خمسين .. ستين .. واحد
لقاء الأمير عبد العزيز بن سلمان بكتاب ''الاقتصادية'' هذا الأسبوع كان لقاء مثمراً بكل ما تعنيه الكلمة، فقد كان محور اللقاء التعريف ببرامج جمعية الأمير فهد بن سلمان لرعاية مرضى الفشل الكلوي والأمل الذي يعلقه كثير من المرضى على دعم أفراد المجتمع لهم سواء من خلال الدعم المادي أو المعنوي. حماس شديد أبداه سموه لبرامج الجمعية بدا واضحاً من خلال إلمامه بكل صغيرة وكبيرة في هذه الجمعية وبكل ما يتعلق بمعاناة مرضى الفشل الكلوي، فهو لم يكتف بكونه مشرفاً على أنشطة الجمعية بل يسهم إسهاما مباشرا في هذه الأنشطة سواء بالتوجيه أو اتصال بمسؤول أو الترويج لأنشطتها من خلال مثل هذه اللقاءات مع الكتاب أو الإعلاميين بشكل عام.
معاناة مرضى الفشل الكلوي كبيرة وتزداد يوماً بعد يوم. فهم يعانون مرضاً مستعصياً يتطلب منهم القيام بعملية غسيل كلى ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل، وفي كل مرة يتم فيها تنقية دم المريض بشكل كامل ولمدة تتجاوز ثلاث ساعات لكل عملية غسيل كلى. المسألة لا تقف عند هذا الحد، فقد يبدو للبعض أن تسع ساعات أسبوعياً من المعاناة ليست كثيرة، لكن المعاناة تتجاوز ذلك إلى مضاعفات قد تحدث للمريض، وأنواع معينة من الأكل وجهد وتعب قبل كل عملية غسيل كلى وبعدها، وأمل وانتظار وترقب لفرج الله بتوافر فرصة زراعة كلية التي تمثل الأمل الوحيد لعودة حياة مريض الفشل الكلوي إلى وضعها الطبيعي.
بالطبع، المعاناة تزداد عندما لا تتوافر لمريض الفشل الكلوي فرصة غسيل الكلى، إذ إن هناك نقصا كبيرا سواء في أجهزة غسيل الكلى، أو في الكوادر والمعدات والأماكن المناسبة اللازمة لتشغيل هذه الأجهزة، أو في الموارد اللازمة لصيانة وتجديد هذه الأجهزة التي لها عمر افتراضي لا يتجاوز ثلاث سنوات فقط. وهنا تظهر المعاناة عندما لا يعلم مريض الفشل الكلوي إلى أين سيذهب ومن سيستقبله ليقوم بعملية غسيل الكلى في وقتها المحدد، حيث ينتظر الكثير منهم ساعات طويلة لانتظار دورهم في الغسيل، وتخيل أنك تنتظر في كل مرة شخصا أو عدة أشخاص للانتهاء من عملية غسيل قد تتجاوز أربع ساعات.
المعاناة تزداد أيضاً إذا كان المريض يقيم خارج المدن الرئيسية ولا يتوافر في المدينة أو القرية التي يعيش فيها مركز غسيل كلى، ما يتطلب منه السفر ساعات طويلة وانتظار دوره في مركز غسيل الكلى لساعات أخرى قبل أن تبدأ عملية الغسيل، وكل ذلك ثلاث مرات أسبوعياً فضلا عن حالات الطوارئ التي قد تتطلب حضوره إلى المركز مرات إضافية، كما قد تتطلب تناول علاجات مكلفة جداً. وبالطبع كل ذلك يهون إذا كان الغسيل متوافراً بسهولة لهذا المريض، إذا لا يمثل هذا الأمر معاناة له فقط، ولكن معاناة لجميع أسرته وأقربائه الذين يتطلب مرافقتهم له في كل مرة يذهب فيها لإجراء عملية الغسيل الكلوي.
زيارة مراكز غسيل الكلى الخاصة قد تعطي انطباعاً عن تكلفة عملية الغسيل الواحدة، وقد أفاض فيها الأمير عبد العزيز بن سلمان، حيث أشار إلى أنها تتجاوز 1200 ريال لكل عملية غسيل، يعني 3600 ريال أسبوعياً، أو 14400 ريال شهرياً، أو 172800 ريال سنوياً. تخيل أنك - لا سمح الله - تحتاج فقط إلى دفع هذا المبلغ لإجراء عملية الغسيل بشكل منتظم ودون أي معوقات، أليس المبلغ كبيراً حتى على الأسر ذات الدخل الأعلى من المتوسط؟ وبحسبة مالية بسيطة يفهمها رجال المال والأعمال أكثر من غيرهم نحتاج إلى استثمار ما لا يقل عن مليوني ريال لنوفر عملية الغسيل لمريض واحد فقط.
جمعية الأمير فهد بن سلمان لرعاية مرضى الفشل الكلوي قدمت كثيرا من الجهد لتخفيف معاناة مرضى الكلى، فهي توفر عملية الغسيل المنتظم لقرابة 570 مريض فشل كلوي في المملكة، وبتكلفة تتحملها الجمعية أقل بكثير من مبلغ الـ 1200 ريال الذي تستقطعه مراكز الغسيل الخاصة، وهي لا توفر عملية الغسيل فقط، بل يشمل ذلك النقل والأدوية اللازمة لمريض الفشل الكلوي. لكن يداً واحدة لا تصفق، والصعوبات التي تواجهها الجمعية كثيرة، والألم والمرارة التي تحدث بها الأمير عبد العزيز عن مرضى الفشل الكلوي تعطي انطباعا عن الجهد الكبير الذي تبذله الجمعية والمسؤولون فيها لتخفيف معاناة مرضى الفشل الكلوي.
ما شدني في حديث الأمير عبد العزيز هو الحرفية العالية التي يتمتع بها سموه في الإشراف على هذه الجمعية، حيث أكد أن المسألة لا تقف عند توفير أجهزة غسيل الكلى ولكن تتعداها إلى معايير مراكز الكلى, حيث تتطلب بيئة نظيفة وصحية للقيام بعملية الغسيل تجنباً لأي مضاعفات قد يتعرض لها المريض، وتوفير الكادر المؤهل والقادر على الاضطلاع بهذه المهمة، وتوفير الأدوية والحقن التي يحتاج إليها المريض خلال وبعد عملية الغسيل، أي أن العملية برمتها تتطلب التزاماً مهنياً وإنسانياً وأخلاقياً ودينياً تجاه مريض الفشل الكلوي بتوفير كل هذه الخدمات له وفقاً للمعايير الدولية في ذلك. وهذا ما دعا الجمعية إلى أن تكون الرائدة في إصدار المعايير اللازمة لتأسيس مراكز غسيل الكلى التي اعتمدها مجلس الخدمات الطبية وأصبحت الجمعية مرجعاً في هذا الأمر.
الشفافية هي أمر مهم ركز عليه الأمير عبد العزيز بن سلمان في حديثه، حيث أكد أنه حريص على ألا تصرف التبرعات التي تتلقاها الجمعية على الكادر الإداري للجمعية، بل إن الكادر الذي يعمل في الجمعية لا يتجاوز الأشخاص الستة، وأن باقي الكادر متطوعون من جهات أخرى وهو ما يقلل كثيرا من التكاليف ويسهم في توفير تلك الأموال للصرف على الخدمات المتعلقة بشكل مباشر بمرضى الفشل الكلوي. كما أنه أكد أن أبواب الجمعية مفتوحة لأي شخص يريد أن يتحقق مما تقوم به، كما أنها ترحب بأي شخص يريد التطوع في أنشطة الجمعية، لتحقيق هدف سام يتجاوز الأهداف المادية إلى أهداف إنسانية جليلة.
السؤال كيف يمكن أن نسهم في دعم برامج غسيل الكلى، وبالتالي التخفيف من معاناة فئة من الناس، قد نكون أو قد يكون أحد أقاربنا – لا سمح الله – يوماً من الأيام من هذه الفئة. الأمر لن يكون شاقاً إذا توفرت الإرادة الصادقة، والإحساس الصادق بمعاناة مريض الفشل الكلوي، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في احتساب الأجر عند المولى ـ عز وجل, خصوصاً في هذا الشهر الكريم الذي تضاعف فيه الحسنات. الرقم 5060 لمشتركي ''الاتصالات'' و''موبايلي'' خدمة وفرتها الجمعية لتسهل على المواطنين والمقيمين مساعدة إخوانهم مرضى الفشل الكلوي، فبإرسال رسالة نصية إلى الرقم 5060 ستسهم بعشرة ريالات لمرة واحدة، وبإضافة الرقم 1 في نص الرسالة ستسهم بـ 12 ريالا شهرياً لمساعدة مرضى الفشل الكلوي، وتخيل كم من مريض فشل كلوي ستخف معاناته عندما يقوم كل منا بإرسال هذه الرسالة.