«مجانا» .. الفكرة الأساسية في الاقتصاد العالمي الجديد
يقدم الكتاب دليلا مقنعا على أن الشركات يمكنها أن تربح من إعطاء الأشياء للآخرين أكثر مما تربحه عندما تركز على تحصيل الأموال منهم. ما يقدمه هذا الكتاب بعيد كل البعد عن كونه وسيلة ترويج مخادعة، وإنما يقدم استراتيجية أعمال قد تكون ضرورية لبقاء الشركة.
تتزايد التكاليف المرتبطة بنمو اقتصاد الإنترنت سريعا بمعدلات لا تصدق. لم يحدث قط في التاريخ أن انخفضت أسعار المدخلات الأولية في الاقتصاد الصناعي بسرعة كبيرة لفترة طويلة.
في عام 1961 كان سعر الترانزيستور الواحدة عشرة دولارات، في حين أن أحدث شريحة إلكترونية تحتوي على ملياري ترانزيستور ويبلغ سعرها 300 دولار (أي 0.000015 سنت لكل ترانزيستور). وهو ما يعني أن علم الاقتصاد التقليدي القائم على مفهوم الندرة لا يطبق على المنتجات التكنولوجية.
إلا أن هذا هو فقط أحد الدوافع لمفهوم المجانية الجديد، وهو الواقع الذي تجاوز حيل التسويق أو الدعم المتبادل. كما يشير الكتاب إلى نمو اقتصاد السمعة، وهو ما يفسر النماذج المختلفة لإطلاق قوة المجانية، ويوضح كيف يمكن للشركات التنافس عندما يكون منافسوها يمنحون عملاءهم دون مقابل ما تحاول شركتك أن تبيعه لهم.
يستكشف الكتاب هذه الفكرة الأساسية في الاقتصاد العالمي الجديد ويوضح أن هذه النظرية الثورية للسعر يمكن استغلالها لصالح المستهلكين والشركات معا. أثار الكتاب بمجرد نشره كثيرا من الجدل حول مستقبل الاقتصاد الرقمي.
يرى مؤلف الكتاب أن الشركات عاجلا أم آجلا سيكون عليها أن تكتشف طرقا للمنافسة عن طريق العروض المجانية لتنافس غيرها من الشركات التي تقدم منتجاتها و خدماتها مجانا. والواقع أن هذا الأمر صار أمرا واقعا في بعض المجالات، ففي الصحافة مثلا انهارت الكثير من نماذج الأعمال التقليدية بسبب ما أتاحته شبكة الإنترنت من مصادر مجانية للأخبار وخدمات النشر.
لتجنب المزيد من التدهور في حال الصحافة، ظهرت بعض الدعوات لوضع نظام لتحجيم مواقع الأخبار المجانية بفرض رسوم زهيدة على القراء، يرى مؤلف الكتاب أن هذا سيؤدي إلى انخفاض حاد في عدد قراء وزوار هذه المواقع، إذ يبدو أن الناس قد تمت برمجتهم على استجابة واحدة عندما يرون سعرا لخدمة يريدونها. هذه الاستجابة تتلخص في التساؤل عما إذا كان الأمر يستحق دفع هذا المبلغ، مهما كان ضئيلا، في مقابله.
يستخدم الكتاب مصطلح ''التكلفة العقلية للمعاملات المالية'' للإشارة إلى الكسل الذي يدفعنا إلى تجنب اتخاذ أي قرار أيا كانت توابعه. مهما كان الشيء رخيصا فإننا بمجرد البدء في التساؤل عن جدواه نبدأ في استهلاك طاقتنا العقلية في اتخاذ القرار.
لذلك يرى أن فرض رسوم زهيدة على زوار مواقع الإنترنت نظير ما تقدمه من خدمات سيقلل التكلفة المالية للشراء إلى أقصى حد ممكن، لكنه لن يلغي أبدا التكاليف المعرفية الأخرى، حيث سيلجأ الكثير من العملاء المحتملين إلى صرف النظر عن عملية اتخاذ القرار ومن ثم عن قرار الشراء ككل.