إنفلونزا الخنازير.. وإنفلونزا حوادث السيارات

أعتقد أن الحديث عن إنفلونزا الخنازير تجاوز مرحلة التثقيف والتوعية إلى مرحلة الهلع السلبي.. فإنفلونزا الخنازير لم يتجاوز عدد المتوفين بسببها 23 شخصا، وتجاوزت نسبة من تم شفاؤهم 96 في المائة, وهي نسبة عالية بكل المقاييس (حتى كتابة هذا المقال). الخطر يكمن فقط في حالة تحول الفيروس من شكله الحالي إلى شكل آخر يشكل خطرا مباشرا على البشرية, كما حدث عام 1913 عندما مات أكثر من 25 مليون من الإنفلونزا.
في الجانب المقابل نعاني, ومنذ زمن بعيد, وباء حقيقيا يشكل تهديدا مباشرا لكل من أصيب به، ليس فقط صغار السن أو كبار السن, بل حتى الشباب أصحاب المناعة القوية, إنه وباء حوادث السيارات, فحوادث السيارات تقتل كل ساعتين شخصا وتتسبب في إصابة ثمانية أشخاص يوميا, بمعنى أننا نفقد يوميا 12 شخصا بفعل حوادث السيارات حسب تقرير منظمة الصحة العالمية، بينما تشير إحصاءات أخرى إلى أننا نفقد 16 شخصا يوميا بفعل الحوادث, كما تسبب حوادث السيارات خسارة تقدر بسبعة مليارات ريال سنويا, كما أن ارتفاع نسبة حوادث السيارات يسهم في ارتفاع التكلفة العلاجية وارتفاع بوليصة التأمين. أنا على يقين أن كل قارئ لهذا المقال لديه ذكرى حزينة سببها حوادث السيارات, كما أن نسبة حوادث السيارات تزيد مع شهر رمضان والحج، كما أشار إليه التقرير الصادر من منظمة الصحة العالمية.
لا شك أن التحكم في أسباب حوادث السيارات يتطلب إجراءات تشريعية وإجراءات توعوية. ومن المعلوم أن الإجراء التشريعي أسهل من الإجراء التوعوي, لأن الإجراء التشريعي يتطلب سنّ قانون ورقابة على تنفيذ القانون, بينما الجانب التوعوي يتطلب تغييرا في سلوك الآخر, وهو إجراء يتطلب كثيرا من الوقت والجهد, لذا أجد أن بعض أسباب حوادث السيارات لم يتم التحكم بها على الرغم من كونها إجراءات تشريعية لا توعوية, بمعنى أن هناك إجراءات تسهم بشكل مباشر في الحد من حوادث السيارات, وتتطلب فقط سن قوانين للحيلولة من إسهامها في زيادة نسبة حوادث السيارات. فمثلا لا أجد تركيزا يوازي الحدث في الحد من بيع إطارات السيارات المقلدة وغير المطابقة للمواصفات على الرغم من تأثيرها المباشر في كثير من حوادث السيارات، كما لا أجد اهتماما بإصدار تشريعات تمنع السيارات القديمة من القيادة خصوصا وأن إعاقة السير أحد أسباب حوادث السيارات، كما لا أجد تشديد العقوبة على أصحاب المركبات عديمة الإضاءة أو منخفضة الإضاءة، كما لا أجد تشريع يسهم في الحد من قيادة السيارات من قبل العمالة غير المؤهلة للقيادة, وخصوصا أنها تشكل النسبة الأعلى من حوادث السيارات، كما أشار التقرير السابق, فالحاجة ملحة إلى إصدار تشريعات تمنع العمالة من قيادة السيارات إلا وفق ضوابط محددة. هذه بعض العوامل المساهمة في حوادث السيارات التي لا نجد تركيزا على دورها في زيادة نسبة الحوادث.
أما الجوانب التوعوية فلا أعتقد أن كل من يقود مركبة لا يعرف خطورة السرعة وأثرها في الحوادث, فمنذ أن كنا أطفالا ونحن نسمع ونشاهد عديدا من الحملات الإعلانية, لكن معدلات الحوادث في ازدياد, لذا فإن الحجة ملحة لمراجعة أثر الحملات التوعوية في الحدّ من حوادث السيارات، ولماذا لم تسهم هذه الحملات في الحد من الحوادث؟
أتمنى أن تتغير استراتيجية التوعية بالسلامة المرورية بحيث تكون بدلا من إعلان توعوي إلى حوار مع الشريحة المستهدفة وهي شريحة الشباب. فأتمنى أن يوقع مدير عام المرور مذكرة تفاهم، كما وقع وزير الصحة مذكرة تفاهم مع وزير التربية والتعليم من أجل وباء إنفلونزا الخنازير, أن يوقع اتفاقية تعزيز التوعية بالسلامة المرورية عبر حوارات مباشرة مع طلبة المدارس والجامعات، كما أتمنى التركيز بشكل أكبر على دور حزام الأمان في الحدّ من أثر الإصابات حين وقوعها.
لا شك أن ''ساهر'' يشكل منعطفا مهما في التحكم بالعوامل المسببة للحوادث, لكني أجد أن تركيز ''ساهر'' منصب فقط على السرعة, وكأن السرعة هي السبب الأوحد في حوادث السيارات. ولعلي لا أريد أن أقلل من دور السرعة في الحوادث, لكن الحديث عن دور العوامل الأخرى شبه مندثر ومفقود, وخصوصا الجوانب التشريعية.
المشاهد أن كثيرا من الدول الغربية تسمح بالسير بسرعات عالية تتجاوز 140 كيلو مترا, خصوصا في أوروبا كألمانيا بريطانيا, دون أن تسجل نسبة عالية من الحوادث, بل إن السرعة في بعض شوارع ألمانيا مفتوحة وغير محددة.
أتمنى التركيز على كل من يعوق حركة السير التي أحيانا تكون تأثيرها أسوأ من زيادة السرعة. المشكلة التي يعانيها كل من يحاول الالتزام بالسرعة إما السير فوق سرعة 120 كيلو مترا من أجل البقاء على الخط الأيسر أو السير بسرعة 80 من أجل السير بالمسار الذي يليه, ما يصعب المهمة لدى كل من يحاول الالتزام بالسرعة المحددة.
ما أتمناه ختاما أن يسهم ''ساهر'' وغيره من البرامج في إحداث أثر فعلي للحد من حوادث السيارات, كما أتمنى أن تفعّل التشريعات التي تسهم في الحد من حوادث السيارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي