المرأة والتأمين والجريمة
وصلتني بعض الرسائل التي جادت بها قريحة بعض القارئات من تعليقات رداً على مقالة الأسبوع الماضي والتي كانت بمناسبة حريق الجهراء. وفحوى هذه التعليقات يدور حول أن المرأة مخلوق ضعيف وهو الأولى بالحماية والتأمين من الرجل. بل وسردت إحداهن بعض القصص المؤلمة لما يقع من ظلم الرجل للمرأة، بينما انبرت أخرى لتصف مشاعر المرأة حينما يُحرق قلبها الزوج بالزواج من أخرى رغم تضحياتها له. واستخلصت في النهاية أن ما قامت به تلك الزوجة المكلومة من إحراق خيمة العرس بمن فيها هو أمر له ما يبرره وإن كانت تبدي أسفها على الضحايا الأبرياء الذين قضوا في الحريق، يعني ببساطة أن الفعل مقبول ولكن النتيجة غير مقبولة.
هذه الأفكار التي كشفتها رسائل سفيرات نون النسوة لي جعلتني أعيد التأمل فيما طرحه بعضٌ من الأصحاب والزملاء حول مسألة جواز تولي المرأة القضاء وخصوصاً في مثل هذه الحالات التي قد تغلب فيها العاطفة العقل، وجعلتني أفكر ملياً في المشاعر الإنسانية وضوابطها وعما إذا كانت تختلف من مجتمع لآخر أو من عرق لآخر ولا سيما أنه معروف عنا نحن العرب سرعة ردة فعلنا في الخير أو الشر وكذلك سرعة الانفعال والندم وسرعة الانفجار العاطفي.
حدثت قصة معي حينما كنت أدرس اللغة في فرنسا ولعل فيها بعض من الحكمة، فقد كان في معهد اللغة الذي أدرس فيه مدرّسة فرنسية وكانت هذه المدرّسة تحدثنا عن إحدى طالباتها التي تأتي كل يوم إلى الفصل وهي باكية، واستمرت على هذا الحال إلى أن تركت الدراسة وعادت إلى بلدها الذي جاءت منه. وكانت المدرّسة تحدثنا عن قصة هذه الطالبة ومعاناتها وهي متأثرة جداً، وختمت قصتها مع هذه الطالبة بأن أخبرتنا بسبب بكائها ومعاناتها قائلة لنا: هل تعرفون سبب بكائها؟ إنها تبكي كل يوم ندماً على أنها تركت صغيرها في بلدها وجاءت لدراسة اللغة. فما كان مني إلا أن قلت لها أكيد أن هذه المرأة عربية أو إنها على الأقل مشرقية! فما كان منها إلا أن ردت عليّ وبنبرة لا تخلو من غضب: الأم أم بغض النظر عن جنسيتها أو لونها أو عرقها. وإيماناً مني بمبادئ السلام العالمية فقد ركنت إلى الصمت مع ابتسامة عريضة رغم علمي بالاختلاف الكبير بين الغريزة التي تحرك الأم والمشاعر التي تتأثر بالتنشئة والبيئة وتأثير كل منهما في الآخر.
وطالما أن الحديث حول المشاعر فلا أحد يجادل بأن المرأة تتميز برقة وعذوبة مشاعرها وفيض عاطفتها، فهي الأم والزوجة والأخت والابنة وهي الحضن الدافئ، وقد وهبها الله كل هذه القيم العظيمة من أجل أطفالها وزوجها وأسرتها ولتمارس دورها في هذه الحياة على أكمل وجه. ولكن حينما تلتهب مشاعر المرأة وتتحرك فيها الغيرة وتخرج عن السيطرة فهي ستتحول إلى مخلوق شرس لا ضابط يضبطه أو رادع يردعه، وقد تتحول إلى كائن مجرم لا يحسب أي حساب لعواقب فعلته، وهنا ينبغي التأمين ضد هذا الكائن المتحول. أما المرأة بصورتها الجميلة التي خلقها الله عليها فهي أولى ودون أدنى شك بالحماية من الرجل فهي التي ستعاني أكثر من الرجل في حالة الطلاق، وهي التي تكون في حاجة إلى الحماية من ظلم الرجل وأسرتها ومجتمعها في حالة طلاقها، والتأمين سيكون بلا شك له دور كبير في توفير حياة كريمة لها، ولكن هذه الحماية مشروطة بأن تبقى المرأة ذلك المخلوق الجميل الذي لم يقترف غدراً أو خيانة أو جريمة وإلا لابد لها من أن تدفع ضريبة انحرافها.