المسلسلات الرمضانية .. دراما رمضانية أم تراجيديا وطنية؟
قد لا تتجاوز خلفيتي الدرامية أكثر من مادتين تتحدثان عن لغة الأفلام كنت قد درستهما قبل بدء دراسة الماجستير في أمريكا. لقد كانت نوعية العبارات المستخدمة في الأفلام محور المادتين ومدى توافق العبارات المستخدمة في كل فيلم مع طبيعة المشاهد في الأفلام التي تم اختيارها. ما لفت نظري أن كل فيلم من الأفلام له مذكرة من الحجم الكبير، إضافة إلى ملاحق تتعلق بالجوانب الفنية والنفسية الأخرى لكل شخصية character. كما أن لكل فيلم أهدافا محددة وكل مشهد من الفيلم يغطي جانبا من الأهداف. كما أن المشهد الأول في الفيلم قد يرتبط بالمشهد الأخير بطريقة إبداعية.
أما بالنسبة لمحتوى تلك الأفلام فتجد أن الرسالة العامة لكل فيلم تراعي التنوع الثقافي والعرقي في أمريكا (البيض والسود خصوصا). كما تراعي الصورة المشرقة لأمريكا خصوصا في دعم الديمقراطية ومحاربة أعدائها. فمثلا لقد راعت الأفلام التي قدمت في المادتين توازن القوى بالفهوم العرقي (العرق الأبيض والعرق الأسود)، سواء في تقمص دور الإنسان المناضل في سبيل نشر الديمقراطية أو تقمص شخصية الشرير الدكتاتور والمجرم. لقد استوقفتني كثيرا العبارة التي ذكرها مدرس المادة من أن بعض الأفلام لها رسالة خفية تخاطب العقل الباطن للمتلقي وقد لا تترسخ هذه الرسالة إلا بعد انتهاء الفيلم بفترة.
لقد استطاعت صناعة السينما في أمريكا أن تصنع أحداثا وأبطالا بطريقة تحترم عقل المشاهد، كما استطاعت تلك الأفلام أن تزرع صورة سلبية - في الغالب - عن بقية شعوب الأرض. ولعل قارئ هذا المقال والمتابع للأفلام الأمريكية يقر بأن خلفيته الثقافية عن بعض الشعوب نتاج مشاهدة بعض تلك الأفلام. فالصورة النمطية عن بقية الشعوب كالروس والصينيين واليابانيين والهنود والعرب والإسبان وغيرهم نتاج مشاهدة مسبقة لتلك الأفلام. فالسينما الأمريكية تسخر من جميع الشعوب لكنها تبرز بشكل إجمالي الرجل الأمريكي الرحوم المتعاطف مع فقراء العالم (قد توجد شخصية أمريكي في الفيلم سلبية، لكن الإطار العام للفيلم يظهر الأمريكي بشكل المناضل في دعم الديمقراطية). عند مراجعتي تلك الملفات القديمة نسبيا وأقارنها بالدراما السعودية أجد أن الدراما لدينا عبارة عن تهريج مبني على الضحك من غباء السعودي. فلا تميز المسلسلات السعودية بين التهريج والكوميديا. كما تعزز الدراما السعودية صورة نمطية سلبية عن السعودي. هذه الصورة تتمحور حول رجل يملك المال لكنه همجي ومتخلف ولا يحسن التعامل مع المرأة بحضارية. أو تعرض الدراما السعودية السعودي بصورة إرهابي دون إعطاء النموذج الإيجابي الغالب على الشخصية السعودية. أنا على يقين من أنه لو تم تغيير أبطال تلك المسلسلات وأصبحت أسماؤهم ديفد وجون، كما تغيرت أشكالهم وأصبحوا من أصحاب العيون الزرقاء والشعور الشقراء لوجدتنا نتسابق لتقديم اعتراض على الصورة المشينة التي أظهرنا بها ذلك الفيلم، ولدعونا إلى مقاطعة الشركة المنتجة.
المشكلة الكبرى في المسلسلات الرمضانية السعودية أنها لا تستخدم الدراما من أجل خلق صورة إيجابية عن السعودي أو السعودية كبلد أو تعزز الوطنية والتلاحم بين أبناء الشعب السعودي الواحد أو تبرز المنجز السعودي بطريقة مبتكرة، بل العكس تماما فللأسف إن بعض المسلسلات السعودية تستخدم الوطنية كوسيلة من أجل شن حرب ضروس ضد الطرف الآخر. فالقضايا المطروحة لا تدعم الوطنية واللحمة الوطنية وإنما تسيس الوطنية لخدمة طرف فكري على حساب طرف فكري آخر. فمن غير المنطقي أن يدفع السعوديون أموالا من أجل أن يسخر الآخرون منهم. فإذا كانت الأفلام الأمريكية تسخر من الشعوب الأخرى في أفلامها ومسلسلاتها، فإن بعض مسلسلاتنا السعودية تعمل العكس، وذلك بدعم الصورة الإيجابية عن الشعوب الأخرى وخلق صورة سلبية عن أنفسنا. فمثلا نجد أن بعض القنوات التي يملكها سعوديون ودخلها الإعلاني من قبل سعوديين تعزز الصورة المشرقة لدول أخرى كانت أولى بتبني وإنتاج وبث تلك المسلسلات. فمسلسل باب الحارة الذي استحوذ على نسبة عالية من المشاهدين استطاع أن يبرز الشعب السوري بطريقة إيجابية، ويدعم صورا من التلاحم والتكاتف بين الشعب الفلسطيني والشعب السوري الشقيق. كما أسهمت المسلسلات التركية في زيادة السياحة لها وإعطاء صورة ذهنية ونمطية عن الشعب التركي. من المخجل أننا لا نجد مسلسلا واحدا يقدمنا كسعوديين بنموذج إيجابي، على الرغم من دعمنا القضايا العربية والإسلامية والإنسانية على اختلافها. كما أن المؤسسات الخيرية العالمية والإسلامية والعربية تشهد وتشيد بالدعم السعودية لفقراء العالم على اختلاف أجناسهم ودياناتهم. فأين المسلسلات التي تبرزنا كداعمين لفقراء العالم؟ أليس من حقنا جميعا أن نتساءل: متى نرى مسلسلات سعودية تخرج من إطار التراشقات الفكرية؟
من المخجل أن مسلسلاتنا السعودية ركزت على تشجيع التعصب لأندية ''فكرية على حساب الوطنية. لذا أتمنى أن نشاهد مسلسلا أو فيلما داعما لصورة السعودي كمنتخب لا مشجعا لناد ''فكري معين.