هيئة تطوير مدينة الرياض وفكرة مراكز المدن

في العدد السادس والخمسين من مجلة ''تطوير''، التي تصدرها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، استوقفني موضوع جاء في صفحة لقاء، والذي خصص لعرض فكرة المراكز الفرعية التي تقع ضمن نطاقات سكانية محددة في مدن موزعة على أطراف الرياض. وقد تضمن التقرير عرضاً لما تم من لقاء بين مسؤولي الهيئة، وملاك الأراضي، والمستثمرين استهدف التعريف بالمشروع، والتحولات التي يستهدف تحقيقها في مدينة الرياض تجنباً للمشاكل المرورية، والبيئية، والسكانية، والتي بدأت تظهر منذ زمن في مدينة الرياض، وذلك نظراً لكثافة السكان الذين يقدر عددهم الآن بخمسة ملايين نسمة ويتوقع بلوغهم سبعة ملايين، ونصف بعد 15 عاماً من الآن.
هذا المشروع يستهدف إقامة مدن مصغرة خارج مدينة الرياض، وبالقرب منها تفك الخناق الذي يزيد يوماً بعد يوم نظراً لكثرة النازحين من المدن، والمحافظات، والأرياف إلى مدينة الرياض، إما لارتباط بعمل، أو بهدف التحاق الأبناء، والبنات في مؤسسات التعليم العالي، أو لممارسة التجارة في مدينة عامرة بالأسواق، والمراكز التجارية الضخمة.
ولعله من المناسب الإشارة إلى أن أحد أسباب نزوح السكان إلى المدن الكبيرة، كالرياض، وجدة هو تعدد، وتنوع النشاطات التجارية، والثقافية، وتوافر الخدمات، إضافة إلى فرص الترقي الوظيفي خاصة لبعض المراتب، التي قد لا تتوافر في المناطق، والمحافظات، ولعل الجهات ذات العلاقة تعيد النظر بشأن آليات الترقي الوظيفي حتى يتمكن الموظف أين ما كان من الحصول على المرتبة التي يستحقها بدلاً من الاضطرار للانتقال إلى الرياض، أو غيرها من المدن الكبيرة. ولعل توجه وزارة التعليم العالي في التوسع في افتتاح جامعات، وكليات في المناطق، والمحافظات يسهم في توطين، وتثبيت الناس في مدنهم، وقراهم بدلاً من رحيلهم عنها وترك مزارعهم، وأنشطتهم، ومهنهم السابقة.
تأملت في فكرة المشروع فألفيتها فكرة رائدة تسهم في التخلص من المشاكل المتراكمة، التي تزيد مع الوقت في مدينة بحجم مدينة الرياض لكن نجاح هذه الفكرة وتحولها إلى مشروع حقيقي يخدم مدينة الرياض بشكل جيد يستوجب السعي لتلافي الأخطاء كافة التي حدثت في مدينة الرياض، خاصة أن هذه مدن جديدة وليست كالرياض التي تأسست في زمن يفتقد فيه البلد الكثير من الخبرة في تخطيط، وإنشاء المدن.
أمور عدة أعتقد أهمية مراعاتها تلافياً للمشاكل التي تعانيها مدينة الرياض في الوقت الراهن، ولعل أول هذه الأمور هو مواقف السيارات للساكنين والدوائر الحكومية، والجهات الخدمية في هذه المراكز، خاصة أن فكرة المشروع مرنة بحيث يعطي المستثمر حرية ارتفاع المباني بشكل يخدم فكرة التوسع الرأسي، فهذه المراكز إن هي شيدت دون مواقف سيارات فهذا من شأنه نقل المشكلة التي تعانيها مدينة الرياض إلى هذه المراكز. كما أن مما يستوجب الأخذ به ومراعاته هو تجنب تكدس المراكز الحكومية، ومراكز تقديم الخدمات في مكان، أو جهة معينة من مراكز المدن المزمع إنشاؤها، فهذا سيولد اختناقات مرورية تصعب معالجتها فيما بعد، وهذا ما يعانيه سكان مدينة الرياض، وهم ذاهبون لأعمالهم، أو الطلاب، وسائر مَن يسكن هذه المدينة، ويكفي أن أشير إلى مثال واحد فقط لم تكتمل مشاريعه بعد، حيث يوجد على طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول المؤدي إلى مخرج ''2'' على الدائري الشمالي وعلى مسافة لا تزيد على كيلو مترين عديد من الهيئات، والجهات الحكومية، وهي جامعة الملك سعود للبنين، وجامعة الملك سعود للبنات تحت الإنشاء، وهيئة المواصفات والمقاييس، وهيئة الاتصالات السعودية، ومجتمع التقنية، ووادي الرياض للتقنية، ومشروع حكومي ضخم تنفذه شركة سعودي أوجيه، كل هذه تحت الإنشاء، إضافة إلى هيئة الاستثمار، ومن شأن تكدس هذه الهيئات، والجهات الحكومية في موقع واحد أن يحدث أزمة مرورية خانقة حين تنتقل هذه الجهات إلى مواقعها الجديدة مع عدم وجود مواقف للسيارات. التقرير الوارد في مجلة ''تطوير'' أشار إلى اضطلاع المطور، والمستثمر بتنفيذ كامل الخدمات، ولعله من المناسب تجنب فكرة تمديد الخدمات بعد طلب المستهلك، كما هو حادث الآن، حيث إن الكهرباء، والماء، والتليفون، وغيرها لا تمد للبيوت إلا بعد الانتهاء من البناء، ذلك أن هذا النظام يترتب عليه كثير من الأضرار المادية، والمتاعب الإدارية، والمشاكل الفنية المتمثلة في الأعطال الناجمة عن عمليات الحفر، إضافة إلى تشويه الشوارع، وعرقلة حركة السير. إن تصريف السيول، والصرف الصحي خدمات لا بد من العناية بها تجنباًَ لما تعانيه شوارع وأحياء الرياض من تسربات ومن روائح أو عند نزول المطر حتى ولو كانت يسيرة.
تساءلت وأنا أقرأ التقرير عن حركة السير من وإلى هذه المراكز هل ستكون بالطريقة المعتادة بالسيارات، أم أنه ستكون هناك شبكة قطارات تربط بين هذه المراكز ومدينة الرياض؟ إذ إن سكان هذه المراكز لن يقبعوا في مساكنهم، كما أن جزءاً منهم قد يعمل في وسط المدينة، ولذا لا بد من التفكير في أبسط وأفضل وسيلة نقل حتى لا نخلق أزمات مرورية جديدة، وحتى لا نرى مزيداً من السيارات تقف على الأرصفة، وأمام أبواب المنازل لقلة المواقف النظامية. لا شك أن القائمين على الهيئة، وعلى هذه المشاريع تتسع صدورهم لمثل هذه الأفكار وغيرها، ولذا رأيت تقديمها خدمة لمدينتنا ووطننا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي