دعوة إلى تأسيس نظام مالي أكثر عدالة بعيدا عن المضاربات وقريبا من الاستثمار
اعترف خبراء البنك الدولي في ردهم حول الآراء التي تطرح بأن نجاح البنوك الإسلامية في مواجهة الأزمة العالمية دليل على الخلل الموجود في أسس الرأسمالية ذاتها، بأن هذه الأزمة الأخيرة أظهرت سلامة المبادئ التي تقوم عليها أنشطة هذه البنوك خاصة بعد بروز تجاوزات في إطلاق العنان للرأسمالية. غير أنهم رفضوا أن يكون الحل هو تفكيك الرأسمالية، التي أدت إلى أسرع التطورات الاقتصادية في تاريخ الاقتصاد، كما يقولون، وإنما هو إصلاح الأنظمة الرقابية ولاسيما في الأسواق المالية والتي تسمح بحدوث تحمل مفرط للمخاطر.
واتضح من مناقشات اجتماعات الدول العشرين التي أجريت أخيرا أن كثيرا من الدول الأعضاء ومن بينهم السعودية يطالبون بإصلاحات جذرية في النظام المالي العالمي، لكي يكون أكثر عدالة وشفافية وبعيدا عن المضاربات وقريبا من الاستثمار الحقيقي، وهي المبادئ نفسها التي تقوم عليها أنشطة البنوك الإسلامية في المملكة العربية السعودية وهي عضو في مجموعة العشرين.
ويقول خبراء البنك من الواضح أن هذه الأزمة كشفت عن تصدعات خطيرة في القطاع المالي وجوانب الضعف في مجالات الرقابة والإشراف. وفي حين أن مؤسستي بريتون وودز غالبا ما تكونان محط الأنظار طلبا للمشورة والتمويل في العالم النامي، فإن العالم المتقدم كان في بعض الأحيان أقل استجابة لمؤشرات التحذير. وإنصافا لصندوق النقد الدولي، فإنه أشار إلى الاختلالات الهيكلية في اقتصاد كثير من بلدان العالم الكبرى في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فكما أشار زعماء مجموعة العشرين، كان ينبغي منذ وقت طويل إجراء إصلاحات جدية للنظام الرقابي المالي العالمي، وبعض هذه الإصلاحات قد يتناول صلاحيات المؤسستين اللتين نشأتا بعد الحرب العالمية الثانية. وأحد الإصلاحات التي بدأت بالفعل في مؤسستي بريتون وودز هي زيادة أصوات ومساهمة بلدان الأسواق الناشئة في صنع القرار تعبيرا عن زيادة ثقلها الاقتصادي في العالم.
وفيما يخص آثار الأزمة في البلدان العربية المنتجة للنفط والبلدان العربية غير المنتجة للنفط، قال هؤلاء الخبراء إن التقلب الشديد لأسعار النفط أصبح الآن المشكلة الرئيسية. وإضافة إلى ذلك، ينبغي للمرء أن يدرك أيضا تأثير سياسات ''أوبك'' المتصلة بالأسعار على الآفاق الاقتصادية العالمية. وأكثر البلدان المصدرة للنفط حكمة وحصافة تضع خططها الاقتصادية وإنفاقها على أساس سعر النفط على المدى الطويل، لا على أساس السوق الفورية شديدة التقلب، ولأن معظمها أيضا لديه مستويات عالية جدا من الاحتياطيات من العملات الصعبة، فسيكون بوسعها تخفيف أثر انخفاض دخولها على المدى القصير. وأما البلدان غير المنتجة للنفط في المنطقة، فإن التحديات التي تواجهها تماثل تحديات البلدان النامية الأخرى، ويتعين عليها أن تتكيف مع بطء النمو العالمي وانخفاض تدفقات رؤوس الأموال إليها. وفي الشرق الأوسط، فإن هذا الوضع يزداد تعقيدا من جراء احتمال انخفاض تدفق التحويلات المالية للمغتربين وإمكانية تراجع فرص العمل في بقية أرجاء العالم. ونتوقع أن يكون عام 2009 عاما صعبا لكثير من هذه الأسباب.
ويأتي الجدل الدائر حول إصلاح النظام المالي العالمي وسط قلق خبراء الدول الصناعية بشأن كيف يمكن أن تكون هذه الأزمة أعادت تشكيل الاقتصاد العالمي وكيف يمكن أن تكون غيّرت العولمة بطرق من شأنها إعاقة الانتعاش في العديد من البلدان. ويتناول غاني إجاز المستشار الاقتصادي لمكتب منطقة جنوب آسيا في البنك الدولي بعض التساؤلات التي أخذت في الظهور حول ما يمكن أن يكون شكل الاقتصاد العالمي بالنسبة لهذه المنطقة. ويقول إن العولمة عجلت خطى النمو الاقتصادي في منطقة آسيا وأسهمت في تقليص الفقر وتخفيض أعداد الفقراء في عقود السنوات الثلاث الماضية. غير أن الأزمة العالمية الحالية يمكن أن تغيّر العولمة نفسها، وذلك مع تكيّف البلدان المتقدمة مع الاختلالات العالمية التي أسهمت في حدوث الأزمة. وقال غاني: ''جوانب العولمة الثلاثة – التدفقات المالية، تدفقات التجارة، وإدارة الاقتصاد – يمكن ألا تظل على حالها في المستقبل. ويشعر بعض وزراء المالية بالقلق تجاه ما إذا كانت تغيّرات العولمة ستساعد أم تعوق خطى الانتعاش الاقتصادي''.
وفيما يخص تدفقات رأس المال للدول النامية، يقول غاني إنها شهدت طفرة قوية في السنوات الأخيرة، ولكنها انهارت عقب الأزمة الحالية. و مع استمرار إعادة الهيكلة المالية على الصعيد العالمي، سيستغرق انتعاش تدفقاتالرساميل من القطاع الخاص الأجنبي بعض الوقت. وحتى في ذلك الحين، ستنخفض القدرة على الحصول على تلك التدفقات في البيئة الجديدة المتسمة بالإحجام عن تحمل المخاطر، كما ستزداد تكلفة الحصول على رأس المال. ومن شأن هذا أن يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي .
أما فيما يخص التدفقات التجارية، فإنها أيضا حققت نمواً كبيراً في العقد الماضي من السنوات، مما أسهم في زيادة معدلات نموها. فالعديد من البلدان التي تعاني الأزمة الحالية في هذه المنطقة زادت سرعة انتعاش اقتصاداتها بمساعدة من توسيع الصادرات. علماً بأن انتعاش بلدان منطقة آسيا عقب الأزمة التي وقعت في تسعينيات القرن الماضي تحقق بفعل الصادرات إلى البلدان المتقدمة. و نظراً لأن الأزمة الحالية متزامنة وذات طبيعة عالمية، فقد انخفض مجال الانتعاش المدفوع بالصادرات.
ويركز النقاش العالمي الآن على كيف سيؤدي انخفاض التجارة إلى الحد من خطى الانتعاش في البلدان النامية، مما أسفر عن التغاضي عن الأدوار الأخرى التي تسهم بها التجارة في تشجيع النمو في البلدان النامية. وتشمل تلك الأدوار اكتساب المعرفة وعوامل خارجية تنجم عن التجارة، وهي عوامل ضرورية لتحقيق النمو. فالأزمة العالمية الحالية لم تُخفّض رصيد المعرفة في البلدان المتقدمة، وهو ما يمكن للبلدان النامية استخدامه بما ينفعها.وفيما يخص إدارة الاقتصاد العالمي، فيقول غاني إن سرعة الانتعاش يحددها أيضاً نطاق وتنفيذ السياسات المالية العامة. والعديد من دول آسيا لديها نقاط ضعف في هذا المجال. فهي تعاني ارتفاع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي. وهذا ما يحد من نطاق وإمكانية أن تكون المحفزات من المالية العامة كبيرة. ويتوقف الانتعاش على تركيبة تدفقات رأس المال والتجارة وإدارة الاقتصاد. ومن شأن المنحى الجديد في العولمة خلق تحديات جديدة، ولكن أيضاً إتاحة فرص جديدة. فازدياد التجارة نتيجة لعولمة الخدمات وازدياد التبادل التجاري يتيح فرصاً جديدة.