كم «ظافر» لدينا؟
بداية كل عام وأنتم بألف خير، بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك، جعله الله شهر صيام وقيام ورحمة بين الناس وعتق من النار.
ثم بالإذن من الأستاذ الزميل عبد العزيز الحضيف الذي اقترح هذا العنوان في رده على مقالة سابقة نشرت لي في هذه الجريدة بتاريخ 8 رجب 1430هـ الموافق 1 تموز (يوليو) 2009م تحت عنوان '' 150 عاماً سجناً لمحتال ''وول ستريت''... فكم يستحق محتالونا؟'' حيث قال أنه إنه فكر في كتابة مقال مشابهة تحت عنوان '' كم مادوف لدينا؟'' وها أنا اليوم أكتب مقالا حسب اقتراح الأستاذ الزميل عبد العزيز، ولكن مع تعديل بسيط بحيث يكون بدل اسم ''مادوف'' الأمريكي، اسم سعودي هو '' ظافر''!
فقد تم الإعلان في 27 شعبان 1430هـ الموافق 18 آب (أغسطس) 2009م وقبل ثلاثة أيام فقط من دخول الشهر الفضيل عن أول قرار من نوعه لسجن رئيس مجلس إدارة شركة مساهمة بدعوى مخالفته للنظام! ونحن نقول وإن كنا لا نتمنى إلا الخير للجميع وألا يتضرر أحد، وبالذات مع أيام الرحمة والمغفرة، إلا أن القرار كان في محله تماماً، وإن كان مفاجئاً من الناحية العامة دون الدخول في تفاصيل الحكم حيث لا مزايدة على حكم اللجنة، مهما تباينت الرؤى. ولكن حسب ما ورد في الإعلان فإن القرار نهائي وواجب النفاذ قبل يوم من تاريخ إعلانه (17 آب (أغسطس) 2009م) على رئيس مجلس إدارة شركة ''بيشة'' للتنمية الزراعية نجم الدين أحمد نجم الدين ظافر. بناء على معلومات داخلية حصل عليها بحكم عمله كرئيس لمجلس إدارة الشركة.
والجديد في الحكم أنه رئيس مجلس إدارة شركة مساهمة عامة سعودية كانت أسهمها تتداول في سوق الأسهم إلى أن تم إيقاف تداولها نتيجة الخسائر المتراكمة عليها وتآكل رأسمالها. كما أن الجديد أنه تضمن الحكم بالسجن مدة ثلاثة أشهر على المخالف. وهذا أمر طيب وجميل أن يكون هناك توجها واضحا وحزما حقيقيا في ضبط سوق المال لدينا، فهو سوق قائم على الثقة وإن تزعزعت تلك الثقة يوماً ما ولا تزال بحاجة إلى أن تعود! وقد طرحت سؤالا في مقال سابق حول مادوف وقلت بالحرف الواحد '' ماذا فعلنا نحن بمن احتال علينا محليا بكل الوسائل الشرعية وغير الشرعية وبأسماء معلنة، ابتداءً بقضايا المساهمات العقارية إلى مساهمات البيض وسوا، ومن سوق الأسهم والمجموعات التي تعيث في الأرض فساداً حتى اليوم مع مراجعيها وموظفيها ولم نستطع أن نفعل شيئا لهم؟''.
وقلنا في نهاية المقال إن '' ما يحسب للسلطات الأمريكية أنها وخلال ''ستة أشهر فقط'' أصدرت الحكم على مادوف بالسجن 150 عاماً دون إبطاء أو مماطلة. وهو ما يعطي الجاذبية والثقة بالبيئة الاستثمارية الأمريكية، ولا عجب أنه ورغم كل ما حدث لأمريكا خلال الأزمة المالية، ورغم أنها مصدر الأزمة والمسبب الأول لها، مؤشرات الثقة في أمريكا كبيئة استثمارية لا تزال جاذبة وقوية، والسبب البسيط ولكنه المهم هو النظام الذي لا يعرف أحدا، فالنظام فوق الجميع! فعلاً، لا أحاديث مجالس أو إعلام! كم قضية مالية لدينا لا تزال عالقة وحقوق الناس لم ترد لسنوات باتت تمتد لعقود؟''.
والآن لنعد إلى الحكم على المخالف! الأمر الذي يعني أن القضية بدأت قبل إيقاف تداول أسهم الشركة والذي صدر يوم السبت 23/12/1427هـ الموافق 13/1/2007م، مما يعني أن القضية لها أكثر من سنتين وثمانية أشهر تقريباً. أي نحو 32 شهراً. وهي مدة طويلة جداً في أسواق المال وعصر المعلومة المجنون والذي يتم اتخاذ قرارات بشأنها في ساعات وأيام قلائل. نعم التوجه محمود ومطلوب ولكن في قضايا مخالفات أسواق المال التي تحدث مع كل فتح يوم تداول للأسهم لا يمكن الانتظار لسنتين أو ثلاث وإن كنت أعلم أن هذا ليس قرار هيئة سوق المال وإنما اللجنة المكلفة بالنظر في مثل هذه القضايا. ولكن نحن اليوم ضمن مجموعة العشرين وبالتأكيد نريد أن نعطي صورة متقدمة عن معالجة مثل تلك القضايا بحزم وصرامة تعطي الثقة للمستثمر المحلي قبل الأجنبي!
أدرك ابتداءً أن عملية ضبط المخالفات فيها من التعقيدات والصعوبات الشيء الكثير، وأعلم أنه وبالقدر الذي تتطور فيه أدوات الضبط، يزداد عدد المحتالين في تطوير أدوات الاحتيال. لكن الحياة هي أصلاً صراع ما بين الخير والشر. واجبنا أن نعمل ونطور وأن نتفوق على مطوري أدوات الشر حماية لحقوق الناس وترسيخ للنظام الذي (يُـقال) إنه على الجميع. أقول هذا الكلام لأننا نعلم أن المخالفات تتم يومياً في سوق الأسهم، وأعتقد أن هناك نسبة لا يستهان بها فقدت الثقة في السوق، وآمل ألا تصل تلك الزعزعة في الثقة إلى كل سوقنا المالية. فهي أساس الثروة وكل ما تم من تطوير خلال الخمسين عاماً الماضية علينا أن نحافظ عليه من خلال فرض النظام بجميع أشكاله والضرب بيد من '' نار'' لكل من تسول له نفسه العبث بالمقدرات المالية وقوت الشعب. هي جرائم من وجهة نظري لا تقل عن الجرائم الإرهابية!
نعلم كذلك أن الهيئة تعمل اليوم على تطوير كامل لحوكمة الشركات بما في ذلك مسؤوليات المسؤولين في تلك الشركات وبالذات فيما يخص مجالس إدارات تلك الشركات. وقد سبق أن وذكرت قبل أكثر من عامين تقريباً أننا سوف نشاهد ونسمع عن عدد كبير من أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة وهم (يستقيلون) أو (يـُقالون)، لأنهم ببساطة غير قادرين على تطبيق متطلبات التنظيم الحوكمي الجديد. والله من وراء القصد.