسة عدوهم بأسلوب علمي يقلب على الدولة اليهودية كل الموازين؟
على الرغم من كل الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني والإهانات والتجويع الذي تمارسه في حقهم أمام سمع العالم وبصره والحصار الظالم وتجريف ممتلكاتهم، فإنها لا تزال مسيطرة إعلامياًّ على الرأي العام العالمي. هل يُعقل هذا، لو لا انشغال القيادات المختلفة مع بعضها واختلال مراتب أولوياتها؟ وهل من المعقول أن نرى الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر يأتي إلى قطاع غزة متباهياً وهو يحمل معه رسالة إلى الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط من أهله وليطمئن على صحته وأنه على قيد الحياة، بينما أكثر من 11 ألف سجين فلسطيني يقبعون في سجون إسرائيل، بعضهم لأكثر من 20 عاما؟ أين العدل في هذه المعادلة يا سيد كارتر؟ أنت رجل متدين ويُقال عنك أنك تحب فعل الخير، أفلا تخجل من الله وأنت تنحاز إلى الصهاينة في وضح النهار؟ لماذا لم تقل لنتنياهو والمجرم الآخر ليبرمان عيب عليكم تطالبون برأس أسير حرب واحد ولديكم الآلاف من الفلسطينيين بين رجل وامرأة وطفل، أغلبهم سحبتموهم من بيوتهم في آخر الليل؟. إنه الإعلام الإسرائيلي المسيطر على الساحة الفلسطينية ـ الإسرائيلية في ظل غياب تام للإعلام الفلسطيني والعربي على حد سواء. فليس لدى الفلسطينيين وقت يصرفونه لقضيتهم خارج منازعاتهم ومحاوراتهم البيزنطية، هداهم الله وألهمهم الصواب.
ومن الواضح من طريقة اتصالاتهم مع بعض والمواضيع التي يتطرقون إليها خلال اجتماعاتهم التي تتم بوساطة و''حب خشوم'' أن الفرقاء يسيرون في خطوط متوازية، ومن المستحيل أن يلتقوا أو أن يتفقوا على أي شيء. وهذا يعني بالفصيح أن تظل القضية الفلسطينية معلقة لحين يفنى الجيل الحاضر ويبعث الله جيلاً جديداً ذا قوة (بإيمانه) وذا بأس شديد ليسترد كل ما فرط به أجدادهم. فلم يكتف اليهود بسرقة الأرض والاستيلاء عليها بحجة توسيع المستوطنات وخدعة المتطلبات الأمنية، فقد بدأوا بتنفيذ أسلوب جديد يتضمن إنكار وجود أي حق للفلسطينيين للعيش على أرض أجدادهم ويُحاولون طردهم إلى البلاد العربية المجاورة، مستغلين انشغال الفرق الفلسطينية عن جوهر القضية.
يا زعماء الحركات ويا قياديي الفصائل هل هذا ما تطمحون إلى تحقيقه؟ وهل الوطنية والمواطنة التي يتمسك بها كل مجموعة تملي عليكم هذا الواقع المأساوي؟ وما دام أن لكل حركة ولكل فصيل مبادئ تناقض ما عند الآخر فكيف يطمح أي فريق إلى أن يتغلب على الآخرين ويتفرد بقيادة الشعب الفلسطيني؟ إن هذا الواقع مرفوض يا قوم، فعودوا إلى رشدكم وتنازلوا جميعاً وسلموا المسؤولية لغيركم من الجيل الصاعد الذي لم ينتم في حياته إلى أي من الحركات والفصائل المتناحرة. وثقوا أن ذلك سيكون قمة الإخلاص والتضحية منكم من أجل قضية الأمة الفلسطينية. وإذا لم تخجلوا من مواقفكم فعلى الأقل خافوا من الله الذي يعلم سرائركم ونياتكم. شعبكم ضائع وممزق ومهدد في وجوده، حيث يعيش في ''كنتينات'' وفي قرى معزولة عن بعضها والعدو ينهش أطرافها، ولا يدري إلى منْ يشتكي، فالكل مشغول عنه. وإذا كنا نسمي عام 1948م عام النكبة، فالحقيقة أن الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوقت وهو يمرُّ بنكبات موجعة متتالية. ويكفي ما تعرضت له غزة نهاية العام الماضي من قتل ودمار وتشريد على أيد العصابات الصهيونية، وهي لن تكون آخر النكبات ما دامت الحركات والفصائل الفلسطينية منقسمة على نفسها وقياداتها ينامون ملء جفونهم ويعيش معظمهم حياة ترف. ومما يزيد من آلام شعبهم أنهم كانوا يسمعون عن المعونات السخية ويشاهدون على التلفاز الأرقام الخيالية التي تبرع بها لهم إخوانهم ممن يسر الله عليهم، ولكنها بقدرة قادر لم تصل إليهم بعد بسبب خلافات وهمية بين السلطة الفلسطينية، أو بالأحرى بين حركتي فتح وحماس.
و قبل أن نختم، دعونا نستمع إلى آخر الأخبار! المسؤولون في السلطة الفلسطينية ''العرجاء'' مشغولون هذه الأيام بالبحث عن موقع مناسب يصلح لأن يكون مطاراً للدولة الفلسطينية المستقلة! يا سبحان الله، أنتم وين؟ وحل القضية وين؟ ومتى صار المطار من أولى الأوليات؟